بعد أزيد من 50 عاما.. اشتراكي على رأس مجلس الشيوخ الفرنسي انتخب أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي أول أمس السبت عضوا اشتراكيا لرئاسة المجلس لأول مرة منذ أكثر من خمسين عاما بعد أن انتزع مرشحون يساريون السيطرة على المجلس الأعلى للبرلمان الأسبوع الماضي من الحزب الحاكم ذي التوجهات المحافظة المنتمي له الرئيس نيكولا ساركوزي. وقبل سبعة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية تعرضت حكومة ساركوزي لضربة قوية من خلال هذا التغيير الرئيسي حيث استحوذ مرشحون يساريون على أكثر من 20 مقعدا من الحزب الحاكم. وفاز جين بيير بل (59 عاما) على أغلبية مطلقة في الاقتراع السري الذي اجري السبت ليصبح أول عضو يساري يتولى رئاسة المجلس منذ 1958. وقال بل للأعضاء عقب انتخابه «جرى هنا تصويت من اجل التغيير ومفاتيح التغيير سلمت لليسار.» ومضى يقول «لقد حملونا (الناخبون) ثلاث مسؤوليات.. الأولى تاريخية لأنه بعد عقود ينفتح مجلس الشيوخ على البديل والثانية سياسية لان (الناخبين) أعربوا عن سخطهم وعدم ارتياحهم بشأن التوجه الذي نأخذه ومسؤولية أخلافية لأنهم (الناخبون) يريدون مجلسا جديدا.» وقال بل انه رغم الأغلبية الاشتراكية فان المجلس الجديد لن يكون «معوقا» ولكن سيعرض مقترحات بناءة. ولن يتمكن المجلس الجديد من إعاقة خطط ساركوزي التشريعية حيث أن اليمين لا يزال يسيطر على الجمعية الوطنية (البرلمان) التي لها القرار النهائي. ولكن خسارة معقل يسيطر عليه اليمين منذ فترة طويلة تمثل نكسة رمزية خاصة إذا أضيفت إلى تدهور شعبيته في حين سيعطي النصر دفعة للاشتراكيين قبيل الانتخابات التمهيدية هذا الأسبوع لانتخاب مرشح لخوض الانتخابات الرئاسية العام المقبل ويأتي انتخاب العضو لاشتراكي على رأس مجلس الشيوخ، بعد اكتساح اليسار الفرنسي للمجلس إثر الانتخابات الأخيرة، والذي تعددت حوله القراءات، وهو ما تم لمسه عند الأغلبية اليمينية نفسها، حيث اعتبر البعض منها أن هذه الهزيمة نتيجة ميكانيكية للهزائم التي تكبدها «الاتحاد من أجل حركة شعبية» في المحطات السياسية الأخيرة. وهناك من المعطيات ما يؤكد ذلك بالرجوع إلى نتائج الانتخابات المحلية التي عرفتها فرنسا خلال العشر سنوات الأخيرة، فجميعها كانت من نصيب اليسار وفي مقدمته الحزب الاشتراكي. وما دامت انتخابات مجلس الشيوخ لا يشارك فيها الناخب العادي، وإنما ما يعرف في لغة هذا النوع من الانتخابات بالناخبين الكبار، ويقصد بهم أولئك المنتخبون في المجالس المحلية بمؤسساتها الثلاثة (محلية، إقليمية وجهوية) وتسير غالبيتها من طرف المعارضة، كان من الطبيعي أن يسقط هذا المجلس بين أيدي اليسار. لكن فرانسوا فيون، رئيس الوزراء الفرنسي، كان واضحا في تعليقه على هذه الهزيمة، إذ اعتبرها «ضربة قاسية» بالنسبة إلى اليمين الحاكم الذي تفصله أشهر عن الانتخابات الرئاسية، و تعهد أن يبذل كل ما في وسعه من أجل إعادة انتخاب نيكولا ساركوزي على رأس فرنسا. وقال رئيس الجهاز التنفيذي الفرنسي «هزيمتنا، قبل ثمانية أشهر من الانتخابات الرئاسية، تعد ضربة قاسية، لكنها كانت منتظرة لأننا خسرنا كل الانتخابات التي تخللت العشر سنوات الأخيرة...»، معترفا بالوضع الصعب الذي عاشته الأغلبية الحاكمة خلال هذه الانتخابات بسبب العديد من الصراعات الداخلية. نتيجة لها دلالات رئاسية لقد كان منتظرا أن يلحق اليسار الهزيمة باليمين الحاكم في هذه الانتخابات، لكن لم تتوقع الأغلبية أن تفقد 25 مقعدا في دفعة واحدة لحساب المعارضة، وهي بذلك لم تكن تضع في اعتبارها أنه سيضيع منها رئاسة هذا المجلس لحساب خصومها السياسيين على بعد بضعة أشهر من سباق الإليزيه. وسجل ملاحظون نفور العديد من الجماعات القروية التي صوتت دائما لليمين، وتحولت لأول مرة نحو اليسار، ما فسره هؤلاء بنجاح أفكار هذا الصف السياسي في التغلغل في مجالات جغرافية ظلت حكرا على اليمين، وعرفت بكونها محافظة ولا يمكنها أن تميل يسارا في يوم من الأيام. دومينيك رويني وهو محلل سياسي فرنسي معروف يفسر هذا الأمر بكون الحزب الاشتراكي على الخصوص، وهو قطب الرحى في اليسار الفرنسي، تحول إلى تنظيم وسطي، ولبس مع هذه النتيجة عباءة النبلاء الذين عرفوا «باستيطانهم» الغرفة الثانية. ويزيد موضحا أن الأزمة أفادت كثيرا الحزب الاشتراكي الفرنسي، ومنذ 2008 لمس لديه نوعا من القوة الاقتراحية، إذ ظهر حزب مارتين أوبري على أنه الحزب القادر على إنتاج أفكار يتفاعل معها الفرنسيون، على عكس الحزب الحاكم الاتحاد من أجل حركة شعبية الذي يقول عنه رويني إنه دخل في عطالة فكرية. ففرنسا ما زالت تتخبط في صعوبات اقتصادية ولم يعثر بعد المسؤولون السياسيون على الوصفة السحرية لإقلاع النمو الاقتصادي فيها، الذي لم يفارق الصفر في الآونة الأخيرة، وفرضها ضرائب جديدة بهدف التخفيف من الديون التي على كاهلها لا يخدم شعبية الحكومة الحالية، ويصب أتوماتيكيا في مصلحة اليسار في أفق انتخابات الرئاسة في 2012.