مثلما كانت انتخابات المجلس التأسيسي في تونس فرصة للمواطنين لاستعادة حقهم في التداول على السلطة وانتخاب من يعتقدون فعلاً أنه مؤهّل ليمثّلهم، كانت كذلك فرصة لتعزيز مفهوم متقدّم لمعنى الرقابة الشعبية أو المواطنيّة، على المسؤولين وصنّاع القرار. منذ الإعلان عن إطلاق الحملات الدعائيّة للمرشحين لانتخابات المجلس التأسيسيّ، انخرط التونسيون بشكل كبير في فضح التجاوزات والانتهاكات، التي شابت عملية الدعاية الإشهار للبرامج. مواطنون.. مراقبون لم يكتف التونسيون باعتمادهم كملاحظين أو مراقبين في مراكز الاقتراع، بل إن كثيرًا منهم اختار المراقبة من موقع آخر خارج مكاتب الاقتراع، ولم يبخل عدد كبير من النشطاء بالصور ومقاطع الفيديو والنصوص التي تثبت انتهاك عدد من المرشحين للقوانين الجاري بها العمل. وتمكن فعلاً عدد كبير منهم من لفت انتباه المشرفين على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي تجاوبت مع كثير من الشكاوى والخروقات، التي كشفها مواطنون عاديون، وذلك بتوثيق الانتهاك ونشره على أوسع نطاق، حتى يبلغ مسامع المسؤولين في هيئة الانتخابات، وكانت تلك الانتهاكات مسجلة في الطرق والجامعات والأسواق، والفضاءات العامة والخاصة والأماكن التي تقوم بها الأحزاب بتنظيم اجتماعاتها العامة وغيرها. وتكثف عمل المواطنين الرقابيّ اليوم الأحد 23 أكتوبر، مع بدء الاقتراع في انتخابات المجلس التأسيسيّ، ومنذ الصباح الباكر، أغرق الناشطون الشبكات الاجتماعية بمقاطع الفيديو والصور والملفات، التي تشير إلى وجود خروقات، وبدت معظم الانتهاكات موثقة بالصوت أو بالصورة أو صوتًا وصورة في آن. موقع خاص بمراقبة الانتخابات تجربة فريدة أطلقتها جمعية «الوعي السياسي للتثقيف الشبابي» المستقلة، هدفها مراقبة المواطنين الكترونيًا لسير العملية الانتخابية في مختلف مراحلها. ويتيح الموقع الذي أطلقته الجمعية الفرصة للمواطنين لمراقبة الانتخابات بشكل يومي ودقيق، على عكس المراقبة التقليدية التي لا تظهر فيها النتائج إلا بعد انتهاء التصويت. يحتوي الموقع على بيانات مرتبطة بالانتخابات، إضافة إلى خريطة تحدد الأماكن التي يمكن تسجيل الشكاوى فيها، وبإمكان المواطنين إرسال شكاويهم كذلك عبر الرسائل الهاتفية النصية، وتخضع كل المعلومات والصور والشرائط التي يتم تحميلها على هذا الموقع لمراجعة دقيقة قبل نشرها. يقول المشرفون على الموقع إنّ «الفكرة بسيطة ومتاحة للجميع، فبإمكان كل تونسي وتونسية أن يكون مراقبًا للانتخابات بمجرد أن يُرسل إلى «نشوف.كوم» أنباء عن أحداث وقعت في محيطه، ويمكن أن يعلم بالهاتف أو بخدمة الأس أم أس أو يرسل إلى «نشوف.كوم» صورًا أو مقاطع فيديو يتم التقاطها عبر مختلف الوسائل (هواتف محمولة، آلات كاميرا، الخ). ويقول المشرفون على الموقع، «باستطاعة كل تونسي يعتبر أن الاعتداء على العملية الانتخابية هو اعتداء مباشر على مواطنته، ويجب أن يبلّغ عمّا يجري حوله حتى تتم الانتخابات في أكثر الظروف شفافية ونزاهة». ويؤكد الموقع أنه عبارة على مبادرة تريد أن تكرّس مفهوم المواطنة الايجابية، وأنه مستقل ومحايد تجاه كل الأحزاب السياسية وتجاه السلطات الحكومية وشبه حكومية، ويضمّ كلاً من «جمعية الوعي السياسي للتثقيف الشبابي، والجمعية التونسية للانترنت، والجمعية التونسية للتمكين الشبابي، والجمعية التونسية لقانون التنمية، والمبادرة مدعومة من المنظمة غير الحكومية فريدوم هاوس. يقول سفيان الشورابي رئيس جمعية الوعي السياسي للتثقيف الشبابي صاحبة مبادرة (نشوف.كوم) ل(إيلاف): «مبادرتنا مواطنيّة، تهمّ جميع التونسيين والتونسيات لرصد الانتهاكات الانتخابية، التي عاينوها بأنفسهم طوال فترة الحملة الدعائية، أو يوم الاقتراع، شهدت تجاوبًا كبيرًا من مختلف الشرائح، وأشير إلى أننا اليوم 23 أكتوبر يوم الاقتراع، وردت إلينا انتهاكات عدة، عكس أيام الحملة العادية، وبلغت قرابة 90 تجاوزًا وانتهاكًا، توزعت على مناطق مختلفة من الجمهورية التونسية». ويؤكد الشورابي أنّ الانتهاكات تورّط فيها أحزاب ومرشحون للمجلس التأسيسي، وتوزعت بين محاولة شراء أصوات الناخبين والتأثير عليهم، والدعاية في يوم الاقتراع وهو ممنوع قانونًا، إضافة إلى تعنيف بعض المرشحين المتحزبين لخصومهم السياسيين، علاوة على وجود سيارات بالقرب من مراكز الاقتراع، ترفع شارات تابعة لأحزاب بعينها، كما إن بعض الملاحظين تورّطوا أيضًا في الحثّ على انتخاب قائمات بعينها، وانتهاكات أخرى متعددة. مرصد «شاهد» من جانبه، أصدر مرصد «شاهد» لمراقبة المسار الانتخابي (إئتلاف يضم عددًا كبيرًا من منظمات المجتمع المدنيّ) في حدود منتصف نهار اليوم الأحد بلاغًا ذكر فيه أنه رصد وقوع عدد من المخالفات والخروقات في عدد من مراكز ومكاتب الاقتراع. تتمثل هذه المخالفات والخروقات في «إشكاليات كبيرة بالنسبة إلى الأميين وعدم تمكنهم من ممارسة حقهم الانتخابي كما يجب»، علاوة على «اكتظاظ كبير في العديد من مراكز الاقتراع، لدرجة عدول عدد من الناخبين عن ممارسة حقهم الانتخابي»، وقدم أمثلة على ذلك. ولفت بلاغ مرصد «شاهد» إلى عدول عدد من الناخبين عن التصويت بسبب عدم وجود أسمائهم في القائمات الانتخابية وعدم تعليقها، وذلك على الرغم من سابقية تسجيلهم وحصولهم على وصل في ذلك. تأثير على النتائج رغم إقرار كمال الجندوبي رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بأن معظم التجاوزات التي تم رصدها يوم الاقتراع هي من نوع (سوفت) بما يعني أنها ليست من النوع الحرج، الذي يمكن أن يؤثر على سير العملية الانتخابية برمتها، يؤكد سفيان الشورابي الناشط ضمن مبادرة (نشوف .كوم) أنّ التجاوزات مهما كانت تؤثر على نتائج الانتخابات. ويقول ل(إيلاف): «برأينا توزيع مطوية صغيرة يوم الاقتراع لا يقلّ فظاعة عن تزوير الأصوات، ونحن ندعو إلى الضرب على أيادي كل من يتورّط في تلك التجاوزات مهما بدت». واشتكى الشورابي من رد فعل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تجاه ما يردها من تجاوزات طوال الفترة الماضية، ويقول إنها لم تتحلّ بالصرامة اللازمة للتصدي لبعض الأحزاب والقائمات المخالفة. وردًا على سؤال (إيلاف) حول الخطوة المقبلة التي تسعى هذه المبادرة المواطنية إلى توخيها، يقول الشورابي، إن وظيفة منظمات المجتمع المدني هي الكشف عن الانتهاك الحاصل من دون التدخل في المتابعة، فالموضوع من المفترض أن يكون هاجس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي يمكنها التعامل مع المخالفين وفق القانون. أما المتضررون من التجاوزات التي وقعت، فعليهم التحرك وفق المواد التي وفرناها لمعاقبة كل من قام بالتجاوز.