تظاهرة ثقافية ترعى الذاكرة المغاربية المشتركة وتحفظها ضد النسيان «بعد متابعتنا لهذا العرض الباهر يمكننا الاطمئنان إلى كون التراث لا خوف عليه، وقد انتقل إلى أيدي جديدة أضفت عليه من سحر الشباب مسحة متميزة». بهذه الكلمات عبرت المديرة الفنية لمهرجان الأندلسيات الأطلسية الفنانة فرانسواز أتلان، متألقة في ثوبها التقليدي الوطني، عن إعجابها بالحفل الذي أقامته ليلة الافتتاح، فرقة المواهب الشابة للمعهد الموسيقي لمدينة فاس. لقد كان إعجابا شاركها فيه الجمهور الحاضر بكل تلويناته، من خلال عواصف التصفيق التي كانت تجتاح الصفوف، وكان من بين الحاضرين أندري أزولاي الرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موغادور، رئيس المهرجان، وعامل إقليمالصويرة، وكذا سفراء الاتحاد الأوروبي والصين والجزائر والبرازيل.. إضافة إلى حشد كبير من الفنانين والإعلاميين الذين حجوا إلى منصة باب المنزه لمتابعة فقرات حفل الافتتاح. قبل ذلك وبتأثر عميق ارتجل أندري أزولاي كلمة في حق الفقيد الدكتور الراحل عبد الرحيم الهروشي الذي كان عضوا بمكتب مؤسسة الصويرة موغادور، والذي جمعته علاقة خاصة بمدينة الصويرة، كلمة عبر فيها عن انخراط الراحل الكثيف في مختلف الأنشطة الثقافية التي شهدتها المدينة وأحد أصدقاء وعشاق هذا المهرجان على الخصوص، ومعلوم أن منصة باب المنزه كانت تتوسط صورتين من الحجم الكبير للهروشي خلال إحدى زياراته لمدينة الصويرة. وأشار أزولاي إلى شخصية الفقيد اللامعة في العديد من المجالات، قائلا «لقد افتقدنا فيه صديقا كبيرا ولعله حيث يوجد الآن يسمعنا ويشاركنا هذا الاحتفال». بعد ذلك أعطيت إشارة انطلاق مهرجان الأندلسيات الأطلسية في نسخته الثامنة، وفي مدينة النوارس، تتعاقب دورات مهرجان الأندلسيات الأطلسية دون أن تتشابه، فكل دورة هي فرصة للاحتفاء بلون من الفنون التي تجسد المشترك وحوار الثقافات التي تعايشت في وئام منذ الحقب العميقة تحت سماء المغرب. كل دورة كذلك، هي شحنة مفعمة بالجديد وبالاكتشاف، فبعد أن احتفت الدورة الماضية بفن المطروز، وعرفت مشاركات متنوعة، يعود المهرجان هذه الدورة التي تختتم اليوم ليسمع صوت تراث مغاربي / أندلسي متنوع، كحارس على الذاكرة من النسيان من خلال هذه التظاهرة الثقافية الهادفة التي انتزعت لها مكانا قارا في واجهة الأجندة الثقافية للمغرب وتحت سماء موغادور، من خلال احتفائها بالتراث المشترك، بغية التعريف به والحفاظ على الذاكرة المشتركة لشعوبه في مساراتها المتنوعة. ويقول رئيس هذه التظاهرة الثقافية المتميزة، أن مهرجان الأندلسيات الأطلسية، الذي يعد موعدا سنويا لمدينة الصويرة، يظهر بكل فخر غنى وعمق وتنوع المغرب والمغرب الكبير، الذي تجمعه روابط التاريخ والحضارة والموسيقى. كل دورة هي فرصة كذلك لتكريم وجه فني من الوجوه التي رعت لونا من ألوان الفنون المغاربية اليهودية، بإضافة بصمته الخاصة على هذا التراث، وقد سبق للمهرجان أن كرم بهذا الصدد العديد من الأسماء نذكر من بينها الفنانين سالم الهلالي، ريموند البيضاوية، حايم لوك، محمد بريول وآخرين، وكان الدور هذه السنة على الفنان أستاذ الطرب الغرناطي بالرباط الفنان أحمد بيرو. وكما سلفت الإشارة إلى ذلك كان الافتتاح مع مجموعة مواهب المعهد الموسيقي بفاس برئاسة الفنان الموهوب إدريس برادة، الذي يشكل استمرارية لمدرسة الفنان عبد الكريم الرايس العريقة، حيث أدت الفرقة مقاطع من النوبة بحس فني متميز يجمع في جوهره بين تجدد روح الشباب وأصالة التراث الموسيقي. كما احتفت الأمسية الافتتاحية أيضا بالفنان ماكسيم كاروتشي، الذي يعد خليفة التراث الفني الشعبي الصويري، من خلال حفل تكريمي أشاد من خلاله بعطاء وتألق فناني مدينة الصويرة، حيث أطرب الفنان ماكسيم كاروتشي جمهور مهرجان الأندلسيات، وأبهر الحاضرين ببراعة أدائه الفني وإتقانه لمختلف ألوان الموسيقى الأندلسية، من الأندلسي إلى الملحون، ومن الغرناطي إلى الحوزي، وكذا ريبرتوار الفنان سامي المغربي. وتواصل الحفل الافتتاحي للمهرجان بتشكيلة فنية من التراث الصوفي لمدينة الصويرة، لأكاديمية القدس للموسيقى، التي تأسست سنة 2008، وشاركت في العديد من المهرجانات بفلسطين. وقد عاش جمهور المهرجان ليلة أول أمس مع الأمسية التي أحيتها الفنانة الجزائرية نعيمة الدزايرية ترافقها أوركسترا فؤاد ديدي من تلمسان، وكانت فرصة جميلة صدحت من خلالها أجمل المقطوعات الموسيقية من التراث الحوزي والشعبي الجزائري خلال الأربعينيات. ويترقب جمهور المهرجان مساء اليوم في شوق، لمتابعة العرض الذي من المقرر أن تحييه مجموعة البالي الملكي من لندن ويقع تحت عنوان:ّ «نسمات البالي» ليعلن بذلك انفراط عقد الدورة الثامنة.