للمرة الثانية، تنعقد ببلادنا الدورة المتجولة لمهرجان المسرح العربي. فبعد أن نالت الرباط العاصمة شرف احتضان الدورة السابعة سنة 2015، ها هي مدينة الدارالبيضاء البهية تستقبل اليوم الدورة الثالثة عشرة لهذه التظاهرة المسرحية العربية المتميزة التي دأبت الهيئة العربية للمسرح على تنظيمها كل سنة بتعاون مع حكومات البلدان المضيفة.. بعد استراحة اضطرارية دامت سنتين بسبب تفشي وباء كورونا في العالم، يعود المهرجان ليواصل مشروعه الفني الفرجوي المفروض أن يكون محملا بأسئلة جديدة أو على الأقل مشاريع أسئلة للمرحلة القادمة، أي مرحلة ما بعد كورونا. كلنا يتذكر أزمة كورونا وتداعياتها وآثارها السلبية على الناس وعيشهم، وعلى الحياة الاقتصادية والاجتماعية في كل المجتمعات عبر ربوع العالم.. وقطاع الثقافة والفنون لم يسلم من هذه النار التي اكتوى بها الجميع، إن لم نقل إن مجالات الثقافة والفنون هي الأكثر تضررا بسبب التوقف "القسري" عن مزاولة أي نشاط ثقافي مهني أو شبه مهني مرتبط بالجمهور.. على عكس القطاعات الأخرى التي واصلت نشاطها الإنتاجي بشكل كلي أو جزئي. ولا شك أن زمن كورونا هذا، الذي لم ينته بعد على كل حال، خلف سلوكات جديدة لدى الناس بمن فيهم المبدعون.. ولا شك أن كوفيد 19 ألهم عددا من الشعراء والرسامين والكتاب والمخرجين لإبداع آثار فنية تتمثل اللحظة التاريخية وإبدالاتها.. ولكن مما لا شك فيه أيضا أن زمن كورونا خلف لدى الطبقة السياسية والنخب الفكرية والاقتصادية وعلماء الاجتماع ومختلف أطياف الأنتيليجنسا.. قناعات جديدة وأسئلة فلسفية عميقة ومحيرة ترتبط في عمومها بالوجود وبمصير البشرية.. ولعل المثقفين والفنانين والمبدعين، وفي طليعتهم المسرحيون، معنيون بهذه الأسئلة أيضا إن لم نقل إنهم أحسن من يتقن صياغة الأسئلة.. لأنهم مدربون على القطائع – ثقافيا واجتماعيا – ومهيؤون لاختراق الطابوهات وتجاوز "المقدس".. فالمسرحيون أكثر من غيرهم، قادرون، باعتبارهم صناع الخيال والصور والجمال، على تحريض المجتمعات بلطف وسلاسة من أجل تغيير العقليات والسلوكات التي سادت قبل القبل وقبل البعد، وهم واعون بأن عليهم ابتكار أدوات وأساليب عمل جديدة وأنماط تفكير جريئة لمرحلة ما بعد البعد.. المسرحيون، بما هم مبدعون، قادرون على اقتراح وصياغة أسئلة ومشاريع وتصورات وأطروحات للعيش والحياة انطلاقا من تملكهم للكلمة والحكاية والقصيدة والحركة والنغمة واللون والشكل والصورة والمعمار والحجم والنوع.. ودرجات التلقي لدى الناس. وهم أيضا وفوق كل ذلك، مؤمنون بقيم الاختلاف والتنوع والتعدد، والحرية. ستتاح لنا الفرصة، خلال هذا المهرجان، لمشاهدة ستة عشر عرضا مسرحيا جديدا، أي أن هذه العروض أنتجت أثناء أو بعد كورونا، وأتمنى أن نجد من بين هذه العروض نوعا من التحاور والتجادل مع زمن كورونا بمقاربة مستقبلية وبمعالجة جمالية وفكرية جريئة ومتطلعة لمسرح جديد ومغاير.. كذلك الأمر بالنسبة للجلسات النقدية وأشغال المؤتمر الفكري وكل فضاءات المهرجان، التي، مهما كانت موضوعاتية، فإن هذه التيمة المرتبطة بما بعد كوفيد ستكون منسابة بشكل "عرضاني" في شرايين كل الجلسات الفكرية والثقافية للمهرجان، وكذلك في الهوامش… ولعلها الأهم. لا يسعني في ختام هذه المقالة إلا أن أرحب بصديقاتنا وأصدقائنا من نساء ورجال المسرح العربي وأهنئ الجميع بمناسبة اليوم العربي للمسرح، متمنيا لهن ولهم مقاما طيبا في المغرب ومتمنيا لدورة الدارالبيضاء لمهرجان المسرح العربي أن تكلل بالنجاح والتوفيق. ملاحظة في سياق آخر خرج المسرحيون المغاربة مثقلين بخيبة أمل من مهرجانهم الوطني في دورته الأخيرة، المسرحيون يشتكون من وضع عام مقلق للغاية، وما تراجع المهرجان إلا نموذج لتردي الوضع المسرحي ببلادنا عموما على عدة أصعدة.. تنطيميا وسياسيا ومهنيا وإداريا.. جاء المهرجان العربي في هذه الظرفية التي لن تؤثر على كل حال في برنامجه ومساراته.. ولكن دعونا نتمتع بالمفارقة الغريبة والعجيبة، وحتما ستتأكد في هذا المهرجان بالدارالبيضاء، وهي أن مسرحنا المغربي بخير وفي ألق وتوهج مستمرين بينما القيمون عليه يكرهونه.. يا عجبا ويا سبحان الله.