رصدت الدراسة التي قدمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان (CNDH) بشراكة مع صندوق الأممالمتحدة للسكان مع المغرب، والمتعلقة بالاعتبارات القضائية المعتمدة لتزويج الطفلات، تسع مبررات قانونية يعتمدها القضاة في تحديد شرط المصلحة في تزويج الطفلات، ويتعلق الأمر بمراعاة للتقاليد والأعراف، واليتم أو من غياب الأب، أو مبرر القرابة، أو الأسباب الاقتصادية، وعدم التمدرس أو الهدر المدرسي، أو بلوغ الطفلة سن الزواج الواقعي وليس القانوني، أو بلوغها مرحلة من النضج وإمكانية تحملها لأعباء الزواج، أو تزويجها خوفا عليها من الوقوع في علاقة جنسية خارج إطار الزواج، أو تزويج الطفلة المغتصبة من مغتصبها.وأكدت آمنة بوعياش في كلمة ألقتها خلال لقاء نظم بمقر المجلس بالرباط، خصص لتقديم نتائج هذه الدراسة التي تخص المبررات التي يعتمدها القضاة في إصدار قراراتهم وأحكامهم بشأن طلبات زواج الطفلات، "على أن تزويج القاصرات ظاهرة مركبة ولا تكفي القوانين لوحدها للحد منها، متسائلة بشأن مستوى ووتيرة إنجاز السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة برسم سنوات 2015 إلى 2025 وبشكل خاص الهدف الاستراتيجي الرابع المتعلق بالنهوض بالمعايير الاجتماعية لحماية الأطفال.وكشفت المسؤولة الحقوقية، قائلة "إن الدراسة المقدمة أثارت إشكاليات نبهتنا إلى الانتقال من دراسة الوقع إلى دراسة الأثر وبشكل خاص الأثر عبر جيلي فيما يخص تداعيات هذه الظاهرة على الطفلات والولوج إلى الحقوق الأساسية، وأهمية إطلاق مبادرات مع الفاعلين المعنيين لإعمال مفهوم المصلحة الفضلى للطفل". هذا وكشفت الدراسة اعتمادها على عينة من الأحكام تضم 150 حكما وقرارا، 120 منها صادرة عن المحاكم الابتدائية ما يمثل 80 في المائة، و23 حكما وقرارا صادرا عن محاكم الاستئناف، والتي أبرزت تبني القضاة في أحكامهم وقراراتهم للموافقة على طلب تزويج الطفلة، تسع مبررات.ففيما يتعلق بالمبرر الأول لتزويج الطفلة يرتبط بمبرر مراعاة للتقاليد والأعراف، حيث كشفت الدراسة أنه في كثير من طلبات تزويج الطفلات يستند فيها أصحابها على الأعراف والتقاليد بالمنطقة والتي تقتضي تزويج الفتيات في سن مبكر تحصينا لهم، أو خوفا من فقدان فرصة الزواج.وفي هذا الصدد، تم رصد اعتماد بعض المقررات القضائية على الأعراف والتقاليد لإصدار هذه الأذون، وأن هذا الأمر سجل بشكل خاص خلال الفترة الزمنية الأولى لإصدار مدونة الأسرة، وكذلك بالمناطق التي تعرف انتشارا للزواج المبكر، حيث يتم تعليل صدور الإذن بعبارات من قبيل "وحيث أن العرف في مثل هذه المناطق يعزز زواج البنت بمجرد بلوغها مثل هذا السن".فيما بالنسبة للمبرر الثاني المتعلق بتزويج الطفلة التي تعاني من اليتم أو غياب الأب، وقفت الدراسة على أن بعض الطلبات المقدمة إلى أقسام قضاء الأسرة تستند على الظروف الاجتماعية للطفلة التي ترغب أسرتها في تزويجها، كالحالة التي تعاني فيها من اليتم، أو وفاة أحد الوالدين، مشيرة إلى أن المحاكم غالبا ما تستجيب لهذه الطلبات متى كان سن الطفلة قريبا من سن الرشد القانوني، وتوفرت باقي الشروط الأخرى، في المقابل يلاحظ أن القضاء يرفض منح الإذن بتزويج الطفلة في الحالة التي يغيب فيها الأب دون أن تنتقل النيابة القانونية للأم بشكل قانوني.والمبرر الثالث الذي يعتمده القاضي والمتعلق بتزويج الطفلة بسبب القرابة، تسجل الدراسة أن بعض الطلبات المقدمة إلى المحاكم تستند على وجود مصلحة للطفلة أو الطفل بتزويجهما من أحد الأقارب، وغالبا ما يتم الاستجابة إلى هذه الطلبات من خلال اعتماد حيثيات من قبيل: "وحيث أن الخاطب ابن عمها، وكثير المخالطة بهم، وأن المخطوبة قادرة على الزواج والأمومة، وأن الخاطب كفء لها".وسجلت الدراسة اعتماد القاضي على مبررات ترتبط بالظروف الاقتصادية للطفلة لتبرير الموافقة على تزويجها، وذلك لضمان مستوى عيش أفضل، حيث يفسر العمل القضائي أحيانا شرط مصلحة الطفلة من ناحية مادية ويعتبر أن تزويج الطفلة من شأنه ضمان عيش أفضل لها، خاصة حينما تكون منحدرة من أوساط هشة وفقيرة، ويكون الخاطب ميسور الحال.كما يبرر القاضي موافقته على تزويج الطفلة بسبب عدم التمدرس أو التسرب المدرسي، حيث يلاحظ من خلال عدة نماذج لمقررات قضائية وجود توجه عام يرمي إلى رفض طلبات تزويج الطفلات، إذا كانوا يتابعن دراستهن، وأفادت الدراسة أن هذا التوجه أدى ببعض أولياء أمور الفتيات إلى إرغامهن على الانقطاع عن الدراسة، وأصبحت شهادة الانقطاع عن الدراسة وثيقة من بين الوثائق التي يدلى بها في ملف طلب تزويج القاصر.ولاحظت الدراسة اعتماد القضاء على مبرر بلوغ سن الزواج الواقعي وليس القانوني لتزويج الطفلة، حيث يعتبر معيار السن من المعايير التي يعتمدها القضاء في دراسة طلبات تزويج الطفلات، ورغم أن مدونة الأسرة لم تحدد سنا أدنى للزواج، إلا أن الممارسة القضائية في غالبية أقسام قضاء الأسرة اهتدت إلى تحديد السن الأدنى للزواج ما بين 16 و17 سنة، مع إمكانية تزويج الطفلة لكونها أصبحت ناضجة وتتحمل أعباء الزواج.وسجلت الدراسة اعتماد مبرر النضج وتحمل الأعباء العائلية من وجهة نظر الآباء كمبرر لإصدار قرار بتزويج الطفلة، وأشارت الدراسة أن عددا من الطلبات يستند فيها الآباء على مبرر نضج الفتاة، ويلاحظ أن هذا المبرر يختلف عن مبرر السن، كأن يكون سن الطفلة أقل من 16 سنة، ويدعي أولياء أمورها بأنها ناضجة بشكل أكبر من السن المدون في سجلات الحالة المدنية، ويستند أصحاب هذا المبرر في كثير من الأحيان على تصورات ثقافية تجعل من معيار النضج معيارا متميزا عن معيار السن.وحددت الدراسة المبرر الثامن في تزويج الطفلة خوفا عليها من الوقوع في علاقة جنسية خارج إطار مؤسسة الزواج، حيث يلاحظ أن عددا من الطلبات المقدمة إلى المحاكم للحصول على إذن بتزويج الطفلات تعتمد على مبررات من قبيل الخوف عليهن من العنت أو الوقوع في المعصية أو الفساد، وأشارت الدراسة أن عددا من المقررات القضائية التي تستجيب للطلب تعتمد على نفس هذا المبرر، حيث يتم تبرير شرط المصلحة في الخوف من دخول الطفلة في علاقة جنسية خارج إطار مؤسسة الزواج. فيما وقفت الدراسة على مبرر تاسع يتمثل في الموافقة على طلب تزويج الطفلة المغتصبة من مغتصبها، حيث وقفت على نماذج من طلبات تزويج الطفلات التي يكن ضحايا اغتصاب أو تغرير أو علاقة جنسية خارج إطار مؤسسة الزواج أو حمل غير مرغوب فيه، والملاحظ أن غالبية هذه الطلبات تكون مغلفة بدواعي أخرى غير حقيقية، كرغبة الأسرة في إحصانها ولا يتم الإشارة إلى المقال الافتتاحي لكون الطفلة ضحية اعتداء جنسي.وأشارت الدراسة أن هذا المعطى غالبا ما يتم الكشف عنه عند جلسة البحت الاجتماعي، حيث تصرح به الطفلة طواعية عند الاستماع إليها على انفراد، أو يصرح بذلك أحد والديها، للضغط «معنويا» على المحكمة لمنح الإذن بتزويج الطفلة".