"…أن تكون مُؤمنًا بقضية لا يعني الكثير، أما أن تقرّر أن تُناضل من أجلها فأنت تُقرّر حينها أن تحيا أسطورتك الذاتية، يعني أن لديك قلبًا ينبض وعقلًا يضيء فتشعر حينها بأنك تحيا إنسانيتك، وتستشعر وجودك، فإذا كان صنع السلام أصعب من خوض الحرب لأن صنعه والمحافظة عليه يتطلبان الشجاعة ويفترضان أحياناً مقاربات جديدة وصعبة، إلا أن ذلك يبقى رهينا بالتمتع بشخصية مدنية مُحببة ورأسمال ضخم من الإرادة والطموح والعمل والمثابرة والعزيمة للوصول إلى الهدف، شعرن دومًا بقلوبهن النابضة وعقولهن المضيئة بذلك الإنسان القابع في نفوسهن برغم القيود التي فرضها عليهن المجتمع لا لشيء إلا لكونهن ملحقات بتاء التأنيث، وبرغم ذلك قررن أن يحملهن تاء التأنيث سلاحا في نضالهن، ينتشرن في التاريخ كالزهرات الجميلات يمنحن الأمل ويتركن حلما لدى الجميع يقول: أنا المرأة، أنا النضال، أنا الحرية، أنا الإنسان دون تمييز… فتدافعن نحو الحرية وحماية حقوق الإنسان بشجاعة ومُثابرة، ناضلن في سبيل الحقيقة والعدالة والأمل والإصلاح والسلام، دافعْن عن القضية الإنسانية وحملن لأجلها راية الحرية والديمقراطية والحفاظ على كرامة الإنسان، حتى كوفئن أخيرا بتسجيل أسمائهن في وصية ألفريد نوبل التي كتبها تكفيراً عن شعوره بالذنب لاختراعه الديناميت القاتل، إنهن مناضلات دافعن عن الحياة وحصلن على نوبل….". توكل كرمال ضمن ثلاث نساء يتقاسمن عرش نوبل للسلام الصحفية اليمنية التي برزت في قلب الربيع العربي في الوقت الذي كانت فيه أنظار العالم تتجه إلى الشباب العربي المُرابط في شوارع مُدنه وقراه يقدّم الشهداء في سبيل تحقيق أهدافه الديمقراطية وتثبيت دعائم دولة الحق والقانون وتطهير السلطة من الاستبداد والظلم في إطار ما سمّي بثورات الربيع العربي، أخذت مختلف محطات التلفزيون الوطنية والعالمية تبث الإحداثيات الجارية الآن بالعاصمة النرويجية أوسلو التي حضرت إليها ثلاث نساء دافعن ولا يزلن عن حقوق الإنسان والعدالة والمساواة التي انطلقت لأجلها الثورات العربية، فقد وصلت هنا امرأتان ترتديان الزي الإفريقي الساطع بألوانه الجميلة الزاهية (الرئيسة الليبرية ايلين جونسون سيرليف ومواطنتها ليما غبوي) تتوسطهن امرأة شابة ذات وجه أبيض ساطع وهي ترتدي الحجاب وتزرع على وجهها الابتسامة وتلوح بيديها بعلامة النصر ابتهاجا وفرحا بهذه الجائزة التي جعلت العالم يعترف بسلمية الثورة اليمنية التي قادتها ولا زالت نحو مزيد من الحرّية والديمقراطية في اليمن السعيد وبعد سنوات من الاستبداد والقهر والظلم الاجتماعي الذي مارسه نظام علي عبد الله صالح على شعبها….، إنها المناضلة والثائرة وبلقيس الثانية وسيدة الربيع العربي … توكل كرمان… إعلان فاجئ الجميع لم تكن النساء الثلاث قد صدّقن خبر فوزهن بجائزة نوبل للسلام حتى وهن يسرن الآن على البساط الأحمر المُمتد إلى قاعة سيتي هول للمهرجانات بالعاصمة النرويجية أوسلو صبيحة يوم السبت من العام 2011، فمثل هذا الإعلان قد فاجأ الجميع بعد أن تنافسن عليه رفقة أربعمائة وعشرة أشخاص من مختلف دول العالم، ولم تكن الشابة اليمينة (توكل كرمال) تصدّق ناظريها وهي تسير إلى جانب كل من الرئيسة الليبيرية (ايلين جونسون سيرليف) ومواطنتها (ليما غبوي) قبل أن تصدح في آذانهن التصفيقات العالية من طرف الحضور الكثيف من النساء والرجال داخل القاعة الكبيرة التي امتلأت حتى مقعدها الأخير ترحيبا بهنّ وابتهاجاً بفوزهن بهذه الجائزة العالمية للسلام وتقديرا لنضالهن من أجل سلامة حقوق النساء ومشاركتهن في بناء وتحقيق السلام، لكنها سريعا ما أخذت تصدق الواقعة بعد أن انطلق رئيس لجنة نوبل إلى القول "….. إننا اليوم نقف معا من أجل تكريم المرأة التي تشكل نصف عالمنا وتحتل حيّزا مهما في حياتنا، المرأة التي ما فتئت تناضل من أجل حقوقنا وحقوقها المشروعة عبر السلم وبعيدا عن العنف، إننا اليوم نقف معكم وإيّاكم لنكرم النساء الثلاثة اللواتي تقاسمن جائزتنا النبيلة لنضالهن السلمي من أجل ضمان الأمن للنساء وحصولهن على حقوقهن للمشاركة الكاملة في عملية بناء السلام، إنه السلام الذي لن يتم سوى بإحقاق الحق والعدل والديمقراطية في هذا العالم والذي لا يمكننا تحقيقه إلا إذا حصلت النساء فيه على الفرص نفسها التي يحصل عليها الرجال للتأثير على التطورات بمختلف مستويات المجتمع…، فلنرحب جميعا ومن جديد بالنسوْة الثلاث اللواتي نكافئهن اليوم لدورهن في مجال النضال السلمي من أجل سلامة الفرد (رجلا أو امرأة) وحقه بالمشاركة الكاملة في بناء السلام وتحقيقه في كل من ليبيريا واليمن….". بلقيس الثانية… وسيدة الربيع العربي كانت الكاتبة والصحفية ورئيسة منظمة صحفيات بلا حدود اليمنية توكل كرمان (ولدت توكل عبد السلام كرمان في السابع من فبراير 1979 بمنطقة مخلاف شرعب بمحافظة تعز) قد انطلقت ومنذ زمن بعيد من تاريخ نيلها جائزة نوبل للسلام تدافع عن حرّية الصحافة وحقوق الإنسان والمرأة في مسقط رأسها اليمن السعيد حتى برز اسمها ودون منازع إبان قيام ثورات الربيع العربي وقيام الثورة الشبابية الشعبية باليمن التي دعت إليها وقادتها إلى الشوارع ضمن مظاهرات يوم الغضب في الثالث من فبراير 2011، ومنحها الثوار والمعارضون للحكم اسم أم الثورة والملكة بلقيس الثانية وسيدة الربيع العربي التي نالت معها جائزة نوبل للسلام وعُدّت أصغر امرأة تمنح هذا اللقب ومنذ تأسيسها في السابع والعشرين من نوفبمر 1895. من شق عصا الطاعة… فاقتلوه ما أن وصلت بلقيس الثانية سنها الثامن عشر حتى وجدت نفسها وسط عائلتها اليمنية المهاجرة إلى صنعاء وتلتصق بوالدها الرجل القانوني والسياسي المعروف عبد السلام كرمان وتصعد من خلاله عتبات جامعة العلوم والتكنولوجيا وتحصل منها على شهادة البكالوريوس عام 1999 تزامنا مع نيلها لأحد دبلومات علم النفس التربوي من جامعة صنعاء ودبلوم مثيل في الصحافة الاستقصائية التي توجت بحصولها على درجة الدكتوراة الفخرية من جامعة البرتا الكندية عام 2012 بعد حصولها على نوبل بقليل بعد أن عرفت بجرأتها الشديدة في مناهضة الانتهاكات المُستمرة لحقوق الإنسان وانتشار الفساد المالي والإداري ومطالبتها الدائمة بالإصلاحات السياسية، ووصل بها المطاف لأن تكون من أوائل الثوار المنادين بإسقاط النظام اليمني.. ومنذ العام 2007 التي بدأت بواكيرها من ساحة الحرّية بالعاصمة صنعاء وقبل انطلاق ثورات الربيع العربي بسنوات قليلية، انطلقت من خلالها للدعوة سريعا إلى يوم الغضب اليمني (3 فبراير 2011) الذي نجحت من خلاله بإسقاط النظام اليمني وتسليم عبد الله صالح للحكم والبلاد لأبناء جيلها الثائرين رغم وقوعها في قبضة رجال النظام وإيداعها السجن (تم اختطافها يوم 23 يناير 2011 من طرف عناصر أمنية تابع للنظام وإيداعها السجن بتهمة إقامة تجمعات ومسيرات غير مرخص لها قانونا والتحريض على ارتكاب أعمال فوضى وشغب وتقويض السلم الاجتماعي العام) لدرجة جعل معها شقيقها الشاعر طارق كرمان يطلب من علي عبد الله صالح ضبطها وجعلها رهن الإقامة الجبرية مستشهدا بالحديث النبوي الشريف "من شق عصا الطاعة فاقتلوه.."، وتخرج من سجنها غير آبهة بمصيرها وبالتهديدات المتكررة بالقتل والتصفية الجسدية التي تلقت معظمها من الرئيس على عبد الله صالح شخصيا قبل إسقاطه من سدة الحكم ويعلو صوتها من جديد فرحا وابتهاجا بنصرة ثورتها السلمية التي وزعت لأجلها الورود على الشرطة والجيش بدلا من الرصاص والسلاح إيمانا منها بالسلام الذي حلصت معه على جائزته الشرفية عام 2011 . دعوة للحياة.. وتهريب الأطفال جاء في البيان العام لإتحاد الصحفيين اليمنيين الذي صدر بمناسبة نيل توكل كرمان لجائزة نوبل في وصفه لسيدة الربيع العربي: "… مما لا شك فيه أن منح توكل كرمان جائزة نوبل للسلام هو فخر لكل يمني وشرف لنا جميعا بأن تُمنح امرأة عربية يمنية هذه الجائزة العملاقة للسلام والتي تعطي تأكيد لدى العالم اجمع بأن الثورة اليمينة التي كانت توكل في مقدمتها ومقدمة صفوفها هي ثورة سلمية، لقد أزاحت كرمان غبار التزييف والتضليل الذي أخذ يعمل الكثيرون عليه بغية إجهاض مساعيها ومساعي الثورة اليمنية، إنها توكل التي بقيت تهتف بسلمية في ساحات التغيير وخرجت إليها منذ اليوم الأول للثورة دون أن يخيفها شيء أو يثنيها عن عملها التهديدات بالقتل التي تتلقاها يوميا من طرف عناصر النظام والمحسوبين على زمرته وكادت أن تدفع حياتها ثمنا لذلك…"، وأضاف البيان بالقول "… إن الفرحة كبيرة ومهما أوتينا من البلاغة والبيان فإننا سنظل عاجزين عن وصفها ووصف هذا الشرف الكبير الذي منحتنا إياه الثائرة توكل من خلال حصولها على جائزة نوبل للسلام التي تعد رسالة واضحة أن ثورتنا نحن اليمنيين سلمية، وسنستمر في سلميتنا التي أكدتها الثائرة توكل بجائزتها للسلام التي اختيرت لها، لقد كتبت لأجلها العديد من المقالات الداعية إلى إسقاط النظام اليميني وأخرجت العديد من الأفلام الوثائقية حول حقوق الإنسان والحكم الرشيد في اليمن التي من أهمها فيلم (دعوة للحياة) الذي يجسّد ظاهرة الانتحار وفيلم (المشاركة السياسية للمراة)، وفيلم (تهريب الأطفال) في إشارة واضحة إلى مافيا التهريب التي تستغل الأطفال بعد تهريبهم الى المملكة العربية السعودية…، وهي مجهودات حصلت معه سريعا على جائزة نوبل للسلام 2011 رفقة كل من الرئيسية الليبرية الين جونسون سيرليف والناشطة الليبيرية ليما غوبوي واختارتها مجلة التايم الأمريكية في المرتبة الأولى لأكثر النساء ثورية في التاريخ المعاصر…. الصمت مقابل الحياة أما توكل كرمان فقد وصفت شعورها بعد نيل جائزة نوبل وفي خطابها الرسمي بأوسلو "……نحن متفقون على أن كافة الأنظمة في الشرق الآوسط عشيه الربيع العربي لم تكن سوى دولاً للمحسوبية والفساد والرشاوى ودول الفرد والعائلة، لقد صحى الشباب العربي بعد عقود من أوهام الدولة الوطنيه وأخذوا يستشعرون بأن دولتهم ووطنهم هو ملك لهم…، أخذوا يستشعرون بأن الوطن ملك للجميع الذي يجب عليهم أن يتشاركوا في الثورة ويعبروا إلى الحرية….، فكثيرا ما يقال بأننا في مفترق طرق، لكن، ربما لا ينطبق هذا الوصف بشكل دقيق إلا على المرحلة التي نعيشها في دول الربيع العربي، وتكمن أهمية اللحظة الراهنة في أنها سوف تشكل ملامح حياتنا المستقبلية التي فشلت السلطة الانتقالية في رسمها وتحقيق أولوياتها وأهداف الثورة الشبابية، وبالتالي فإن ربيعنا سيمتد حتى يطال كل البقاع بين دفتي المحيط والخليج وسيشكّل مصدر محاكاة وإلهام حتى يمتد إلى الجوار، لقد أصبحت الثورة ماركة مسجلة للشباب الضائق بدولة الفساد والمحسوبية والرشوة ودولة الفرد والعائلة، الشباب الطامح لدولة المواطنين حيث الشراكة وحياة الحرية….".
وختمت كلماتها بالقول "على العالم الديمقراطي الذي حدثنا كثيرا عن فضائل الديمقراطية والحكم الرشيد ألاّ يدير ظهره لما يحدث في اليمن ومعها سوريا وقبلها تونس ومصر وليبيا وفلسطين وفي كل بلد عربي وغير عربي توّاق للحرية..، فهذه الجائزة هي مكافأة لشباب الثورات العربية بشكل عام والثورة اليمنية بشكل خاص وحافز لهم لخلق مرحلة جديدة لإقامة يمن ديمقراطي في طليعة دول العالم….، وكم نحن بحاجة إلى مثل هذه الثورات لتلبية احتياجات شعوبنا لدولة المواطنة وسيادة القانون بعد سنوات طويلة من تحكّم دولة الفساد والمحسوبية والرشوة والظلم والاستبداد… كما أن هذه الجائزة هي اعتراف من العالم كله بانتصار الثورة السلمية اليمينة وتقديرا منه لتضحيات شعبها المسالم الذي نجحت عبقرية الثورة فيه بإقناع الملايين إلى ترك السلاح والالتحاق بالثورة سلميًّا، ومواجهة آلة القتل والعنف الرسمي بالورود والصدور العارية والعامرة بالحلم والحب بعد أن آمنت بالنضال السلمي من أّجل الحرية والكرامة والديمقراطية وقرّرت الخروج من معادلة الصمت مقابل الحياة…". سلسلة من إعداد وتقديم: