أصدر الباحث المغربي الدكتور خالد اليملاحي، كتابا نقديا يحمل عنوان «واقع وأحاسيس: دراسة لعلاقة الأحاسيس بالواقع من خلال قراءة لثلاثة أعمال أدبية»، عن دار النشر إيديليف، خلال السنة الجارية. نشأت فكرة هذا الكتاب -حسب الكاتب- من الحاجة إلى التعريف بدور الأحاسيس في إدراك الواقع وحقيقته. ولعل العمل الأدبي بشكل عام والإبداعي على وجه الخصوص يتيح فرصة ملائمة لمساءلة هذا الدور وتحديد الخصائص والقيود التي تحيط به. كيف لا والعمل الإبداعي يشكل قبل كل شيء ترجمة أدبية لواقع معيش ومحسوس، تختلط فيه الشكوك بالحقائق، وتمتزج في كنفه اللحظات العابرة بالبعد الأبدي. إن اختيار ثلاثة أعمال أدبية من حقب تاريخية مختلفة من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين، وأجناس أدبية متنوعة (شعر، قصة قصيرة ورواية) يمكن من تأسيس مقاربة شاملة لدور الأحاسيس في إدراك الواقع وبناء العمل الأدبي. هل الأحاسيس (أو التجارب الحسية) أدوات أساسية لمعرفة الذات والآخر أم هي وسائل غير مجدية خاضعة لمثبطات (أو عراقيل) خارجية؟ هل تؤدي الأحاسيس بصاحبها إلى فضاءات الواقع الواحد والحقيقة الشاملة أم أنها تظل مجرد مكونات نظام لا مادي واهم؟ بعيدا عن كل التساؤلات التي قد تثيرها أو تحيل إليها الأحاسيس فإن لها مكانة مركزية وحيوية في دينامية فعل الكتابة والإبداع. يرمي هذا الكتاب إذن إلى إبراز هذه المكانة وإيضاح العوامل والدوافع التي تساهم في تطويرها وترسيخها كحقيقة أولية لا تقبل الجدل ينطلق الكتاب من بعض الأفكار المقتطفة من مقال لرولان بارت، يهتم فيه بما يسمى «أثر الواقع» مبرزا العلاقة الوثيقة التي تجمع الواقع بالنص الأدبي. ترتكز هذه الدراسة على مقاطع مختارة من الأعمال الأدبية الثلاثة، وتنبني مقاربة الكتاب حول ثلاث محاور رئيسية تتجلى في الفصول التالية: يتطرق الفصل الأول إلى دور التجارب الحسية من خلال ثلاث مقاربات: الأحاسيس كوسيلة لإدراك حقيقة العالم الخارجي، الأحاسيس كوسيلة لإدراك الحقيقة الذاتية، الأحاسيس كمولد للمتعة. ويتناول الفصل الثاني المعوقات التي تحول دون قيام هذا الدور وتطوره: عالم الأحاسيس كعالم لا مادي مجرد، علاقة الأحاسيس بالعنصر اللغوي، علاقة الأحاسيس بالعنصر الزمني. أما الفصل الثالث فيعرض آليات التواصل الحسي وعلاقتها بالإبداع الأدبي عبر محورين : ظواهر اقتران وتجانس الأحاسيس، دور الأحاسيس في بناء المشروع الأدبي. وعلى الرغم من اختلاف المصادر وتنوع المقاربات بين بودلير، بروست وكاالفينو، تبقى الأعمال الأدبية الثلاثة فضاء يؤكد على دور الأحاسيس في إدراك الواقع الذاتي، وبناء العمل الأدبي على أساس التجربة الحسية. من هنا، يتبين أن دور الحواس والأحاسيس يبقى مرتبطا بنوعية الواقع المحسوس وهواجس الإبداع الأدبي.