فرجة ملحمية تلك التي قامت بتقديمها الفرقة الشعبية الغنائية تكدة، إلى جانب مجموعة من الفرق الفنية، فضلا عن العديد من الممثلين، في إطار الدورة الخامسة لرمضانيات البيضاء الثقافية، التي تسهر على تنظيمها مقاطعة سيدي مومن بتعاون مع الائتلاف المغربي للثقافة والفنون. حملت هذه الفرجة الملحمية عنوان «قولوا تبارك الله»، وقد قام بكتابة فصولها وإخراجها عمر الدخوش وأحمد الروداني،وساهم فيها بالإضافة إلى فرقة تكدة، كل من فرقة بنان للرقص وفرقة أموغار الشعبية، وعناصر المشتل الفني لتكدة، ومجموعة من الممثلين البارزين: فاطمة الناجي وسناء كدار وسعاد الوزاني ومحمد لقلع وغيرهم. جرى تقديم هذا العرض في عدة فصول تتفاوت من حيث الطول، يطغى على جلها الطابع الاحتفالي، حيث المزج بين الغناء والحكي والرقص والتحاور، مع إيلاء الاهتمام للباس والتأثيث المنزلي، لإبراز التنوع الثقافي الذي يميز الحضارة المغربية، دون إغفال اللكنة واللهجات، على اعتبار انفتاح هذا العرض على مختلف جهات بلدنا الحبيب، للتعبير عن التلاحم القائم بين مختلف فئات مجتمعنا، هذا التلاحم الذي يستعصي على كل محاولة مبيتة لتقويضه. وتناولت فصول العرض مجموعة من القضايا التي وسمت أبرز المحطات من تاريخ المغرب المعاصر، بدءا من فترة مقاومة المستعمر الفرنسي والاسباني، مرورا بعودة محمد الخامس من منفاه، والعمل على استكمال الوحدة الترابية، وبهذا الصدد تم الوقوف عند المسيرة الخضراء، وصولا إلى مرحلة الملك محمد السادس، هذه المرحلة المتسمة بتوسيع نطاق الحريات والانفتاح على الحداثة بمختلف تجلياتها. وإذا كانت الفصول الأولى من هذا العرض قد اتسمت بنوع من القصر والخفة، بالرغم من الأهمية القصوى للقضية التي تطرحها، كما هو الحال بالنسبة للكفاح ضد الاستعمار، فإن أحد فصول هذه الملحمة، أخذ حيزا أكبر، وبدا ممططا بشكل لا يحتمله الخط الدرامي للعرض، وبرر مؤلف «قولوا تبارك الله» أحمد الروداني في تصريح لبيان اليوم، أن هذا الفصل بالذات، تناول عدة قضايا وإشكاليات، على خلاف الفصول الأخرى التي تم من خلالها التركيز بإيجاز شديد على موضوع محدد،حيث جرى التطرق إلى ظروف خروج مدونة الأسرة إلى حيز الوجود والتأثيرات الإيجابية التي خلفتها على الحياة الأسروية وعلى المجتمع بشكل عام، وهاجس الهجرة نحو الخارج،مع أن خيار البقاء داخل الوطن هو الخيار الأفضل، بما يحفل به من خيرات، كما تطرق العرض إلى قضية المحتجزين بمخيمات العار بتندوف..وبالتالي كان من الطبيعي أن يحتل هذا الفصل موقعا خاصا ضمن العرض الاحتفالي ككل. وأشار الروداني كذلك إلى أن الخلاصة التي تود فرقة تكدة بلوغها من خلال هذا الانجاز الملحمي هو أن على كل فرد من أفراد مجتمعنا أن يحاسب نفسه، باعتباره جزءا لا يتجزأ من هذا المجتمع، وبالتالي عليه أن يجعل نفسه منطلق كل عملية إصلاح، كبر شأنها أم صغر. طفح العرض بألوان غنائية متعددة، تتغنى بالوطن وتبرز مظاهر الرخاء التي ينعم بها، وتقف عند مدى تشبث المغاربة بوطنيتهم و»افرحي يا أرض بلادي أرضك أصبحت حرة..». لعل من بين أقوى المشاهد الاحتفالية، ذلك المشهد الذي شارك فيه شابات وشبان برقصاتهم العصرية الرشيقة وبغنائهم الطروب، وكان محور هذا المشهد يدور حول حول الراية المغربية، وكانت الأصوات الشابة تردد: «المغاربة ناس العز والكرامة والنخوة والشهامة..». كما أن المشهد الذي تم فيه تشكيل نجمة بواسطة شريط أخضر من الثوب، للرمز إلى الراية المغربية، تجاوب معه الجمهور أيما تجاوب، حيث كانت تتردد لازمة: «بصفتنا مغاربة نبقاو مغاربة» ثم «وطني عيون وسدود وبيار، تراث أصيل وروح أمة لها تاريخ قديم وحضارة..». دون أن نغفل الإشارة إلى المشهد الذي تم من خلاله تجسيد المواطنين المغاربة وهم يكافحون المستعمر، وكذا تلك المشاهد التي تستحضر الخطب الملكية، المرتبطة ببعض المحطات الحاسمة في تاريخ المغرب. غير أن هذا العمل بالرغم من أهميته، وبالرغم من المجهود الذي بذل فيه على مستوى تجميع عدد كبير من الوجوه الفنية، وعلى مستوى إعداد قطع الديكور التي جرى تصميمها بمعامل مسرح محمد الخامس، بالرغم من ذلك فقد تخللته بعض الهفوات التقنية بصفة خاصة، منها عدم ضبط الصوت بشكل محكم، حيث كان ينقطع من وقت إلى آخر، مع العلم أن التشخيص جرى في الهواء الطلق، وتحديدا بحديقة جامعة الدول العربية، كما أن هناك جزئية بسيطة شوشت على العرض، تتمثل في ترصيع لباس إحدى الممثلات بأصداف لامعة، إلى حد يزعج النظر، وكان من الأفضل تفادي هذا النوع من اللباس، سيما وأنه لم يكن له أي تأثير على الخط الدرامي، كما أن الفصل ما قبل الأخير تحمل أكثر مما يحتمله، على اعتبار أنه تم حشوه بالعديد من المشاكل الاجتماعية، في الوقت الذي كان ينبغي الاقتصار على واحدة من هذه المشاكل، للحفاظ على التوازن بين مجمل الفصول من جهة، ولإبعاد الرتابة والملل عن المتفرجين من جهة أخرى. وعلى العموم؛ فقد أعادنا عرض «قولوا تبارك الله» إذن إلى الزمن الجميل للملاحم الغنائية، ومن المقرر أن تواصل فرقة تكدة تقديم هذا العرض بمجموعة من المدن المغربية.