على بعد يوم واحد من انعقاد المؤتمر الوطني الحادي عشر لحزب التقدم والاشتراكية والذي يرتقب أن تفتح أشغاله يوم غد الجمعة، وفي إطار التغطية التي تواكب بها "بيان اليوم" عملية التحضير لهذه المحطة الوطنية الهامة في مسار حزب "الكتاب"، حاورت الجريدة عبد الأحد الفاسي عضو المكتب السياسي للحزب للحديث عن السياقات الأساسية التي ينعقد فيها المؤتمر الوطني للحزب وكذا الرهانات المنتظرة منه. كما يتحدث عبد الأحد الفاسي في هذا الحوار عن أهم التصورات والخطوط العريضة التي جاء بها مشروع الوثيقة السياسية التي سيجري عرضها أمام أنظار المؤتمر الوطني الحادي عشر ورؤية الحزب وتصوره لعدد من القضايا الأساسية.. فيما يلي نص الحوار: بداية، ما هو السياق الذي ينعقد فيه المؤتمر الوطني الحادي عشر، وما هي الرهانات التي جاءت بها الوثيقة السياسية للمؤتمر؟ ينعقد مؤتمر حزب التقدم والاشتراكية في ظرفية تعرف أزمات متنوعة، والوضع المتأزم من الضروري استحضاره لأنه ليس مسألة عابرة، بل يمكن القول إننا دخلنا في عهد من الأزمات، الأزمة الصحية، الأزمات الاجتماعية، الأزمات المناخية، الجفاف..، أيضا الأزمات العسكرية وما خلفته على المستوى العالمي من ارتفاع للأسعار وعلى رأسها المحروقات..، وهذه أمور كلها تجعل من الظرفية صعبة، وطبعا هذا كله من الضروري استحضاره. والفكرة الأساسية هنا، والتي ركزنا عليها في الوثيقة السياسية للمؤتمر الوطني الحادي عشر هي أن هذه الأزمات لا يجب أن تكون تبريرا لنوع من الجمود، وتبريرا لتأجيل مجموعة من الإصلاحات الجوهرية والأساسية. فالوضع الصعب لا يعني التملص من المسؤولية وغض الطرف. ففي المقاربة الحكومية يظهر بالفعل أن هناك مجموعة من الأزمات التي يجب أن نواجهها بشكل مستعجل، وبالفعل هي تحتاج لمعالجة لكن بالموازاة مع ذلك لا ينبغي أن نؤجل بعض الإصلاحات الأساسية التي تدخل ضمن الإصلاحات الهيكلية على الصعيد الاجتماعي، الاقتصادي، إذ من الواجب أن نكون قادرين على مواجهة مختلف التقلبات مع الحفاظ على المسار الإصلاحي. الوثيقة السياسية التي وضعنا تؤكد على هذا الطرح وخصوصا مسألة الإصلاحات الهيكلية كما هو الأمر بالنسبة للحماية الاجتماعية والتي هي مسألة أساسية ومن الضروري توفير الوسائل وجميع الشروط من أجل إنجاح هذا الورش، وأيضا هناك ضرورة إصلاح التعليم، الصحة وغير ذلك من الإصلاحات الأساسية التي لا يمكن أن تنتظر. صحيح أن هناك أزمة لكن من الضروري أن لا يتوقف هذا المد الإصلاحي سواء في الاقتصاد، أو على المستوى الديمقراطي كذلك، والذي يحتاج أيضا إلى مواصلة مسار الإصلاح من خلال توسيع الحريات، إعادة الاعتبار للسياسة قضية المساواة، وهذه أمور لابد أن يدخل المغرب فيها بعزم وبإرادة قوية، وكل هذا الذي ذكرت شكل لنا الروح العامة للوثيقة السياسية للمؤتمر الوطني لحزبنا الذي سينعقد بدءا من يوم غد الجمعة. الوثيقة السياسية جاءت بأفكار وتصورات كبرى، ماهي أهم الرهانات والأفكار التي اشتغلتم عليها في هذا الصدد؟ من الأفكار الأساسية التي جاءت بها الوثيقة السياسية هي الربط بين الديمقراطية وتدبير التنمية، وهذا ليس فقط مسألة قناعة أو مسألة حقوقية، بل إن نجاعة السياسات العمومية تقتضي تقوية هذه الممارسة الديمقراطية، فعلى سبيل المثال المغرب له عدد من الاستراتيجيات القطاعية في مجالات مختلف (الصحة، التعليم، السياحة، الصناعة…)، فقيمة هذه الاستراتيجيات تكمن في القدرة على تعبئة جميع الفاعلين نحو الأهداف المتوافق بشأنها، فالإستراتيجية ليست مجرد وثيقة يتم إنتاجها بل إن مسار وضعها يجب أن ينبني على التشاور وأن يكون قائما على الإشراك، وهذا هو تعزيز الديمقراطية، سواء الديمقراطية التمثيلية أو الديمقراطية المشاركاتية. إلى جانب ذلك، أيضا، لا يمكن تصور أن يكون هناك انخراط شعبي نحو بعض الأهداف المسطرة بدون أن تكون هناك ممارسة للحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور. وهنا أتذكر أنه في لقاءاتنا مع لجنة إعداد النموذج التنموي الجديد كنا دائما نؤكد على ذلك، وفي الحقيقة نوهنا بهذه الدينامية، إذ اعتبرنا أنه من الإيجابي اعتماد المقاربة التي اشتغلت بها اللجنة المذكورة، من الجيد أن يتم عقد لقاءات مع قوى سياسية مختلفة وأن يتم التشاور مع مختلف الفاعلين. وهنا لا بد من التأكيد على أن دور التكنوقراطية لا يجب أن يلغي الحياة الديمقراطية المبنية على التنافس بين البرامج وبين القوى السياسية المختلفة، وهذا كذلك يفرض إعادة الاعتبار للعمل السياسي، ويعيد له المعنى النبيل، وعموما هذا تصورنا وهو أن الفكرة الديمقراطية لا يجب أن يتم المساس بها. بالإضافة إلى ذلك، التكنوقراطية دائما ما تسقط في برغماتية مفرطة تودي بها في نهاية المطاف إلى ليبرالية متوحشة، فالفكرة كما ذكرت عموما هي أن مسألة السياسة مسألة أساسية، ويجب أن تكون مبنية على ممارسة ديمقراطية واسعة، تراعي المصالح الوطنية وتحقق النجاعة المطلوبة. وبالنسبة للربط بين الديمقراطية والتنمية فهي تبقى كما ذكرت مسألة أساسية وجوهرية وسيكون من الوهم القول بأننا سنحقق نجاحا وتقدما في مختلف القطاعات ونحقق نهضة اقتصادية وتطور صناعي، والوصول إلى ما يسمى بالحداثة الاقتصادية بدون تقوية السياسة والفضاء الديمقراطي. خلصتم من خلال الوثيقة السياسة إلى القول بفشل النموذج الاقتصادي الرأسمالي، في ظل الظروف الحالية هل يمكن الحديث عن بديل لهذا النموذج؟ نحن في الوثيقة السياسية أكدنا على هويتنا الاشتراكية، وعلى عكس أحزاب أخرى حزبنا يتميز بكونه أنشأ من أجل رسالة، وهي تحقيق تغيير المجتمع وتحقيق التحول الاجتماعي، طبعا البديل الموجود هو الاشتراكية، ولكن لا بد أن نقر اليوم بأن هناك صعوبة تعتري التعريف بماهية الاشتراكية، وفي هذا الصدد، أنا أشبه هذه المسألة أي الاشتراكية بقمة جبل يغطيها الضباب، فالذي ينظر من بعيد لا يرى شيئا لكن كلما اقترب أكثر وصعد الجبل بدأ الضباب ينجلي وبدأت القمة في الظهور بوضوح تام. وهذه هي الاشتراكية فكلما سنتقدم في خطوات معينة ستبدأ الأفكار في الاتضاح للجميع وستفهم مجموعة من الأمور، وعموما نحن لا نقول اليوم إنه يجب اعتماد الاشتراكية وإنما الأساسي الآن هو أخذ الطريق والمسار الصحيح، فكلما تقدمنا نحو العدالة الاجتماعية، نحو المساواة، نحو الرقي والتقدم الاقتصادي للبلاد، نحو توسيع الديمقراطية ومجال الحريات، كلما كان هذا هو طريق الإصلاح الصحيح. أيضا نحن نقول إنه لا يمكن أن نتقدم ما لم يكن لدينا دولة تلعب دورها كاملا، بطبيعة الحال من ناحية التخطيط والتوجه العام للبلاد، من ناحية التقدم نحو العدالة الاجتماعية والمجالية، لكن كذلك نعتبر أن الدولة يجب أن تلعب دورها على مستوى الاقتصاد وأن تلعب دورا محوريا من خلال قطاع عام قوي ومن خلال تمكين المغاربة من ولوج لخدمات اجتماعية أساسية، الصحة، التعليم، المستشفى والمدرسة العمومية، التحكم في بعض القطاعات الأساسية للحفاظ على السيادة الوطنية من الناحية الاقتصادية، الصحية، الصناعية، من الناحية الطاقية إلى غير ذلك. وهذا يجعلنا نؤكد كثيرا على دور الدولة، وأهمية القطاع العام الذي يجب أيضا تقويته بشكل معقلن، وأن يكون مسيرا بشكل ديمقراطي وشفاف، وإلى جانب ذلك، نعتبر أيضا أنه من الضروري من وجود قطاع خاص مسؤول ومنتج، يحترم مسؤولياته الاجتماعية والإيكولوجية، وهنا لا بد من التأكيد أيضا على دور الدولة في تشجيع ودعم المقاولة الوطنية التي تتعرض في بعض الأحيان لتنافس غير متكافئ بالنظر لبعض الاتفاقيات المتعلقة بالتبادل الحر وغير ذلك. وكيف بنظركم يمكن أخذ هذا الطريق الصحيح في الإصلاح وتغيير هذا النموذج الرأسمالي وما الدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة في هذا الصدد؟ نحن لا نعاني اليوم بشكل مباشر من الرأسمالية المبنية على الروح المقاولاتية، بل نحن اليوم نعاني من أشكال الريع والمنافسة غير المتكافئة وغير الشريفة، واليوم مطروح علينا أن نبني اقتصاد شفاف فيه منافسة شريفة ودور قطاع عام أساسي وتعزيز المقاولة الوطنية والمواطنة، وهذا يفرض أمرا أكدنا عليه كثيرا في الوثيقة السياسية وهو يكفي أن نطبق الدستور ومقتضياته، فالدستور نص على عدد من هيئات الحكامة التي يجب أن تحرص على مراقبة المنافسة والممارسات التي تتم على هذا الصدد، وهناك اجتهادات لكن يجب تقوية وسائل عمل هذه الهيئات من أجل ضمان استقلاليتها، ثم هناك ضرورة بأن تكون قرارات مختلف هذه الهيئات ملزمة، فمختلف التوصيات الصادرة عن هذه الهيئات (مجلس المنافسة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وغيرها من الهيئات) هي غير ملزمة ولا يتم تنفيذها، بل أكثر من هذا بعض المرات يتم تجاهل بعض التوصيات وبعض الدراسات التي تقوم بها هذه الهيئات دونما أي اعتبار لذلك، كما جرى مع التقرير الذي صدر حول المنافسة في سوق المحروقات والذي كشف عن مجموعة من الأمور، لكن مع ذلك ارتفعت الأسعار مجددا وتم تجاهل التقرير الصادر في هذا الشأن. في كل مرحلة كنا نقول إن هذا ليس هو الوقت المناسب للبناء الاشتراكي، وهذا ليس تهربا من الاشتراكية، بل إن الأمر يتعلق بالواقعية وبإعطاء الاشتراكية معناها الحقيقي، فالاشتراكية لا تعني التوزيع العادل للفقر، بل يجب أن نطور البلاد أولا، وهذا التطوير يمر عبر مراحل، وفي المرحلة الراهنة بنقاش ما يسمى باقتصاد السوق لكن من الضروري أن يحترم القوانين وقوانين المنافسة الشريفة. وكيف بنظركم يمكن بلورة هذه التصورات على أرض الواقع؟ هذه الوثيقة السياسية ليست برنامجا، ولم تتضمن إجراءات دقيقة أو إجراءات معينة، إنما الأمر يتعلق بتصورات كبرى، خصوصا وأن لدينا وثائق أخرى تتضمن هذه الإجراءات والقرارات كما هو الأمر بالنسبة للبرنامج الانتخابي لسنة 2021، المذكرة الخاصة بالاقتراحات التي تقدمنا بها في النموذج التنموي، ومقترحات أخرى تقدمنا بها للخروج من أزمة كوفيد.. الوثيقة السياسية للمؤتمر هي توجه عام والذي سيؤطر عملنا ونضالنا خلال الأربع سنوات المقبلة، وتتضمن التصورات التي نقترحها من أجل نهضة بلادنا وتحقيق التنمية المنشودة بالاعتماد على ما هو وطني وحماية السيادة الوطنية، طبعا هذا لا يعني الانغلاق بل ضروري من الانفتاح لكن إعطاء الأولوية لما هو وطني. أولا وقبل كل شيء نحتاج إلى سيادة وطنية على المستوى الصناعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحاجيات الوطنية، ولدينا اقتراحات فيما يتعلق بالفلاحة بحيث تحتاج إلى مراجعة عميقة من أجل أن تكون قادرة على تحقيق حاجيات شعبنا، وهنا على سبيل المثال أُذّكر بما كان يُقال لنا بشأن الإنتاج الوطني من الحبوب وبأنه لا يوجد أي مشكل على مستوى توفير الحاجيات الأساسية وطنيا ما دامت هناك إمكانات ووفرة في السوق الدولية، لكننا اليوم وفي المرحلة الحالية أمام تحول كبير بسبب الأزمة الروسية – الأوكرانية والمشكل المترتب عن ذلك بسبب النقص الحاصل على مستوى الحبوب، وبالتالي فنحن اليوم لا نستطيع توفير الحاجيات الأساسية لشعبنا من الحبوب خصوصا في حالة استمرار هذه الأزمة، وهنا نستخلص أنه لا بد من توفير الحاجيات الأساسية وطنيا وعدم المراهنة بشكل كلي على الاستيراد، أيضا إلى جانب ذلك، مسألة الماء، التي يجب أن تتم مراجعتها وأخذها بعين الاعتبار وتطوير الإنتاج وعدم الاعتماد على الوسائل التقليدية، ويجب مراجعة الممارسات الفلاحية التي تضر اليوم بالموارد المائية، والتي قدمنا بشأنها تصورات واضحة. كانت لنا أيضا تصورات تهم ما هو إيكولوجي، والذي كنا قد دعينا في المؤتمر الوطني السابق إلى ضرورة تقوية البعد الإيكولوجي في السياسات العمومية، ومراعاة الموارد الطبيعية. وفي الوثيقة الحالية نطرح فكرة أبعد وهي أن الإيكولوجية ينبغي اعتبارها مدخلا للتغير والتحول المجتمعي الذي نطمح إليه من خلال تغيير طرق وعادات الاستهلاك والإنتاج، واحترام الطبيعة والبحث عن التناغم بين البيئة وما يتم إنتاجه والحفاظ على توازن البيئة وتثمين الثروات. فمسألة الإيكولوجية أصبحت عنصرا أساسيا ضمن هويتنا وأعطيناها أهمية كبيرة. تتحجج الحكومة اليوم بمجموعة الأزمات التي تجعلها تتخذ إجراءات تقشفية، كيف تنظرون لهذا الأمر، وما هو التصور الذي طرحتموه على مستوى الوثيقة السياسية في هذا الشأن؟ نحن في الحزب نرى أنه ليس هناك أي تناقض بين معالجة التوازنات الاقتصادية والمالية والقضية الاجتماعية. إذ كثيرا ما تتم هذه المعالجة عبر سياسة التقشف، وهذا أمر خاطئ، لا يمكن معالجة التوازنات المالية عبر التضريب على الاستهلاك الشعبي أو ضرب القدرة الشرائية أو على حساب القطاعات الاجتماعية كالتعليم والصحة. فنحن نرفض هذه السياسات التقشفية، ونرى أن الحل يكمن في إصلاح جبائي عميق، وطرحنا فكرة -وهي فكرة يتفق بشأنها جل الاقتصاديين- وهي أنه كلما كان النظام الجبائي عادل كلما كانت المردودية المالية أكبر، فإذا كنا نطمح للرفع من الموارد المالية للدولة يجب علينا إصلاح النظام الجبائي بشكل عميق. وهنا أستحضر عدد من الدراسات التي كنا قد اعتمدنا عليها في البرنامج الانتخابي للحزب السنة الماضية، والتي انطلاقا منها وجدنا أنه يمكن تعبئة الموارد الضريبية في حدود 300 مليار درهم، في حين أنه الآن يتم تعبئة بين 150 و155 مليار درهم أي أقل من النصف الذي يمكن الوصول إليه -طبعا مع مراعاة الظرفية الاقتصادية التي مرت بالموازاة مع الأزمة الصحية وانتشار الكوفيد لكن المشكل يبقى هو عدم وجود نظام جبائي عادل حيث تطغى عليه عدد من الممارسات من قبيل التملص والتلاعب وغير ذلك. وعموما نرى أنه عوض اللجوء إلى التقشف وضرب القطاعات الاجتماعية والقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين هناك إمكانية كبيرة لمعالجة هذه التوازنات المالية والاقتصادية بنظام جبائي عادل وشفاف يمكن من در موارد مالية على خزينة الدولة تصل إلى 300 مليار سنتيم وبالتالي معالجة كثير من الاختلالات. إلى جانب ذلك، طرحتم مجموعة من التصورات الأخرى التي تهم مجالات مختلفة، ما هي أهم المجالات التي يعطي بشأنها الحزب رؤية للإصلاح؟ بالإضافة إلى ما سبق طبعا، هناك المسألة الثقافية التي هي حاضرة كذلك في الوثيقة السياسية، والتي نعتبرها من الإصلاحات الهيكلية التي يجب الاشتغال عليها على المدى البعيد، فالسياسة الثقافية هي الحفاظ على الموروث الثقافي وتشجيع هذا الموروث وتشجيع الإبداع والمبدعين والاحترام التام لحرية التعبير وحرية الإبداع، وتشجيع مختلف الفئات وخصوصا الشباب على الممارسات الثقافية بمختلف أشكالها. وهذا كله يجب أن يتم من خلال سياسة توفر جميع الشروط، لكن المسألة التي نعتبرها أساسية أكثر هي ليست مسؤولية الدولة فقط وإنما دور المثقفين، والذي ركزنا عليه في الوثيقة السياسية، حيث أكدنا على ضرورة إعادة الاعتبار للمثقف وأوضاعه وتشجيعه على الإنتاج واحترام حرية التفكير وحرية الإبداع ومن جهة أخرى، هناك ضرورة لإعطاء دفعة للمجال الثقافي لأن هناك نوع من الخمول ولم يعد هناك ذلك الإنتاج الكبير للأفكار والمناقشة الفكرية، الأمر الذي أدى إلى نوع من التكاثر لعدد من الأفكار والممارسات البعيدة كل البعد عن الفكر العقلاني والمقاربة العقلانية وتنامي التفاهة، وهذا أكدنا عليه كثيرا من أجل ضرورة تجاوزه وإعادة الحيوية للجسم الثقافي. ومؤخرا كنت في الجمع العام لقطاع أساتذة التعليم العالي التابع للحزب وطرحنا هذه المسألة ولمسنا خطورتها، وأكدنا على ضرورة التدخل من خلال سياسة ثقافية ناجعة وهذا يحتاج إلى تضافر جهود الجميع، الدولة والأحزاب والمثقفين، والمبدعين، وكذلك اليوم ما يتعلق بعدد من الأفكار اليسارية التي يجب أن تعود للواجهة، فاليسار طالما كان مؤثرا في الفضاء السياسي والفضاء العام، وعدد من المصطلحات والشعارات التي يتم العمل بها من قبيل العدالة الاجتماعية والعدالة المجالية، المساواة وغير ذلك، هي عموما أفكار يسارية ويجب أن يتم الحفاظ على هذه الصبغة وأن يستمر اليسار في التأثير إيجابا في هذا الصدد. هنا تطرح مسألة اساسية وهي مسألة الايدولوجيا، كيف تنظرون لهذا الأمر في الوثيقة السياسية للمؤتمر الوطني الحادي عشر؟ صحيح مسألة الإيدولجيا هي مسألة مطروحة بقوة، ويمكن القول أننا أهملناها في فترات معينة لصالح أفكار أخرى مرتبطة بالإصلاح والتدبير والاستقرار، وبالتالي لا بد اليوم من العودة إلى مسألة الإديولوجية، لكون أن الصراع الاديولوجي لا يمكن أن يعرف هدنة، وبالتالي ضرورة عودة تبني الإديولوجية والدفاع عنها وإعطاءها أهمية أكبر. واسترجاع القوة على خوض المعركة الإيديولوجية. وهناك من يرى هذه المسألة بشكل كلاسيكي وأنه لا يجب الدخول في نقاشات وصراعات فكرية، بعيدة عن الواقع، وبعيدة عن مشاكل الحياة، وهذا خطأ، فبالنسبة لحزبنا مسألة الإيديولجيا مسألة أساسية وهي مسألة إبراز الثوابت والمبادئ، وأكثر من هذا بمكن القول إن الحفاظ على مسألة الإيديولجيا هي سر وحدة الحزب. فعندما نتشبث بنفس القيم والتصورات يمكن تجاوز الاختلافات بسهولة، وهذا ما مكننا في الحزب وعندما كنا في الحكومة من تجاوز الكثير من الأمور. وبالرغم من الإكراهات المرتبطة بالتحالفات وبالتدبير والتواجد في حكومة بأحزاب ومرجعيات مختلفة، لم ننحرف نحو برغماتية مفرطة، بل كنا نعبر عن مبادئنا وأفكارنا ونعمل على التأثير في عدد من الأمور في إطار موازين القوى تماشيا والتصورات والمبادئ التي يدافع عنها حزبنا، واستطعنا النجاح في ذلك. واليوم أيضا في المعارضة هذا الثبات على المبادئ والحفاظ على إديولوجية الحزب ممكننا من عدم الوقوع في عدد من المزايدات، وفي نوع من الدغمائية والشعبوية، فالإديولوجية هي التي تجعلنا نتجنب الوقوع في أي انحراف على مستوى عملنا وتجنب أي دغمائية وجمود عقائدي، كما يطرحها الواقع الملموس. حاوره: محمد حجيوي – محمد توفيق أمزيان