تسعة أفلام شاركت في تظاهرة احتفائية بالسينما المغربية، اختُتمت أول أمس في برلين. فرصة ثمينة لاكتشاف تجارب شابة لا تخلو من راديكاليّة، في طرحها لقضايا شائكة مثل حقوق المرأة والقمع السياسي والمجتمع البطريركي... تحت شعار «التحول والتنوع»، اختتمت أول أمس «أيام السينما المغربية في برلين» التي أقيمت بين أوّل سبتمبر والرابع منه، في سينما «أرسنال»، بالتعاون مع «مركز الشرق المعاصر». في معرض تقديمهم للتظاهرة التي أُعدّ لها قبل اندلاع الربيع العربي، وصف المنظمون الأفلام التسعة التي اختيرت للمشاركة بأنّها أعمال مخرجين ومخرجات مغاربة أُنجزت بين عامي 2001 و2010 تخترق التابُوات الاجتماعية، وتتناول مواضيع تعكس التحولات الاجتماعيّة والسياسيّة التي شهدها المغرب في السنوات العشرين الأخيرة. ولفت المنظمون إلى أن تلك الأفلام تغوص في قضايا حقوق المرأة والإنسان والمعتقلين السياسيين، وتفكّك البنية البطريركية، من دون أن تغفل تناول مسألة الثقافة الأمازيغية. تخللت العروض نقاشات، بحضور ثلاثة من المخرجين الذين عرضت أفلامهم: ياسمين قصاري (الراقد 2004)، وسهيل نوري («أبواب الجنة» لسهيل وعماد نوري 2006)، وطلال السلهامي (أيام الوهم 2010). كذلك، حضرت نفيسة السباعي منتجة «العيون الجافة» (2003) لنرجس النجار، وقد وقع عليه الخيار ليكون الفيلم الذي يفتتح «أيام السينما المغربية» في برلين. تدور معظم أحداث هذا الشريط الروائي في إحدى القرى النائية في منطقة الأطلس، حيث كل نسائها يمارسن الدعارة، ولا يدخل الرجال هذه القرية إلا لهذا الغرض. يبدأ الفيلم بالإفراج عن السجينة مينا التي غابت عن القرية ثلاثين عاماً ثم عادت إليها في محاولة لتعليم بنات القرية مهنة غزل السجاد، للتخلص من الدعارة. لكن ابنة مينا ستقف بالمرصاد لوالدتها، هي الابنة الناقمة على وضعها من دون أن ترى أي معنى لتغيير واقعها وهجر مهنة الدعارة. أكثر الممثلين في فيلم نرجس النجار هم من النساء الكومبارس اللواتي يسكنّ المنطقة التي صوّر فيها العمل، باستثناء الشخصيات الرئيسية الثلاث: مينا والابنة والسائق المرافق للأم الذي يدخل القرية معها بحجة أنه ابنها. هذا الفيلم الذي عرض في «مهرجان كان السينمائي الدولي 2003»، أثار الكثير من السجال في المغرب، بسبب نظرته الراديكاليّة والصداميّة إلى المجتمع الذكوري. وبعيداً عن رد الفعل المحافظ على العمل، رأى بعض المنتقدين من موقع آخر، أن المخرجة استغلّت القرويات، وغرّرت بهن، من دون أن يعرفن أنهن يمثلن أنفسهن... بل إنّ الفيلم سبّب الكثير من المشاكل العائلية لبعضهن. أما ليلى كيلاني، فتتعامل مع السينما التسجيليّة كوسيلة لطرح قضية أخرى شائكة في المغرب، لا تقلّ إثارة للجدل عن سابقتها. في «أماكننا الممنوعة» (2008)، ترافق المخرجة أربع عائلات مغربية في رحلة بحثها عن حقائق تتعلّق بأبنائها الذين اختفوا خلال «سنوات الرصاص» في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته وثمانينياته. خلال تلك المرحلة القاتمة والمديدة. وترصد الكيلاني تحرّكات العائلات الأربع بعد تأسيس «هيئة الإنصاف والمصالحة» عام 2004، تحت حكم محمد السادس. أما «الرعب»، فكان محور «أيام الوهم» لطلال السلهامي. اختار المخرج الشاب معالجة موضوع بطالة الشباب بطريقة سينمائية روائية، يغلب عليها طابع الخيال وما يعرف ب«سينما النوع». وتدور أحداث الشريط حول أربعة شباب وشابة، من مجالات تخصّص مختلفة، يتنافسون في ما بينهم للحصول على وظيفة في شركة عالمية افتتحت فرعاً لها في المغرب. وبعد مقابلة مع أحد المسؤولين في الشركة، يجد المرشحون الخمسة أنفسهم وسط الصحراء لتبدأ رحلة فظيعة، تدفع كلاً منهم إلى القضاء على الآخر. لا تخلو رحلة التيه في الصحراء من سفك دماء، على يد شخصيات غريبة، أشبه ب«الزومبي» الآتين من عالم آخر. سونيا حجازي من «مركز الشرق المعاصر» المشارك في تنظيم المهرجان، قالت إنّ «اختيار الأفلام جاء لكونها تتناول موضوعات تثير الجدل في المجتمع المغربي وتخرق الصمت، ولكونها أفلاماً ذات قيمة فنية عالية من نظرنا. كذلك، الكثير منها حصل على جوائز أوروبية معروفة». أما المنتجة الألمانية إيريت نايدهارت («ميك للتوزيع») التي تابعت العروض والنقاشات التي تناولتها طوال المهرجان، فترى أنّ هناك إشكالية كبيرة في اختيار قسم من الأفلام المعروضة. فتلك الأفلام «تفتح نافذة على مواضيع شائكة، لكن من دون أن تعالجها بعمق». وتضيف إيريت التي تعرف السينما العربيّة عن كثب، أنّ الحوارات والحبكة الدرامية ضعيفة في الكثير من هذه الأفلام. كذلك فإن الفوز بالجوائر الأوروبية أو غيرها، لا يعكس بالضرورة جودة الأفلام على حد تعبيرها. وترى نايدهارت أنّ «اختيار أغلب الأفلام يعكس طريقة صنعها، أي أنّ الأعمال تخاطب في نحو رئيسي جمهوراً أجنبياً. ورغم أنها مصنوعة من مخرجين مغاربة، إلا أنني لم أشعر، في قسم كبير منها، بتمكن هؤلاء السينمائيين من الاقتراب من شخصيات أفلامهم، فضلاً عن أن نتاجهم لا يدخل في عوالم هذه الشخصيات، ولا يغور في أعماقها». في كل الأحوال، يمكننا القول إن «أيام السينما المغربية»، ربحت أحد رهاناتها؛ إذ استدرجت الحاضرين إلى نقاش بشأن فخاخ عرض المواضيع الجريئة من دون الغوص فيها بعمق وشجاعة حقيقيتين. وسلّط المهرجان البرليني الضوء على معضلة مهمّة تثقل كاهل السينما العربيّة الشابة عموماً، ألا وهي اللغة السينمائية الناضجة التي لمسناها في قسم كبير من الأفلام المشاركة!