عاشت بلدية عين حرودة التابعة لعمالة المحمدية، مؤخرا حدثين «استثنائيين» بامتياز، يتمثل الأول في إعفاء الباشا السابق من مهامه وإلحاقه بوزارة الداخلية، وتعيين باشا جديد مكانه. وقد خلف رحيل الباشا السابق، ارتياحا واسعا في نفوس الكثيرين، في مقدمتهم مجموعة من الموظفين بالباشوية وبالبلدية نفسها، حيث كان يمارس عليهم ساديته، ويجثم على صدورهم، ولم يسلم الكثيرون من إهاناته بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن وكما يقول المثل، «باش تقتل باش تموت». فقد عاش الباشا السابق، أثناء عملية تنصيب مسؤولي السلطة المحلية الجدد التي احتضنها مقر عمالة المحمدية، لحظات صعبة أثارت شفقة البعض عليه. فقد ظل وحيدا، قابعا في مكانه، بل حتى كلمة عامل المدينة لم تشر إلى»خدماته» من قريب أو بعيد، بل أكثر من ذلك، لم يتقدم ل»توديعه» عند نهاية عملية التنصيب سوى بعض ممثلي الجمعيات ببلدية عين حرودة، الذين أنقذوا الموقف قبل أن يضطر إلى مغادرة القاعة وركوب سيارته التي أقلته بعيدا عن عيون الآخرين. لكن الخاسر الأكبر في رحيله، هو المجلس البلدي لعين حرودة، حيث كان الباشا «محاميه المفضل» و»المدافع الشرس» عنه خصوصا في أوقات الشدة. ويتذكر الجميع كيف أن الباشا السابق، عمل كل مافي وسعه، لإجهاض الوقفات الاحتجاجية المنظمة قبل شهور ضد ظاهرة الفساد بعين حرودة، بدءا بتسخير مجموعة من أتباعه لترهيب المواطنين وزرع الرعب في نفوسهم وإغداق آخرين بإكراميات حاتمية، ناهيك عن تدبيجه لتقارير تشم منها رائحة الحقد والكراهية كوصف المحتجين بألفاظ نابية وفق مصادر مطلعة. ورغم ذلك، ظلت الوقفات الاحتجاجية تنظم وفق برنامجها المقرر، غير آبهة بشطحات الباشا ومن يدور في فلكه، جعلت رئيس البلدية يضطر إلى إلغاء الدورة العادية لأحد دورات المجلس، بعد أن أمر جميع الموظفين بعدم الحضور يوم الدورة وهي سابقة في تاريخ بلدية عين حرودة. وعموما، فقد ظل الباشا يغض طرفه عن كل جرائم المجلس البلدي في حق الساكنة، مما جعل بعض الجمعيات المهنية والمدنية ترفع شكاية ضده وضد رئيس المجلس البلدي، تتهمهما بشكل مباشرفي «تشجيع» البناء العشوائي بالمنطقة. أما الحدث الثاني، فهو يحمل أيضا صفة «الاستثناء»، ويتعلق الأمر بدعوة رئيس المجلس لعقد دورة استثنائية، حدد جدول أعمالها في ثلاث نقط، الأولى تتعلق بمشكل الباعة المتجولين والثانية بالاستعداد لمواجهة الفيضانات المقبلة في فصل الشتاء، أما الثالثة وهي مربط الفرس، فتتعلق بطلب قرض تبلغ قيمته 38 مليون درهم أي ثلاثة مليارات و800 مليون سنتيم وهو مبلغ يصعب على الكثيرين كتابته فبالأحرى التصرف فيه. ويبدو من القراءة الأولية لهذه الدورة التي يمكن وصفها بالسرية، أن النقطتين الأوليتين تم اقحامهما فقط للتغطية على الملايير التي يريد الرئيس تمريرها بأقصى سرعة، والاستفادة من القرض ثم الإعلان عن الصفقات والبقية يعرفها الجميع... ويكفي الإشارة، إلى أن أعضاء مكتب المجلس لم تعرض عليهم نقط هذه الدورة بصفة نهائية، وهو الأمر الذي أكده بعض أعضاء مكتب المجلس. ولتمرير هذه الصفقة التي وصفها أحد المستشارين بصفقة «العمر» بالنسبة للرئيس، ومن يدور في فلكه، خصوصا وأن الانتخابات التشريعية على الأبواب وكذا الجماعية بعد شهور، قدم «مهندس» الجماعة عرضا حول «المشاريع» التي سيتم تمويلها من هذا القرض، وتتمثل في إصلاح الحدائق وبناء النافورات وتزفيت بعض الشوارع وبعض أزقة التجزئات.. دون أن يقدم تفاصيل واضحة في الموضوع، قبل أن يشير الرئيس بأنه سيتم التخلي على النافورات، أي عن مبلغ مليار و100 سنتيم، والإبقاء على قرض بقيمة مليارين و700 مليون سنتيم. وعموما فالعرض المقدم، كان غامضا ومبهما، وقد تعمد الرئيس ذلك، حتى يتسنى له غدا التصرف بشكل انفرادي في موضوع هذه الصفقة، التي لم تثر للأسف أي ردود فعل من طرف أغلبية المجلس الموالية للرئيس على اختلاف ألوانها وانتماءاتها باستثناء بعض الأعضاء الذين عبروا عن موقفهم المناهض لسياسة الرئيس، بالتصويت بالرفض على النقطة المتعلقة بطلب هذا القرض. أكثر من ذلك، فقد اشار الرئيس أن برمجة هذه المشاريع قد تم بناء على دراسة قام بها مكتب مختص للدراسات، في حين أن التقرير المقدم حول هذه المشاريع لايعكس لغة مكاتب الدراسات، وإنما لغة تلميذ في مرحلته الابتدائية. أكثر من ذلك، ظل موضوع الصفقات العمومية، يطرح أكثر من سؤال، طيلة أكثر من عقد من الزمن، لماشابه من تلاعبات في منح هذه الصفقات لأشخاص معروفين بالمنطقة. ووصف أحد الأعضاء في اتصال أجرته معه بيان اليوم، أن ماأقدم عليه الرئيس يندرج في إطار «السيبة والفوضى التي تعرفها البلدية منذ سنوات»، محملا المسؤولية الأولى لمجموعة من الأعضاء الذين «باعوا أنفسهم بثمن بخس» على حد تعبيره، وكذا للسلطات الوصية التي لاتحرك ساكنا، عندما يتعلق الأمر بعين حرودة.. مؤكدا في الوقت نفسه، أن إصلاح الحدائق ومسألة التزفيت، ليست سوى طريقة للتلاعب في مالية الجماعة وإغراقها بالديون، في وقت صرفت فيه أموال طائلة في الحدائق التي تحول بعضها إلى موقف للسيارات، كما هو الحال بالنسبة للحديقة المتواجدة قبالة تجزئة «أيوب». وعن سؤال حول خلفيات التصويت بالأغلبية على هذا القرض، قال نفس العضو، «للأٍسف، فأغلبية أعضاء المجلس مثل» الميت أمام غساله، «...فمن لاستقلالية له، لا صوت له، ولكل شيء ثمنه». وقد علمنا أنه في اليوم الموالي، تمت معاقبته أحد الأعضاء الذين صوتوا ضد طلب القرض، بسحب التفويض منه. فيما لم يحرك زميله في نفس الحزب صاحب «الألف وجه» -على حد وصف عضو آخر- أي ساكن. تجدر الإشارة، أن هذا العضو، الذي أصابه الخرس منذ شهور، بعد أن أصبح بمثابة الذراع الأيمن للرئيس، جعل في وقت سابق من شعار «إسقاط الرئيس» محور حملته الانتخابية السابقة المتعلقة بالانتخابات الجماعية، حيث قال فيه مالم يقله مالك في الخمر، بل كان أحد السباقين إلى فضخ التلاعبات التي تعرفها مجموعة من الصفقات، منها ما يتعلق بالنافورات نفسها ومدارات الطرق.. لكن بمجرد إعلان النتائج الانتخابية التي كان فيها المال الحرام سيد الموقف، تغير الرجل، وخوفا من أن يسقط الرئيس من رئاسة المجلس، ضحى العضو المذكوربنفسه وبكل شيء، ومنح صوته بدون خجل ولا حياء للرئيس ..لكن لكل شيء ثمنه، كما قال أحد الأعضاء. وهكذا، وبتعبير عضو آخر، فضل عدم ذكر اسمه، «تحول صاحب» الألف وجه» بدوره إلى مدافع «شرس»، عن «إنجازات ومشاريع الرئيس» في كل الأماكن، «يحرس» الجماعة في غيابه وينتشي بالتوقيع على بعض الوثائق الإدارية، ويراقب مستودعه الذي حوله إلى مسجد مؤقت إلى أن تمرالإنتخابات... وعندما يحس بالاختناق..يتوجه نحو «قصر الرئيس» المشيد على مئات الأمتار، الذي يحرسه البشر والكلاب، يستمتع فيه بصفاء الجو وظلال الأشجار وبمياه المسبح التي تسرق مياهه في واضحة النهار، ويأكل مالذ من الأطعمة، ...لكن إلى متى...؟