تعرف أسواق المواد الغذائية في المغرب حرارة من نوع خاص ناجمة عن ارتفاعات طالت كل الأصناف بموازاة مع زيادات متواصلة لأثمان المحروقات والتي تعتبر مزاجية لكونها تسير عكس معطيات الأسواق الدولية للذهب الأسود. وسجلت بيان اليوم، في جولتها لأسواق شعبية، سخط العديد من المواطنين، الذين عبروا عن استيائهم من غياب أي رد فعل حكومي على تواصل مسلسل الإجهاز على ما تبقى من قدرتهم الشرائية في ظل جمود الأجور. وقال مواطنون لبيان اليوم إن قدرتهم الشرائية لم تعد تسمح لهم باقتناء القوت اليومي. وهي تصريحات صدرت ليس فقط عن مغاربة يضعهم مستواهم المادي في خانة لطبقات الفقيرة، بل أيضا أولئك الذي كانوا حتى عهد قريب ينسبون إلى الطبقة المتوسطة. ويجري على نطاق واسع الحديث عن لهيب الأسعار الذي فاق لهيب حرارة شمس شهر غشت، وذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تعرف إطلاق حملات من خلال وسم "لا لغلاء الأسعار". وكانت بيانات لمنظمة الأغذية والزراعة "فاو" قد أثارت موضوع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في مؤشرها أسعار الغذاء العالمي في شهر يوليوز الجاري، والذي حددته في 18.02 بالمائة بالنسبة للمغرب، وهو ما يدخل بلادنا ضمن "زمرة" الدول التي شهدت تضخم أسعار المواد الغذائية المحلية بشكل لافت، بنسبة ارتفاع لمؤشر أسعار الغذاء قدرتها منظمة " الفاو" ب 15.3 في المائة. من جانبها، أوضحت المندوبية السامية للتخطيط أنه "بالمقارنة مع نفس الشهر من العام السابق، سجل الرقم القياسي لأسعار المستهلك زيادة بنسبة 5.5٪ نتيجة ارتفاع مؤشر المنتجات الغذائية بنسبة 12.7٪ والمنتجات غير الغذائية بنسبة 12.7٪ وبنسبة 0.6٪. بخصوص للمنتجات غير الغذائية، فيما تتراوح الاختلافات من انخفاض بنسبة 5.6٪ في "النقل" إلى زيادة بنسبة 6.0٪ في "المطاعم والفنادق". و أفادت المندوبية السامية للتخطيط، بأنه "تراجع الرقم القياسي لأسعار المستهلك بنسبة 0.9٪ نتيجة هبوط مؤشر المنتجات الغذائية بنسبة 2.4٪ وارتفاع مؤشر المنتجات غير الغذائية بنسبة 0.1٪. ارتفع مؤشر التضخم الأساسي بنسبة 0.1٪ خلال شهر واحد و 5.6٪ خلال عام واحد". وفي تحليله للأرقام، وقراءة للمعطيات الواردة في مؤشر الفاو، قال إدريس الفينا، خبير اقتصادي أستاذ جامعي بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط، في تصريح صحفي إن "هناك بالفعل استمرارا ملموساً لارتفاع أسعار المواد الغذائية في المغرب". وبسط الخبير الاقتصادي المغربي ذاته، ضمن إفادات ، وجود "سببيْن أساسيين" يقفان خلف هذا الارتفاع المطرد لأسعار الغذاء في أسواق المملكة، مؤكدا أن "السبب الأول هو استمرار آثار الجفاف وموجاته المتتالية، مع ما يرافقه من كلفة الماء المرتفعة التي أدت إلى نقص تزويد السوق المحلي؛ وبالتالي ندرة بعض المواد والأصناف الغذائية وارتفاع أسعارها". أما السبب الثاني، في نظر أستاذ الاقتصاد، فراجعٌ إلى "استمرار ارتفاع أسعار المواد الطاقية"، لافتا إلى "العلاقة القائمة بين كلفة النقل وثمن المواد الطاقية"، ومؤكدا أنه "لا يجب إغفال الأمر نظرا لتسببه في موجة الارتفاع التي رصدتها أرقام 'الفاو' الأخيرة". وزاد الفينا أن "موجة الجفاف الاستثنائية التي يمر منها المغرب هي العامل الأساسي والعنصر الحاسم في استمرار ارتفاع المواد الغذائية إلى حدود اليوم، وعدم استفادة السوق الوطنية من التراجع العالمي الحاصل في الأشهر التي مضت". وبخصوص أرقام المؤشر في دول المشرق العربي فخلص المحلل الاقتصادي نفسه: "إنها دول مازالت تتبع في العموم سياسة استيراد مكنتها من تراجع أثمان بعض المواد"، واستطرد مذكراً في حديثه: "المشتريات من الخارج، لاسيما مواد الغذاء المستوردة بكميات كبيرة جدا، تكون في غالب الأحيان عبارة عن مشتريات مؤجَّلة ولا تتم بشكل مباشر؛ ما يستدعي أن تأخذ حيز زمنيا (يمتد بين 3 إلى 4 أشهر) قبل أن نرى أثرها في الأسعار بالسوق المغربية".