بدا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في الخطاب الذي ألقاه أمام دورة الجمعية العامة للأمم المتحدةبنيويورك تائها جدا وبئيسا جدا و... وقحا جدا. نعرف أن النظام العسكري الجزائري لا هم له ولا هدف له في الديبلوماسية أو غيرها سوى مهاجمة المملكة، وصار شتم المغرب واستهدافه مبرر وجود لهذا النظام المتكلس والأخرق، وكنا ندرك أن تبون لن يخرج في نيويورك عن هذا السلوك... وفعلا كان الخطاب مجسدا للمرض نفسه ومعبرا عن ذات الخيبات والعقد، وعن... التدني. بعض المؤدبين والحريصين على اللباقة في السلوك توقعوا أن يتأثر الرئيس الجزائري بالكارثة الإنسانية التي أفجعت المغاربة وأن يستحضر ذلك، لكنه أصر على أن يكون فجا ووقحا وبئيسا و... غير مؤدب. عاد تبون من جديد لشرود اللغة والموقف، وكرر على من بقي في القاعة لينصت إليه بأن المغرب بلد احتلال، وبأن الصحراء المغربية التي استرجعتها المملكة منذ سنوات تبقى، في متخيله، تجسد آخر منطقة مستعمرة في إفريقيا (حاشاك). هل كنا نحن ننتظر أن يكون تبون مختلفا أو أن يقول كلاما عكس الذي قاله أمام الأممالمتحدة؟ لا، قطعا. ولكن العالم اكتشف، مرة أخرى، حجم التيه الذي تحياه الديبلوماسية الجزائرية في علاقتها بالمغرب ووحدته الترابية. لقد بقي النظام العسكري الجزائري واقفا ومتجمدا عند مواقفه القديمة جدا، ولم يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، وبقي مصرا على عماه، ويستمر في إنكار كل التبدلات والتحولات التي شهدها ملف النزاع المفتعل، وما وقفت عليه كل بلدان العالم من قناعات وحقائق ميدانية وسياسية وقانونية، وأخرج تبون عينيه في وجوه من تابع خطابه ليكرر على مسامعهم الكلام نفسه الذي تكرره الجزائر منذ عقود. لم يعد المغاربة يبالون بعداء النظام الجزائري، فهم يعرفون أنه مرض تفشى في عقول وقلوب العسكر هناك، وصار سبب وجود، وتركوا اليوم العالم كله يتفرج على دوخة الجينرالات ورقصتهم العارية والمثيرة للسخرية والشفقة. لم يخجل تبون، ومعه أسياده الجينرالات، وهو يجمل كامل خطابه بنيويورك في قضية واحدة هي معاداة المغرب في وحدته الترابية، مع بعض الشطحات البليدة حول قضايا دولية وإقليمية أخرى راكمت فيها «القوة الضاربة» فشلا ذريعا، وهو ما حاول تقديمه على شكل انتصارات ديبلوماسية مدعاة. ليس لدى ديبلوماسية العسكر أي مكانة ضمن معادلات ما يجري في إفريقيا أو ما يجري في الشرق الأوسط أو على مستوى الملفات العالمية والإقليمية الطاغية اليوم على الحالة الراهنة للعالم المعاصر، وفي مشكلات إقليمية أخرى تعتبر الديبلوماسية الجزائرية طرفا في التعقيدات، وتهدد سياستها ومناوراتها السلم والأمن والاستقرار في أكثر من منطقة. وتبعا لكل هذا، اختار المغرب الإنكباب على تنمية أقاليمه الجنوبية وتطوير ظروف حياة السكان على الأرض، وأيضا متابعة الجوانب الديبلوماسية والسياسية والقانونية ذات الصلة بالنزاع المفتعل، وتحققت له مكتسبات عديدة في ذلك عالميا وإقليميًا، ومنح للعالم كله فرصة إجراء المقارنات الضرورية بين قوة رؤيته ومنطقها، وبين شرود الخصوم وتكلس موقفهم. كثير محللين علقوا على خطاب تبون في الأممالمتحدة بالضحك والسخرية، وسجلوا أنه وزع وصفات لحل النزاع في السودان وفي مناطق أخرى، وحث على الحوار والمصداقية والشرعية، ومقابل ذلك يتمسك، هو ونظامه، بالدوس على هذه المبادئ، بالذات، لما يتعلق الأمر بالمغرب ووحدته الترابية. وحتى لما أراد تبون أن يتعرض في خطابه لمواضيع التنمية البشرية، لم يتخلص من الكذب المتمكن منه ومن نظامه، وتكلم عن مشاريع وبرامج جزائرية متخيلة بلا أي مقومات إقناع. ولما استنجد بالتاريخ والماضي لتبرير عدائه المرضي للمملكة ووحدتها الترابية، بدا بئيسا وعاريا من كل منطق، وفضل أن ينط ويقفز بشكل بهلواني فوق مراحل التاريخ منتقيا ومحرفا ومزورا، وترك العالم كله يتفرج على عورات نظام أبله وأخرق، وبقي المغاربة يضحكون، ويشفقون على عصابة بكل هذا التدني السياسي والأخلاقي تواصل حكم بلد جار وشعب شقيق لنا. الله يشافي...، كما يفيد قولنا الدارج المأثور. محتات الرقاص