وطأت قدما الطفل رضوان.ب المزداد أواخر سنة 1999 مبنى الشرطة القضائية باحثا عن ملاذ يقيه العنف الممنهج لوالده الذي افترق عن أمه ليقترن بامرأة ثانية لم تكن تتردد هي الاخرى في الإعتداء عليه بكل قسوة. بادر المسؤول الأمني الذي تصادف وجوده بمقر الشرطة القضائية التابعة للأمن الإقليمي بورزازات بسؤال الطفل عن حاجته، ظانا أنه جاء ليسأل عن أحد أقاربه العاملين ضمن الأسرة الأمنية، أو أنه مبعوث من طرف شخص ما للاستفسار عن وضعية متهم أو مشبوه وضع قيد الحراسة النظرية. فوجئ رجل الأمن بجواب الطفل القاصر الذي صرح بكامل الثقة في النفس أنه جاء طلبا للحماية من البطش الذي يتعرض له في وسطه الأسري لأتفه الأسباب. وعندما بادر الضابط بسؤاله عن مقر سكن والديه، أجاب الطفل بكل تلقائية، أنه يقطن في حي أيت كضيف، عندئذ التقط الضابط أولى المؤشرات حول جدية ما يزعمه القاصر، بناء على كون جزء من ساكنة هذا الحي الشعبي منغمسة في الانحراف. استرسل رجل الأمن في لعبة السين والجيم مع الطفل بعدما أخبر رئيسه المباشر، وإطلاع النيابة العامة على فحوى النازلة. تعذر على الضابط الاستماع إلى القاصر بحضور أحد أقاربه الذين لم يعد يطيق حتى مجالستهم، باستثناء والدته التي طردت من بيت الزوجة لتتجه للعمل في الضيعات الفلاحية ضواحي مراكش تاركة فلذة كبدها ضحية لنزوات الاب القاسي، وزوجته التي تجردت من أي إحساس بالأمومة اتجاه صبي أصبح مصنفا في عداد اليتامي، ومن هم في حاجة إلى استدرار العطف. بالرغم من غياب أحد أولياء الطفل، كان لابد من فتح محضر قانوني لتدوين الظروف الصعبة التي تحف بوضعية هذا الطفل الهارب ظلم «ذوي القربى»، فتم الإهتداء إلى الاستماع إليه بحضور رجل الأمن الأكبر سنا، والأكثر تجربة,والذي تصادف وجوده في المصلحة الأمنية ساعة وفود هذا «اللاجئ» من طراز فريد. لم تبق المعاملة القاسية التي يتعرض لها الطفل رضوان حبيسة جدران البيت الصغير الذي يأوي أفراد أسرته.كان أترابه في الشارع وفي المدرسة يحاصرونه بجملة من الاسئلة المستفزة حول وضعه العائلي، ومصدر عيش الأسرة الذي كان الطفل بحكم حداثة سنه على غير دراية به، وغالبا ما كان عجزه عن الدفاع عن وضعيته النفسية المهزوزة يسبب له ألما عميقا، لم يجد له من بلسم سوى التوق إلى الإرتماء في حضن أمه التي أكرهت على فراقه مجبرة. كان الغموض الذي يلف شخصية والد الطفل القاصر، بناء على التصريحات التي أدلى بها، باعثا بالنسبة لعناصر الشرطة القضائية على التحري من بعيد لاستجلاء بعض ملامح الوضع الاجتماعي لأسرة الطفل الذي لم يعد يطيق أن يتقاذفه العنف المتواصل داخل سكن أهله، والكلام الجارح وسط الحي والمدرسة. بعد سلسلة من التحريات السرية حول والد الطفل، اتضح أنه حل منذ مدة بمدينة ورزازات للعيش فيها قادما إليها من قلعة مكونة. إلا أن عدم احترافه لأية مهنة جعلت أفراد الشرطة القضائية يرتابون في مصدر عيشه لاسيما وأن أسرته متعددة الأفراد. بعد سلسلة من التحريات المحبوكة، اهتدت عناصر الشرطة القضائية إلى اكتشاف أمر هذا الرجل الذي اضطر للهجرة قصد الاستقرار بورزازات، بعدما أصبح معروفا لدى عناصر الدرك الملكي بقلعة مكونة على أنه من أصحاب السوابق القضائية في مجال السرقة والاتجار في المخدرات والتي قضى بسببها عقوبات حبسية كان آخرها سنة 1998. بادرت فرقة مكافحة المخدرات عندئذ إلى وضع الظنين ضمن قائمة المشبوهين الذين ضربت عليهم مراقبة سرية لصيقة إلى أن وقع في كمين لم يجد معه بدا من السماح لعناصر الشرطة القضائية بتفتيش منزله حيث تم العثور على صفائح من مخدر الشيرا مخبأة بعناية في سقف غرفة نومه على مقربة من المصباح الذي يضيء الغرفة. حين حوصر المتهم بالجرم المشهود لم يجد بدا من الإعتراف بسوابقه القضائية، كما كشف عن هوية الشخص الذي يزوده بما يعادل كيلوغرامين من مخدر الشيرا كل شهر. كان مآل الوالد القاسي هو الإحالة على العدالة من أجل الإتجار في المخدرات المحرم بقوة القانون، بينما أحيل الطفل القاصر على والدته لينعم بحنان الطفولة الذي حرم منه ضدا على القانون.