تحظى زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى موريتانيا باهتمام كبير من قبل المتابعين، لاسيما مع تحول نواكشوط إلى محور استقطاب شديد بين موسكو والغرب في منطقة الساحل. وبدأ لافروف مساء الثلاثاء الماضي زيارة تستمر يومين إلى نواكشوط قادما من مالي، وهي الزيارة الأولى لمسؤول روسي بهذا المستوى إلى موريتانيا منذ العام 2017، عندما زار نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، نواكشوط، في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز. ويرى مراقبون أن زيارة لافروف تستهدف جس نبض موريتانيا لاستمالتها إلى صف روسيا في صراع النفوذ الدائر بينها والغرب حول منطقة الساحل، لكن من غير المرجح أن تنجح موسكو في ذلك، فنواكشوط لن تغامر بهكذا خطوة، قد تعرضها لضغوط غربية شديدة، هي غير قادرة على تحملها، وإن أقصى ما قد يتحقق لروسيا هو الحصول على تعهدات من نواكشوط بعدم الانخراط في حملة محاصرتها في المنطقة، وفي مقاومة إقامة مشروع قاعدة للحلف الأطلسي على أراضيها. في المقابل ستحرص روسيا، وفق المراقبين، على عرض بعض المغريات في مقدمتها تطوير العلاقات الاقتصادية، ولاسيما في مجال الطاقة مع موريتانيا، وهو ما بدا وضحا في المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية الروسي مع نظيره الموريتاني، والذي ركز على الجانب الاقتصادي. وتعتبر موريتانيا دولة محورية في منطقة الساحل، وبعد نجاح موسكو في فرض نفوذ لها في مالي والتقارب مع بوركينا فاسو، تسعى اليوم لضم نواكشوط إلى محورها، ما سيعني بالنسبة إليها حسم الصراع في المنطقة لصالحها، وهو الأمر الذي انتبهت له القوى الغربية. واستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني وزير الخارجية الروسي الأربعاء بقصر الرئاسة في العاصمة نواكشوط. وذكرت وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية أن الجانبين "بحثا علاقات التعاون بين البلدين"، دون تفاصيل أكثر. وأعرب لافروف خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، في وقت لاحق عن احترام بلاده لقرارات قيادة موريتانيا، خاصة في ما يتعلق بأوضاع الدول القريبة منها في الصحراء والساحل. وذكر أن المحادثات التي أجراها مع الرئيس الغزواني وقبلها مع نظيره الموريتاني "كانت مبنية على الثقة". وأوضح لافروف أن هذه أول زيارة لوزير خارجية روسي إلى موريتانيا، مشيرا إلى أنه "كان يجب القيام بها" منذ وقت. ولفت إلى أن الزيارة تتزامن مع مرور ستين عاما على إقامة العلاقات بين البلدين، ووصفها بأنها "احتفال". وقال لافروف إنه تباحث مع نظيره الموريتاني حول "الخطوات التي يمكن اتخاذها لإيصال علاقاتنا إلى مستوى جديد، حيث أولينا اهتماما خاصا بالجانب الاقتصادي والتجاري". وأضاف أن أهم مجال للشراكة بين البلدين هو صيد السمك، إذ تنشط قوارب روسية في المياه الإقليمية الموريتانية، مشيرا إلى أن ذلك "يخلق الظروف الملائمة لتعزيز التعاون، وقد اتفقنا على اتخاذ إجراءات إضافية لجعل هذا العمل أكثر فعالية". ولفت وزير الخارجية الروسي إلى أن خارج إطار مجال الصيد "قليلا ما يمكننا أن نفتخر به"، قائلا إن هناك اتفاقا في هذه المرحلة على "تنويع علاقاتنا الاقتصادية، والبحث عن مجالات جديدة للتعاون، واتفقنا على تنشيط العمل المشترك لتطوير المجال الاقتصادي والتجاري بين البلدين". وأشار وزير الخارجية الروسي إلى إمكانية أن تحصل موريتانيا من روسيا على منتجات الطاقة والمنتجات الزراعية والحبوب، ومن أجل ذلك "سنعمل باستمرار لتحفيز الأمانة العامة للأمم المتحدة، لمنع العوائق غير الشرعية التي فرضها الغرب أمام المسارات اللوجستية والسلاسل المالية لإيصال المواد الغذائية إلى الأسواق العالمية". وقال لافروف "هذا الموضوع يعتبر هاما، وموضوع الطاقة أيضا يهم جميع الدول الأفريقية، وبالاتفاق مع أصدقائنا في القارة، فإن من المواضيع الأساسية للقمة الروسية – الأفريقية سيكون أمن الطاقة والغذاء، ونقل التقنيات لتطوير الصناعات في أفريقيا، وأيضا مجال الصحة، إنها مواضيع حيوية ولا حاجة إلى إثبات ذلك". نواكشوط تسعى لاستغلال التدافع الروسي – الغربي باتجاهها من أجل تحقيق مكاسب، وستحرص على الحفاظ على نوع من التوازنات وأعلن المسؤول الروسي أن "عبر التعاون مع أصدقائنا في موريتانيا سنزيد هذه السنة من منح الطلاب بخمسين منحة ستكون موجهة بالدرجة الأولى لدراسة الطب، حتى يطلع الطلاب الموريتانيون على ما توصل إليه أطباء روسيا من اكتشافات ومعارف على مستوى عال، وسيحصلون على الخبرة الموجودة لدينا". وأضاف أن "ابتداء من الأسبوع القادم سوف يقدم أطباء من داغستان استشارات في موريتانيا". وأكد لافروف استعداد روسيا "لتطوير أنواع أخرى من التعاون، منها المجال الإنساني"، مشيرا إلى أن "هنالك وثيقة للتعاون في المجال الثقافي، وأنا واثق من أن هذه الوثيقة سوف تستقبل بشكل جيد من قبل شعبي البلدين". وذكر لافروف أن مباحثاته مع المسؤولين الموريتانيين تطرقت إلى "الوضع في الساحة الدولية، بما في ذلك موضوع الأزمة الجيوسياسية التي سببها استخدام الولاياتالمتحدة للنظام في أوكرانيا، من أجل التخلص من موانع هيمنتها على العالم، وهذا ما سمعناه من إدارة بايدن، حين أعلن قادة الناتو أنهم لن يسمحوا لأي جهة كانت، روسيا أو الصين، بأي شكل من الأشكال بأن تشكك في حق الغرب في أن يفرض إرادته على الجميع". وقال لافروف "نحن نحترم قرارات قيادة موريتانيا، ونأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر موريتانيا في قضايا وأزمات القارة الأفريقية، خاصة تلك القريبة منها، وأعني هنا تهديدات الإرهاب في الصحراء والساحل، ومساهمتها في البحث عن حل لأزمة الصحراء، ونحن سوف ندعم أصدقاءنا في أفريقيا انطلاقا من كونهم مهتمين بمساعدتنا لهم". وبدا واضحا من حديث لافروف أن القيادة الموريتانية أوضحت للمسؤول الروسي أنها لا تستطيع تحمل تكلفة الانحياز لأجندة روسيا في المنطقة، وأنها تفضل الاحتفاض بمسافة حيال التنافس الجاري بين موسكو والقوى الغربية. ويرى مراقبون أن نواكشوط تسعى لاستغلال هذا التدافع الروسي – الغربي باتجاهها من أجل تحقيق مكاسب، وستحرص على الحفاظ على نوع من التوازنات، لكن ذلك لن يكون سهلا، لاسيما وأن الوضع الدولي يسود فيه منطق من "ليس معي فهو ضدي".