يتيح حلول اليوم الوطني للمرأة المغربية (10 أكتوبر) فرص تجديد الكلام عن حقوق النساء المغربيات، والترافع من أجل المساواة وضد التمييز. المناسبة أعلاه تحيل على تاريخ إعلان جلالة الملك عن مدونة الأسرة في عام 2004، وقد مثلت حينها إصلاحا هاما ومركزيا، لكن منذ ذلك الوقت كشفت الممارسة الفعلية عن فراغات وتجليات نقص وقصور لا بد أن يجري اليوم تجاوزها، وتحقيق إصلاح جديد يتسم بالشجاعة والشمولية. بعد إصلاح 2004، شهد المغرب إصلاحا للدستور في 2011، وأحدثت تعديلات في بعض جوانب القانون الجنائي وقانون الشغل وقوانين الانتخابات، كما أن المجتمع المغربي عاش العديد من التحولات الجوهرية في الواقع والقيم والتمثلات، وانخرطت الدولة كذلك في عدد من الالتزامات والاتفاقيات الدولية، وكل هذا يفرض اليوم تطوير مقتضيات مدونة الأسرة وملاءمتها، وعدم تركها على حالها. لا يمكن اليوم أن نتطلع إلى إنجاح أي نموذج تنموي جديد من دون أن يكون مرتكزا على قواعد المساواة بين الجنسين ورفض التمييز وإشراك تام للنساء المغربيات في كل المجالات، ولا يمكن أيضا ترسيخ النفس الديمقراطي العام في المجتمع أو تحقيق الإصلاح الاقتصادي وإنجاز التنمية الشاملة بلا مشاركة فاعلة للمرأة المغربية... المساواة إذن هي مشروع مجتمع، وهي ضرورة لتقدم وتنمية البلاد. النساء المغربيات حاضرات اليوم في كل القطاعات والمهن ومجالات الحياة، وهن أيضا معيلات لأسرهن، ورغم ذلك يعانين بعد الطلاق مع حضانة الأطفال ورعاية شؤونهم، ويعانين مع تفسيرات وإجراءات (الولاية الشرعية) على الأبناء، كما أن منظومة المواريث المعمول بها تنكر عليهن كل ما حققنه من مكاسب وتفوق في العلوم والحياة والعطاء المهني والمجتمعي.... هذا الواقع يفرض اليوم نقاشا هادئا وعقلانيا، ولكن أيضا تفكيرا شجاعا من أجل جيل جديد من الإصلاحات للنهوض بأوضاع المغربيات. إن إصلاح قانون معين لوحده وترك نصوص أخرى عديدة متخلفة عنه لن يفيد في تغيير الواقع، كما أن الانغلاق ضمن تفسير فقهي عتيق ومتكلس بلا أي اجتهاد أو أي استحضار للسياقات التاريخية والمجتمعية لن يفيد أيضا، وهذا يتطلب اليوم إرادة سياسية فعلية وقوية، ومشرعين يتحلون بالجرأة ووضوح النظر. في عصرنا الحالي لم يعد مسموحا التساهل مثلا مع زواج القاصرات، وإنما المطلوب تجريم ذلك ومتابعة من يساهم فيه. وفي عصرنا الحالي كذلك صار من المطلوب إعلاء الكلام حول (التعصيب) وما يخلفه من تمييز ومآسي اجتماعية... أي، أن المطلوب اليوم هو الانطلاق من إرادة سياسية قوية، والوعي بضرورة الاجتهاد المنفتح والدفع نحو تقدم المجتمع وتغيير الواقع، ثم العمل على إصلاح شمولي ومتكامل لمدونة الأسرة، وأيضا لكل القوانين التي تتضمن التمييز وعدم المساواة، ومن ثم إعداد بيئة قانونية وطنية تنتصر للمساواة وحقوق النساء. ولن يتحقق هذا من دون شجاعة في تحديد الهدف والسعي إليه، ومن دون تأهيل الحقل الديني أيضا لينخرط بوعي وعقلانية في هذا الورش، وأيضا من دون بناء الإصلاح على الشمولية، وعلى مقاربة حقوقية واضحة، وعلى تغيير في المضامين وكذلك في الصياغات وفي المعجم... إن الواقع في مجتمعنا، علاوة على التحولات الجوهرية التي يحياها العالم من حولنا، يفرض اليوم خوض ورش إصلاح شجاع لقوانين المرأة والأسرة، والنجاح في ذلك. الحاجة إلى مغرب جدير بنسائه، مغرب ينتصر للمساواة ويرفض التمييز... محتات الرقاص