أثيرت في الأيام الأخيرة العديد من التنبيهات ومواقف الاحتجاج على إثر انتشار ظاهرة منتحلي صفة «صحفي مهني» خلال تغطية كارثة الزلزال بمنطقة الحوز، ووجود مواقع إلكترونية غير قانونية، وتكاثر حاملي الميكروفونات والكاميرات من دون أن تكون لهم أي علاقة قانونية بمهنة الصحافة، وفق ما تقتضيه التشريعات والآليات المعمول بها اليوم في المملكة. وبالتزامن مع هذه الظاهرة السلبية عمت موجة من التضليل الإعلامي والأخبار الزائفة ذات الصلة بالكارثة التي هزت بلادنا، وخصوصا من خلال ما يجري تعميمه ونشره إما عبر بعض المواقع الإلكترونية العشوائية أو عبر منصات التواصل الاجتماعي. خطورة الأمر تكمن في كون الأخبار الزائفة أو الكذب الإعلامي يتسببان في تنامي الهلع والخوف والفوضى وسط السكان، ويدفع الأفراد لاتخاذ قرارات خاطئة قد تؤثر على سلامتهم، وقد تؤدي إلى ارتباك وعدم استقرار في المجتمع، فضلا عن التأثير في جهود الإنقاذ والإغاثة وإعادة الإعمار. لا يعني ما سبق، أننا ننكر كامل الجهد المهني الكبير الذي بذلته وسائل الإعلام الوطنية خلال تغطية ومواكبة هذه المحنة الوطنية القاسية، ولكننا نلفت إلى أن الظواهر السلبية المتصلة بالتغطية الصحفية موجودة فعلا، ولها خطورة كبرى، وتقتضي تعبئة كل الجهود للتصدي لها ولتداعياتها. وبرغم أن الوقت ليس الوقت، وأن سياق ما تعانيه بلادنا جراء كارثة الزلزال، لا يسمحان بوضع كل النقاط على الحروف بهذا الشأن، ووضع الأصبع على المسؤوليات، فعلى الأقل، لا بد من التأكيد على أن الظاهرة ليست مستجدة أو وليدة زلزال الحوز. إن الممارسات التي مست قطاع الصحافة في السنوات الأخيرة، والحسابات قصيرة النظر التي حكمت ترتيبات اتخذت لمستقبل القطاع، وأيضا تشرذم الجسم المهني والإمعان في تأجيج الخلافات البسيطة وغير الجوهرية، كل هذا ساهم في التردي وانتشار الكثير من العشوائية والتحلل من الالتزامات. وربما هذا درس أساسي يجب استيعابه اليوم من هذا الجدل المحيط بتغطية زلزال الحوز، وظاهرة انتحال الصفة. المهنة وتنظيماتها الجدية هي من عليها الانكباب على الظواهر السلبية في الممارسة والسلوك، وتستطيع إعمال حلول وإجراءات. كما أن المنظمات المهنية ذات المصداقية هي التي تقدر على بلورة اتفاقات وآليات عمل بالتعاون مع السلطات ذات العلاقة بالقطاع، ومع القضاء وكل الجهات المسؤولة للتخفيف أو الحد من الرداءة المهنية، ومن ضعف الالتزام بأخلاقيات المهنة، وضعف التقيد بالقانون. ويعزز هذا الأفق، كون الصحف والوسائل الإعلامية الوطنية المعروفة لم تقع ضمن دوائر المخالفة للقواعد المهنية، وقامت بجهد مهني كبير، وعدد منها برزت في التصدي للأخبار الزائفة كذلك، وهو ما فعلته وكالة المغرب العربي للأنباء مثلا، حيث أطلقت خدمة يومية عبارة عن سلسلة لرصد وتفنيد التضليل الإعلامي والأخبار والمنشورات الكاذبة والزائفة. واستكمالا لما أثير، فإن الواضح اليوم أن هذه المهنة في حاجة أيضا إلى تطوير التكوين وإنماء القدرات في مجالات تغطية الكوارث الإنسانية والطبيعية والأحداث المأساوية، وذلك على مستوى الثقافة العامة وامتلاك الأدوات المهنية اللازمة، وأيضا على صعيد السلوك المهني والشخصي للإعلامي المهني في الميدان أثناء التغطية وسط الضحايا والمتضررين، وهذا تستطيعه المؤسسات الإعلامية بتعاون مع المنظمات المهنية ومدارس التكوين. إذن، بدل الاكتفاء برصد السلبيات والظواهر المسيئة للمهنة، يجب أن نستوعب كلنا الدروس للمستقبل، وأن يتحمل الجميع المسؤولية، وخصوصا المنظمات المهنية الجادة والسلطات العمومية، وأن يجري التفكير في بناء رؤية شمولية ومستعجلة للقادم من مراحل، والبداية من وعي المهنة ومنظماتها بمخاطر هذه الظواهر، وتجاوز التشرذم الداخلي والحسابات العقيمة، والعمل الجماعي لإبداع الحلول والمخارج. الجدل نفسه انتشر حوالي المهنة خلال تغطية منافسات كأس العالم بالدوحة مثلا، وبعضه لا زال مستمرا إلى اليوم، وذات الجدل المهني والأخلاقي نشهده حول قضايا مجتمعية مختلفة، وحول الحياة الخاصة وممارسة القذف والتشنيع والابتزاز. الظاهرة لم تسقط على رؤوسنا من السماء فجأة، ولكن لها أسباب في حقلنا المهني، وأنتجتها ممارسات ورؤى وسلوكات يدركها الكثيرون، وهذا ما يجب الوقوف عنده اليوم وتغييره. وفي انتظار استيعاب الدروس وبلورتها على شكل خطة عمل عاجلة لبناء مستقبل مهني مختلف، فالأساس اليوم هو تقوية انخراط كل المؤسسات الإعلامية الوطنية الجدية وذات المصداقية المهنية في التصدي للأخبار المضللة والكاذبة وغير المؤكدة، وأيضا توجيه صحفياتها وصحفييها إلى التأكد من الأخبار وصحة المعلومات قبل نشرها وترويجها، وإلى الاعتماد على مصادر مرجعية مؤهلة، وعلى السلطات الرسمية المختصة، وإلى الحرص على المعالجة المهنية السليمة واللغة المناسبة وجودة المنتوج المهني والتقيد بأخلاقيات المهنة، وإلى استحضار المسؤولية المجتمعية للصحافة، ودور الإعلام تجاه الناس والمجتمع والبلاد. محتات الرقاص