بأوراق ملف المهدي المبعثرة، وبأعصاب محترقة، وببدن أنهكه الشغل في يوم عصيب تمنيت لو أنه لم يتمطى، حتى أتمكن من تكسير حمولة هذا الإجهاد العارم. بعد شرب سيجارة، ورشف ما بقي عالقا في قعر الكأس من قهوة، كعادة دأبت عليها بعد إتمام الخدمة، سأغادر المقهى بعدما أخد مني الإعياء مأخذه. جبروت الهبيب الذي أرخى سدوله على الجو، خادشا حياءه، بعدما تجرأ على تعرية كل شيء، أفقدني الكثير من الحيوية، وفاقم نصبي الذي سوف لن يطرده إلا الغوص في نوم عميق قد يمتد لساعات. على الرصيف بقيت شبه منتصب، مخفوض الهامة، مستندا إلى عمود إنارة، أستعجل الرحيل إلى المنزل، غير مبال بكل هاته الحركية التي لا تخطئها عين الناظر في ساعات الذروة. فوضى وازدحام وتجاوزات هنا وهنالك، تلكم السمة التي يمكن أن تكون وصفا لوتيرة التنقل، وسلوكيات رعناء تتجدد كل لحظة، حيث يعتقد بعض السائقين أنه ما من مخرج سوى خرق القانون، وتجاوز قواعد مدونة السير لتكون النتيجة حوادث وفوضى بالجملة. مستوقفا سيارة الأجرة، أثار انتباهي الملصق المثبت على زجاج النافذة، والمتضمن لعبارة "المرجو إغلاق الباب بهدوء". حمدا لله أنني انتبهت للإعلان، واستجبت لمضمونه، وإلا لكان سحبي له بعدوانية غير مقصودة، سيثير حفيظة السائق لا محالة، وقد يدفع به إلى التعوذ من أمثالي. على طول الطريق المؤدي إلى وجهتي، كان السائق الخمسيني، الذي بدأ الشيب يستعمر جزءا من مساحة شعره، يحاول خنق الحشرجات المنبعثة من الراديو، ساعيا إلى ضبط موجاته، التي أسعفته حين التقطت أغنية لدحمان الحراشي، يبدو أن تفاعله معها كان إيجابيا، وهو الذي سعى إلى مجاراتها بدندناته المتشظية، وبضبط إيقاعها ضربا على المقود. لم يكن للأنغام التي أراحت السائق وزرعت الهدوء في كيانه أن تمر بسلام. محاولة مركبة كانت خلفنا للتجاوز في وضعية لا يسمح بها قانون السير فجرت غضب السائق، جاعلة منه ثورة تلعن النقل ومن يأتي معه. بقلم: هشام زهدالي