أفادت وسائل إعلام محلية بوقوع إطلاق نار كثيف وسماع دوي انفجارات أمس الثلاثاء على الرغم من سريان هدنة جديدة لمدة 72 ساعة إثر وساطة أميركية سعودية، واتهمت قوات الدعم السريع بقيادة الفريق الأول محمد حمدان دقو "حميدتي" الجيش السوداني بقيادة الفريق الأول عبدالفتاح البرهان بعدم الالتزام بشروط الهدنة. ووقع إطلاق النار في محيط القصر الرئاسي بالخرطوم وفي أم درمان بعد أن ساد الهدوء لساعات عدة أنحاء العاصمة السودانية ومناطق أخرى كانت تشهد مواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأوضحت الدعم السريع عبر صفحاتها على فيسبوك وتويتر "في البدء نجدد التزامنا المطلق بالهدنة الانسانية المعلنة لمدة 72 ساعة التي وافقنا عليها والتزمنا بكل شروطها من أجل فتح ممرات انسانية للمواطنين والمقيمين من رعايا الدول الشقيقة والصديقة". وأضافت "نشير إلى أن الطرف الثاني (الجيش السوداني) لم يلتزم بشروط الهدنة حيث لا زالت طائراته تحلق في سماء الخرطوم بمدنها الثلاث بما يمثل إخلالا بائنا للهدنة وشروطها واجبة التنفيذ". وتابعت "إن كسر شروط الهدنة المعلنة يؤكد ما ظللنا نشير إليه مرارًا وهو وجود أكثر من مركز قرار داخل قيادة القوات المسلحة الانقلابية وفلول النظام البائد المتطرفين، كما ان خرق الهدنة يعد دليلًا دامغًا على تعطش الانقلابيين للحرب وإلى سفك دماء الشعب السوداني التي لم تكفيهم منها ثلاثين عامًا". وليست المرة الأولى التي تتهم فيها قوات الدعم السريع الجيش بخرق الهدنة، إذ سبق للطرفين منذ اندلاع المعارك في 15 أبريل، الإعلان أكثر من مرة عن هدنة، ما لبث كل طرف أن اتّهم الآخر بخرقها. وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد أعلن أن طرفي النزاع وافقا على وقف النار ثلاثة أيام اعتبارا من الثلاثاء. وقال في بيان الإثنين "عقب مفاوضات مكثفة على مدار الساعات الثماني والأربعين الماضية، وافقت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على تنفيذ وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد ابتداء من منتصف ليل 24 أبريل، ويستمر لمدة 72 ساعة". وأضاف "خلال هذه الفترة، تحض الولاياتالمتحدة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على الالتزام الفوري والكامل بوقف إطلاق النار". وأشار إلى أن الولاياتالمتحدة تعمل أيضًا مع شركاء لتشكيل لجنة تتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار في السودان. وأكد كل طرف عزمه التزام التهدئة. وأعلن الجيش في بيان نشر عبر صفحته الخاصة على منصة فيسبوك، أنه سيحترم الهدنة التي تم التوصل إليها بشرط "التزام" قوات الدعم السريع بها. وأتى ذلك بعد تأكيد قوات الدعم الاتفاق على "هدنة مخصصة لفتح ممرات إنسانية وتسهيل تنقل المدنيين". ومنذ اندلاع المعارك في الخرطوم ومدن أخرى في 15 أبريل، قتل أكثر من 420 شخصا وأصيب زهاء أربعة آلاف، ونزح عشرات الآلاف في ظل نقص حاد في الغذاء والمياه والوقود، وانقطاع في التيار الكهربائي وتراجع حاد في القدرة على توفير الخدمات الصحية. وأتى إعلان اتفاق وقف النار بعد تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن العنف في السودان قد "يمتد إلى كامل المنطقة وأبعد منها". وقال أمام مجلس الأمن إن الوضع في السودان "يواصل التدهور"، مشددا على ضرورة "أن تتوقف أعمال العنف. إنها تهدد بحريق كارثي داخل السودان قد يمتد إلى كامل المنطقة وأبعد منها". وأعرب بلينكن الإثنين عن "قلق بالغ لوجود مجموعة بريغوجين، مجموعة فاغنر (الروسية)، في السودان". وأتى الاعلان عن وقف إطلاق النار بعدما تسارعت منذ عطلة نهاية الأسبوع، عمليات إجلاء آلاف الرعايا والدبلوماسيين الأجانب بمختلف وسائل النقل البري والبحري والجوي. غير أن الأممالمتحدة أعلنت الإثنين الإبقاء على عدد من موظفيها في السودان وعلى رأسهم المبعوث الخاص للأمين العام فولكر بيرتيس، فيما وصل 700 من موظفيها وموظفي السفارات والمنظمات غير الحكومية إلى ميناء بورتسودان بشرق السودان لإجلائهم. وباتت مغادرة الخرطوم هاجسا يؤرق سكانها البالغ عددهم خمسة ملايين، في ظل انقطاع الكهرباء ونقص المؤن. الا أن المغادرة ليست سهلة خصوصا في ظل حاجة لكميات كبيرة من الوقود لقطع المسافة نحو الحدود المصرية شمالا (زهاء ألف كيلومتر)، أو بلوغ بورتسودان (850 كيلومترا الى الشرق) أملا بالانتقال منها بحرا لدولة أخرى. وحذرت الأممالمتحدة من أنه "في حين يفرّ الأجانب القادرون على ذلك، يزداد تأثير العنف على الوضع الإنساني الحرج أساسا في السودان". وقدرت مفوضية الأممالمتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن 800 ألف لاجئ من جنوب السودان يعيشون في السودان سيعتمدون على أنفسهم في العودة إلى وطنهم الذي فرّوا منه هربا من الحرب. ويشير تسارع وتيرة إجلاء الدبلوماسيين والرعايا الأجانب من جنسيات مختلفة إلى أن القادم أخطر في السودان، وأن الأيام المقبلة ستشهد تصعيدا نوعيا في الاشتباكات بين قوات الجيش والدعم السريع، على إثره يمكن حسم جزء كبير من المعارك التي اندلعت منذ عشرة أيام، وكل طرف يتحدث عن تحقيقه مكاسب فيها. وأعقبت عمليات الإجلاء، التي تمّت سريعا وعلى نطاق واسع في مناطق مختلفة، مؤشرات توحي باحتدام شديد في المعارك، وجاءت نتيجة تقديرات الموقف الميداني من قبل أجهزة الاستخبارات التابعة للدول التي تقوم بالإجلاء. ويعزّز توافق الكثير من الدول على هذه الخطوة تصورات عسكرية سابقة ذهبت إلى أن المعركة الحالية لن تتوقف إلا مع غياب أحد طرفيها أو إنهاكه ما يسهل إملاء الشروط. ووجدت مواقف دولية وإقليمية ومحلية في تبني رؤية حيادية نسبيا والمساواة بين الطرفين تقريبا وعدم الانحياز صراحة لأيّ منهما وسيلة لانتظار ما ستسفر عنه العمليات العسكرية، ما يعني أن توازنات القوى بمفهومها الشامل متقاربة. وكشفت الإدارة الأميركية أن العنف في السودان قد ازداد وأن الوضع بات خطيرا، وهي إشارة أخرى إلى أن المعارك من الصعب أن تتوقف قبل تحقيق أحد الطرفين انتصارا حاسما، وأن وقف إطلاق النار الحقيقي والمستمر قد يستغرق وقتا. وتمكنت عواصم غربية وإقليمية من فتح مسارات آمنة لإخراج الرعايا الأجانب بضمان المتصارعين، وتسارعت عمليات إجلاء البعثات الدبلوماسية والرعايا الأجانب، الاثنين، في وقت لم تتوقف فيه المعارك بالخرطوم تماما، وإن بدت متقطعة في معظم الأحيان وأقل حدة منذ الإعلان عن الالتزام بهدنة لمدة ثلاثة أيام فقط. وقال السياسي السوداني عادل حمد إن إجلاء البعثات الدبلوماسية والرعايا الأجانب ليس دليلا كافيا على أن المعارك سوف تستمر فترة طويلة، لكنه إشارة إلى إمكانية حدوث انفلاتات أمنية في العاصمة الخرطوم تصعب السيطرة عليها. وأضاف أن الكثير من التدخلات الخارجية السابقة، خاصة من قبل الآلية الثلاثية، المكونة من بعثة الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي وهيئة الإيجاد، لم تكن تحركاتها جادة من أجل التوصل إلى حل سياسي منتج يحول دون اللجوء إلى خيار الحرب. وأوضح أن القوى الخارجية لم تظهر جدية كافية في الوصول إلى الانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية المضطربة، كما أن تلكؤ القوى المدنية لعب دورا في الوصول إلى هذا المربع القاتم، وإذا كان الجيش لا تجوز له ممارسة العمل السياسي، فلا يجوز أيضا للقوى المدنية أن تحكم دون الحصول على تفويض شعبي عبر الانتخابات. وأنعشت هدنة أعلن الطرفان القبول بها السبت آمال قوى إقليمية ودولية متباينة لأجل حلحلة الصراع، وسط دعوات لأطراف النزاع إلى وقف فوري لإطلاق النار. وتمت الموافقة على نحو أربع هدن متباينة المدة، لم تصمد كثيرا، وشهدت كل منها خروقات، أقلها هدنة أخيرة جاءت عقب ممارسة قوى دولية عديدة ضغوطا كثيفة أجبرت الطرفين على وقف إطلاق النار مؤقتا، والذي جرى التعامل معه في الأيام الأولى من قبيل أنه يعبّر عن ضعف في الموقف الميداني. غير أن توالي الضغوط والتلويح بفرض عقوبات ووصول آليات عسكرية لدول قريبة من السودان ألزمت قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان على الموافقة عليه، بعد أن أبدى الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع مرونة مبكرة في هذه المسألة، فسّرها غريمه على أنها "ضعف" في الموقف الميداني له. وتصاعدت حدة المخاوف حول مصير الملايين من السودانيين في ظل خشية كبيرة من اتساع نطاق المعارك وعمليات اللجوء والنزوح عقب انتهاء عمليات إجلاء البعثات الدبلوماسية والرعايا الأجانب، فالإجلاء مؤشر قوي على أن الحرب ستزداد اشتعالا. وأعلنت حوالي 30 دولة حتى منتصف يوم الاثنين إجلاء أو نيتها إجلاء رعاياها من السودان بسبب تواصل الاشتباكات لليوم العاشر على التوالي في الخرطوم، أبرزها الولاياتالمتحدة والصين وروسيا والهند وبريطانيا وفرنسا وتركيا والسعودية. واتهم قائد الجيش خصمه اللدود بارتكاب "اعتداءات" على بعثات دبلوماسية أثناء القيام بعمليات إجلاء من الخرطوم، وهو ما نفته قوات الدعم السريع، متهمة عناصر من فلول النظام السابق بارتداء زيها لإلصاق هذه التهمة بها لتوريطها مع الدول الأجنبية. وأوقفت الولاياتالمتحدة الأحد "مؤقتا" عمل سفارتها في السودان بعد إجلاء رعاياها الدبلوماسيين وعائلاتهم بمساعدة السعودية وإثيوبيا وجيبوتي، وهي علامة على أن الحوار مع الجنرالين من الداخل أصبح مستحيلا. وقال السفير الروسي في السودان أندريه تشيرنوفول إنه تم إجلاء جميع الروس الذين كانوا في منطقة القتال في الخرطوم إلى مبنى السفارة الروسية، لافتا إلى صعوبة الحديث عن تنفيذ عمليات إجلاء جوية من الخرطوم لأن القتال يدور حاليا في المطار.