"…أن تكون مُؤمنًا بقضية لا يعني الكثير، أما أن تقرّر أن تُناضل من أجلها فأنت تُقرّر حينها أن تحيا أسطورتك الذاتية، يعني أن لديك قلبًا ينبض وعقلًا يضيء فتشعر حينها بأنك تحيا إنسانيتك، وتستشعر وجودك، فإذا كان صنع السلام أصعب من خوض الحرب لأن صنعه والمحافظة عليه يتطلبان الشجاعة ويفترضان أحياناً مقاربات جديدة وصعبة، إلا أن ذلك يبقى رهينا بالتمتع بشخصية مدنية مُحببة ورأسمال ضخم من الإرادة والطموح والعمل والمثابرة والعزيمة للوصول إلى الهدف، شعرن دومًا بقلوبهن النابضة وعقولهن المضيئة بذلك الإنسان القابع في نفوسهن برغم القيود التي فرضها عليهن المجتمع لا لشيء إلا لكونهن ملحقات بتاء التأنيث، وبرغم ذلك قررن أن يحملهن تاء التأنيث سلاحا في نضالهن، ينتشرن في التاريخ كالزهرات الجميلات يمنحن الأمل ويتركن حلما لدى الجميع يقول: أنا المرأة، أنا النضال، أنا الحرية، أنا الإنسان دون تمييز… فتدافعن نحو الحرية وحماية حقوق الإنسان بشجاعة ومُثابرة، ناضلن في سبيل الحقيقة والعدالة والأمل والإصلاح والسلام، دافعْن عن القضية الإنسانية وحملن لأجلها راية الحرية والديمقراطية والحفاظ على كرامة الإنسان، حتى كوفئن أخيرا بتسجيل أسمائهن في وصية ألفريد نوبل التي كتبها تكفيراً عن شعوره بالذنب لاختراعه الديناميت القاتل، إنهن مناضلات دافعن عن الحياة وحصلن على نوبل….". ايلين سيرليف: المرأة التي قادها نضالها السلمي لرئاسة دولة ليبيريا ليما غبويي: المناضلة التي عبأت النساء لإنهاء الحرب الأهلية الطويلة في ليبيريا من ظلام الليل إلى ضوء القمر ليما غبويي على الجانب الآخر كانت ايلين سيرليف (ولدت ايلين جونسون سيرليف في مونروفيا عام 1938) قد انطلقت في المسار ذاته القاضي للحرّية والمساواة وإحقاق السلام في مسقط رأسها ليبيريا بعد مآسي الحرب الأهلية التي دامت لسنوات طويلة يتملكها الأْمل في تحقيق حياة من الرفاهية وجو من السلام الذي طالما انتظرته فئات الشعب المقهورة، وفي هذا تصفها مواطنتها التي نالت معها جائزة نوبل (ليما غبوي) بالقول "… إن ايلين جونسون كانت ولا زالت امرأة قوية شديدة البأس لا تعرف الكسل أو الوهن ولا يعرف الاستسلام لها طريقا ولا يقف طموحها عن أي حدّ ولا تخضع للواقع بقدر ما تجدّ وتجتهد في سبيل تحقيق أهدافها محطمة بذلك للحدود والقيود حتى حققت ما لم يحققه الرجال في بلدنا ليبيريا، إنها امرأة خرجت من ظلام الليل إلى ضوء القمر وبدّدت ضباب الفساد وغمام الجوع حتى أضحت ليبيريا من الدول التي تصاعد فيها المد الديمقراطي والاقتصادي منذ توليها منصب الرئاسة فيه…". الكفاح السلمي والشعور بالمسؤولية ما أن شب للطفلة عودها حتى انطلقت باتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ارتبطت فيها بمواطنها جيمس سيرليف عام 1961 وانطلقت معه إلى عتبات جامعة هارفارد التي حصلت منها على درجة الماجسيتر في الإدارة نهايات العام 1971 وتعود إلى مسقط رأسها ليبيريا وتتقمص سريعا منصب مساعد وزير المالية 1973 قبل أن تتولى المنصب الوزاري عام 1980 وتعزل منه سريعا بعد الانقلاب العسكري على الرئيس الذي قاده (صموئيل دو) على الرئيس المنتخب والشرعي للبلاد (ويليام تولبرت) وترفض أي منصب حكومي بعد أن أخذت تناضل من أجل المساواة وحقوق الإنسان والدفاع عن المرأة حتى أتاحت لها مثل هذه النشاطات لشغل منصب هام في الأممالمتحدة (برنامج الأممالمتحدة الإنمائي) وتبدأ في حشد القيادات النسائية ضمن شبكة دولية للنضال والدفاع عن حقوق المرأة وتلعب دورها في عمليات التنمية العادلة . ما هي إلا سنوات قليلة حتى عادت (ايلين سيرليف) إلى ليبيريا للمشاركة في الانتخابات الرئاسية والسعي لمنصب نائب الرئيس عام 1985 الذي وضعت على إثره قيد الإقامة الجبرية وحكم عليها بالسجن لعشرة سنوات بتهمة التحريض على الفتنة وزعزعة الأمن والنظام الاجتماعي.. وتم إطلاق سراحها بعد وقت قليل إبّان اندلاع الحرب الأهلية الأولى عام 1989 التي وقفت فيه سيرليف إلى جانب تشارلز تايلور وانضوت في صفوف المعارضة التي يتزعمها حتى تقدمت رئاسيات العام 1997 منافسة لتايلور نفسه وأخفقت فيها قبل أن تتمكن تحقيق النصر في انتخابات 1995 بعد هزيمتها لمنافسها والنجم السابق لكرة القدم (جورج ويا) وتسلمت مقاليد الرئاسة في ليبيريا منذ 2006 بعد أن تعهدت بخفض الديون وإنشاء لجنة للمصالحة غايتها الاهتمام بنزاعات عشرين عاما من الحرب الأهلية مكرسة اهتماماتها في إحلال السلام في البلاد والترويج للتطور الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز وضع النساء حتى وصلت بمساعيها إلى العاصمة النرويجية اوسلو عام 2011 ونالت معها جائزة نوبل للسلام تقديرا لمسؤوليتها ومساعيها الدؤوبة في إحلال السلام في ليبيريا، وانطلقت في خطابها الرسمي لتقول "… إن هذه الجائزة هي جائزة لكل الشعب الليبيري…"، إلين-جونسون-سيرليف-أول-رئيسة-ليبيريا وتابعت ايلين جونسون سيرليف بالقول "….أنا سعيدة جدا بهذه الجائزة التي هي نتيجة سنوات قضيتها في الكفاح من أجل السلام في هذا البلد الذي استطعنا أن نخرجه من الحرب الأهلية التي استمرت لمدة أربعة عشر عاما….، لقد أدركنا مسؤوليتنا الجسيمة التي تكمن في بناء وطن يكاد يكون قد دمّر جراء الحرب وأعمال العنف في ظلّ غياب خارطة طريق للتحول إلى مرحلة ما بعد الصراع، لقد استطعنا أن نبعد وطننا عن حافة الانزلاق نحو الماضي، كما استطعنا تكريس قيمة المرأة الليبيرية وحقوقها الشرعية المكتسبة بعد سنوات من الجحود والاستغلال والتمييّز وانتهاك حرمتها وكرامتها حيث الاغتصاب الذي يُمارس عليها باعتباره سلاحا في الحرب ضد الإنسانية….، لكننا أدركنا مسؤوليتنا الكبرى في المحافظة على السلام الذي تحقق أخيرا ونلنا من أجله هذه الجائزة النبيلة التي ستمكّننا وتمنحنا حافزا للمضي قدما في إقرار المزيد من الحقوق العادلة والشاملة لبني البشر دون تمييز بين رجل أو امرأة….". أمراء الحرب… وصمت الضحايا توكل كرمان ومن جانبها وصفت ليما غبويي (ولدت ليما غبوي في فاتح فبراير 1972) التي عبأت ونظمت النساء لإنهاء الحرب الأهلية الطويلة في ليبيريا وأسست لها حركة السلام، وتقاسمت نوبل للسلام مع مواطنتها ايلين سيرليف واليمنية تروكل كرمان بعد أن قادت النساء في ليبيريا لمواجهة أمراء الحرب ودفع الرجال نحو السلام بعد أن قادت (حركة نساء ليبيريا للسلام) التي دعت من خلالها النساء الليبيريات إلى الإضراب عن ممارسة الجنس مع الرجال حتى يحل السلام والعدل والحرية في ليبيريا، نيلها لجائزة نوبل حيث قالت: "… إن هذه الجائزة هي جائزة لكل النساء الإفريقيات.. إنها جائزة نوبل للإفريقيات، هكذا أصفها… إنها جائزة للنسوة عموما ولكن بالأخص لنساء إفريقيا اللواتي بقين صامتات في الماضي وقتلن واغتصبن ومرضن قبل أن تعلمهّن الحرب أن المستقبل يتحدد بعبارة واحدة: لا للعنف ونعم للسلام ولن نستسلم حتى يعم السلام"، وأضافت بالقول ".. إن توقيت مثل هذه الجائزة هام جدا لأن النساء اليوم في كثير من المجتمعات ترفضن أن يبقين ضحايا صامتة في يد الرجال وبتن تقاومن التقاليد القمعية من دون استخدام العنف.."، كما توجهت بالشكر الجزيل إلى نساء ليبيريا على جهودهن وتعبهنّ لتحصيل حقوقهن قائلة "…..هذه الجائزة حق لكن جميعًا، هي حق لنا جميعًا.. فقد اعتاد العالم أن يذكر ليبيريا بالأطفال الجنود، وبات يذكرها الآن بالمرأة ذات القميص الأبيض"، وختمت بالقول: "من كان يصدق أن المرأة في دولة ليبيريا كانت من بين وجوه الانتصار العالمي للمرأة". مع فلسطينوغزة مؤخرا هكذا حصلت الثورة والمسؤولية والضحايا الصامتة على جائزة نوبل للسلام بعد أن تم اعتبارهن نساء استثنائيات (حسب تعبر انغيلا ميركل) التي يجب على الجميع الاقتداء بهن وبمساهماتهن وأدوارهن المحورية لحلّ النزاعات وإحلال السلام الذي سرعان ما توجهن به إلى مناصرة الشعب الفلسطيني وقطاع غزة في العدوان الأخير من طرف العدو الصهيوني بعد تدشينهن (رفقة بعض من نساء نوبل أيضا) مبادرة نسائية طالبت بالوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة معربة عن تضامنهن مع الشعب الفلسطيني وإدانتهن للمجازر التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في غزة، وجاء في قرارها "… إن انتهاج العنف لكبح معاناة الفلسطينيين الناجمة عن خمسين عامًا من الاحتلال الإسرائيلي لن يجدي نفعًا، ولن تؤدي أبدًا إلى السلام المستدام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فالاستهداف المتعمد لمناطق المدنيين عن عمد يعد انتهاكًا للقانون الدولي، كما أن مواصلة الاحتلال الإسرائيلي ممارسة العقاب الجماعي بحق الشعب الفلسطيني بسبب حرب الاستنزاف الدائرة ضد حركة حماس، تعتبر في حدّ ذاتها جريمة حرب"، وأضافت المجموعة "….فبدلاً من تزويد الاحتلال الإسرائيلي بالأسلحة وغيرها من أنماط الدعم لتأجيج العنف، يجب على المجتمع الدولي العمل على إنهاء العنف وخلق ظروف مواتية لعملية سلام مستدامة، هذه الظروف يجب أن تتضمن تنفيذ القرارات المختلفة للأمم المتحدة ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومواصلة بناء المستوطنات على تلك الأراضي والاستيلاء على منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية، لقد كان نيلسون مانديلا على حق عندما قال في عام 1985: لا يستطيع التفاوض سوى رجل حرّ: إن السجين لا يمكنه المشاركة في أي اتفاقيات"، وتابعت المجموعة بالقول "إن إنهاء النزاع الحالي يعتبر أمرًا في غاية الأهمية ولكنه ليس سلامًا حقيقيًا، ذلك السلام لا يمكن تحقيقه طالما أن الاحتلال الإسرائيلي مستمر في تلقي الدعم علنًا وضمنًا لسياسات الاضطهاد التي تتبعها ضد الشعب الفلسطيني، فدعم سياسات الاحتلال يعني تقديم الدعم لأعمال خرق أبسط حقوق الإنسان وكرامة الإنسان، وحجب الحرّية عن الشعب الفلسطيني، وفي ظل هذه الظروف سيستمر العنف المدمر، وسيبقى السلام المستدام للشعب الفلسطيني مجرد حلم وهمي ليس إلا".