لم تكن أجوبة الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بنعبد الله، في الحلقة الأخيرة من برنامج «حوار» على القناة الأولى، مجرد تصفيف كلمات، أو ترتيب جمل بلا معنى، إنما جسدت مواقف وتوجهات، وكان أحيانا يلجأ إلى التشديد على التعابير والصيغ لتقوية الوضوح في الرؤى. فعندما صرح بأن تحالفات حزبه هي داخل الكتلة الديمقراطية، وضمن قوى اليسار، فهو كان يذكر الجميع باختيار استراتيجي يزيد عمره عن عشرات السنين، ويعبر عن هوية حزبية واضحة.. وعندما رفض «شيطنة» حزب العدالة والتنمية، واعتباره «بوعو»، فإنه أيضا كان في عمق الوضوح ذاته، منبها إلى خطورة بعض مخططات مهندسي الخرائط الحزبية، وهذا الوضوح نفسه هو الذي قاده إلى التذكير بكون حزب المصباح كان أبدى نفس الانتقادات والمواقف من انحرافات شهدها الحقل السياسي الوطني، ومن ثم حدث التقاء موضوعي على صعيد المواقف مع التقدم والاشتراكية، وذلك من دون أي تنسيق مسبق، وأيضا من دون أن يعني هذا وجود تحالف بين الحزبين، أو أي مساعي لتحقيق ذلك. بنعبد الله لم يكتف بهذا، بل ذكر الجميع بأن الحزبين يختلفان في الموقف من الحداثة ومن الحريات الفردية ومن حقوق المرأة والمساواة وغيرها، فضلا على أن الحزب ينسق مواقفه في مثل هذه القضايا داخل تحالفه الاستراتيجي في الكتلة الديمقراطية. ولفت الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أيضا إلى أن هذا الأخير حزب اشتراكي يساري، ولا علاقة له بالليبرالية، ومن ثم لا يمكنه التحالف أو الانضمام لتحالف ليبرالي. الخلاصة إذن، أن التقدم والاشتراكية يعتبر التحالفات السياسية الجدية مشروطة بمشروع مجتمعي لا يكتفي بتكرار مقتضيات الدستور الجديد، ومشروطة أيضا بتقارب المرجعيات، وبوضوح الرؤى والأهداف، ومن دون هذا، فإن الحقل السياسي والحزبي سيبقى مسيجا بكثير من الغموض والالتباس. من جهة ثانية، لم يتردد بنعبد الله مساء الثلاثاء في التأكيد على حاجة البلاد الملحة اليوم إلى عدم تكرار المقاربات والسلوكات الانتخابية لسنة 2007، والانخراط، بدل ذلك، في مقاربة جديدة تحرص على كسب رهان نزاهة الانتخابات وشفافيتها، بغاية تمكين بلادنا من مؤسسات ذات مصداقية ومكونة من طاقات سياسية وطنية مؤهلة معرفيا وأخلاقيا لإنجاح أوراش المرحلة. إن التشديد على محورية تحالف الكتلة الديمقراطية، والتحذير من مغبة العودة بالبلاد إلى انحرافات سابقة عانى منها حقلنا الحزبي والانتخابي والسياسي، يمثلان مضمون رسالتين قويتين حملتهما تصريحات نبيل بنعبد الله على القناة الأولى. المرحلة تتطلب اليوم مواصلة دينامية التغيير في البلاد، وفي هذه الصيرورة تعتبر الكتلة الديمقراطية الفاعل الأساسي والمؤهل لإضفاء المصداقية والجدية على مختلف مشاريع الإصلاح والتحديث، تماما كما نجحت في ذلك سنة 1998. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته