يقوم مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا عبدالله باتيلي بجولة خارجية في محاولة لحشد الدعم الدولي باتجاه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في ليبيا نهاية العام الجاري، لكن كثيرين يتشككون في إمكانية حدوثها على ضوء التباينات في المواقف الدولية، وتهرب القوى الليبية المعنية من التزاماتها حيال التهيئة لهذين الاستحقاقين. وتأتي جولة المبعوث الأممي قبل أيام من جلسة خاصة ستعقد في مجلس الأمن الدولي، وستخصص لبحث التطورات في ليبيا، وستتضمن إحاطة سيقدمها باتيلي قد يتطرق فيها إلى الأطراف الليبية المعرقلة للانتخابات. وأجرى المبعوث الأممي الاثنين مباحثات مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، داعيا المجتمع الدولي من خلالها إلى توحيد جهوده لدعم إجراء الانتخابات. وعقب لقاء مع كولونا في فرنسا قال باتيلي عبر تويتر إنه ناقش معها "آخر التطورات السياسية والأمنية في ليبيا وضرورة دعم عملية سياسية ليبية – ليبية تُسهل إجراء انتخابات شاملة وشفافة في عام 2023". وجدد المبعوث الأممي دعوته "لكل الأطراف الدولية المعنية بالشأن الليبي إلى تنسيق مواقفهم وتوحيد كلمتهم دعما لإجراء الانتخابات وتحقيق تطلعات الليبيين إلى السلام والاستقرار". ويزور باتيلي فرنسا ضمن جولات خارجية شملت الجزائر وجمهورية الكونغو والمغرب ومصر وإيطاليا. ويرى مراقبون أن جولة باتيلي تستهدف بحث سبل اعتماد آليات بديلة بعد أن ثبت عدم إمكانية استمرار الرهان على توافق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة على القاعدة الدستورية. ويرى المراقبون أن أي اختراق يتطلب تحقيق توافق بين القوى الدولية والإقليمية المتدخلة في الشأن الليبي، والتي يدعم كل منها أطرافا متنافسة في ليبيا، وهو ما يعيه المسؤول الأممي ويتحرك على ضوئه. ووصف نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني القضية الليبية بأنها "الأكثر تعقيدًا"، وجاء ذلك بعد أيام من عرضه على باتيلي خلال لقاء في روما مقترح "ميثاق سيادة ليبيا" الهادف إلى إنشاء جبهة موحدة من اللاعبين الدوليين الرئيسيين لدعم الوساطة الأممية. وقال تاياني مخاطبا المنتدى الدبلوماسي لجامعة لويس غويدو كارلي الخاصة بالعاصمة الإيطالية، إن "إيطاليا تريد أن تكون همزة وصل بوسعها إعادة الأطراف المتنازعة إلى الحوار وإعادة اكتشافهم للوحدة"، بحيث يمكن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في المستقبل القريب. ورأى تاياني أنه من الممكن حل القضية الليبية "إذا تمكنا أيضًا من جمع تركيا ومصر حول طاولة حوار مثالية". ومنذ أن تسلم مهامه في أكتوبر الماضي يواجه باتيلي صعوبة في الحصول على موقف دولي موحد نتيجة صراع المصالح بين القوى المتدخلة، وهو ما تستغله الأطراف الليبية للتهرب من استحقاقات المرحلة وفي مقدمتها الاتفاق على قاعدة دستورية. ويتركز الخلاف بين مجلسي النواب والدولة حول مشاركة العسكريين ومزدوجي الجنسية في الانتخابات، وفي خطوة بدت وفق مراقبين محاولة للهروب إلى الأمام، أقر مجلس النواب والذي يتخذ من طبرق مقرا له مؤخرا تعديلا على الإعلان الدستوري، واعتبر أنه يشكل بديلا عن القاعدة الدستورية. ويلتزم المجلس الأعلى للدولة الصمت حيال هذا التعديل، لكن متابعين يرون أن الأخير يتحفظ على إبداء أي موقف بشأن الإعلان المعدل إلى حين انعقاد جلسة مجلس الأمن، وعقبها سيعلن عن موقف رافض أو يطالب بتعديلات إضافية، ما يعني البقاء في ذات الحلقة المفرغة. ويقول نشطاء ليبيون إن هناك عملية توزيع أدوار بين رئيسي المجلسين عقيلة صالح وخالد المشري لعرقلة أي توافقات قد تقود إلى إجراء الانتخابات في ظل خشية الطرفين من فقدان مراكز نفوذهما. أي اختراق يتطلب تحقيق توافق بين القوى الدولية والإقليمية المتدخلة في الشأن الليبي، والتي يدعم كل منها أطرافا متنافسة في ليبيا، وهو ما يعيه المسؤول الأممي ويتحرك على ضوئه وقال المتحدث باسم المبادرة الوطنية الليبية محمد شوبار إنّ رئيس البعثة الأممية هو مسؤول في الأممالمتحدة، وبالتالي ما يقوم به يمثل رؤية المجتمع الدولي وقرارته. واعتبر شوبار في تصريحات إعلامية "أنه بعد فشل كل المؤسسات التي انبثقت عن ملتقى الحوار السياسي الليبي المبرم بجنيف في تنفيذ ما أوكل إليها من مهام، فإن المجتمع الدولي لن يمنح فرصة أخرى لهذه المؤسسات للاستمرار في هذا العبث الذي أوصل وضع الليبيين إلى هذا المستوى من الفوضى". وأضاف شوبار أن "جزءا من المجتمع الدولي وعلى رأسه الولاياتالمتحدة عازم على تحقيق الاستقرار في ليبيا خلال الفترة القريبة المقبلة"، لافتا إلى أنه "من الواضح أنّنا على أعتاب اتخاذ قرارات مهمة سوف تتمثل في آليات بديلة لحل الأزمة الليبية، بعد أن تيقن الجميع أن هدف الطبقة السياسية المتواجدة في السلطة هو البقاء لأطول فترة ممكنة". ولفت إلى أنّ إنهاء فوضى انتشار السلاح والتواجد الأجنبي يستوجب تشكيل قيادة وطنية قوية بوجوه جديدة، وهذا ما يعمل عليه المجتمع الدولي طبقاً للفقرة الرابعة من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2656، مؤكداً أنّ المرحلة المقبلة مهمة في تاريخ ليبيا، وستبدأ بفرض الأمن على كامل التراب الليبي، واسترجاع الأموال المنهوبة، وتحسين الوضع المعيشي والخدمي لليبيين، ومن ثم التمهيد لانتخابات حرة ونزيهة. وشدد المتحدث باسم المبادرة الوطنية "إنّنا نعلم جيداً أنّ الدول المتورطة في جلب القوات الأجنبية والمرتزقة حاولت مراراً وتكراراً أن يظل ملف تواجد المرتزقة والقوات الأجنبية معلقاً، غير أنّه من الصعوبة في الوقت الحالي ترك هذا الملف دون حسم، كون المرحلة القادمة ينبغي أن تشهد فيها ليبيا خلواً كاملاً من السلاح والقوات الأجنبية، وستنفذ ذلك القيادة الجديدة بمساعدة دولية". ومنذ مارس 2022 تتصارع على السلطة في ليبيا حكومتان إحداهما برئاسة فتحي باشاغا وكلفها مجلس النواب بطبرق (شرق) والثانية معترف بها من الأممالمتحدة وهي حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب. ووفق مبادرة أممية، يجري مجلسا النواب والأعلى للدولة (نيابي استشاري) مفاوضات منذ نحو عام للتوافق على قاعدة دستورية تقود إلى إجراء الانتخابات، لكن لا يبدو أن الطرفين جادّان في التوصل إلى تسوية.