نفتقد بنيات للبحث والتفكير لإنتاج تراكم معرفي يطرح الدكتور محمد عبدالوهاب العلالي الأستاذ بشعبة السمعي البصري بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، في حواره مع بيان اليوم، وجهة نظر حول البرمجة الرمضانية بالتلفزة المغربية، ويشير إلى بعض أوجه الخلل البنيوية التي تسم إنتاجنا السمعي البصري، كما يقدم مقترحات للنهوض بهذا القطاع. * ما هي ملاحظاتك حول البرمجة الرمضانية بالتلفزة المغربية لهذه السنة؟ - ما يمكن أن نقدمه هو بعض الانطباعات العامة، مفادها وجود جوانب إيجابية وأخرى سلبية. فإذا ما نظرنا إلى حضور الإنتاجات الوطنية التي تستثمر لغات وتعابير وطنية ونظام إشاري وسينوغرافي مغربي، إضافة إلى تشغيل ممثلين ومبدعين مغاربة فهي مؤشرات تقدم بالمقارنة مع الماضي. وإذا نظرنا إلى استخدام تقنيات الإنتاج الدرامية ولغة الكتابة السمعية البصرية فالموضوعية تقتضي الإشادة بالتقدم الملموس الحاصل. لكن إذا ما وقفنا على مضامين ودلالات الخطابات المقدمة والمستويات الجمالية والإبداعية، فهناك تفاوت بين تجارب قليلة ناجحة ورزمة من الإنتاجات التي يبدو عليها التكلس وتعاني من الفقر الفكري والفني وغياب العمق في التناول. * عادة ما تخلف هذه البرمجة استياء لدى المشاهدين، أين يكمن الخلل؟ - حقيقة هناك إحساس عام بالاستياء يعبر عنه الجمهور كأفراد وجماعات أو كهيئات ومؤسسات المجتمع المدني. لكن هذا مظهر جزئي وخادع لجوهر الأمور. فنحن لا نعرف بالذات ما هي خيارات المشاهدين الدقيقة بسبب بقائنا في مجال الانطباعات. فغياب النقد التلفزيوني المبني على أسس ومعايير دقيقة، وكذا غياب البحث السوسيولوجي حول مضامين البرامج التلفزيونية وكذا استطلاعات الرأي حول البرامج المقدمة في رمضان عناصر تفقدنا رؤية موضوعية واضحة فالاعتماد على معطيات قياس المشاهدة غير كاف. قد تكون هناك منتجات جيدة لكنها لا تحظى بالعناية المطلوبة أمام النسبة المرتفعة للمواد ضعيفة المستوى، وهذا يحتم علينا الحذر في التحليل. ويمكننا القول إن أحد عناصر الخلل تكمن في أننا نفتقد بنيات للبحث والتفكير، تنتج لنا تراكما معرفيا حول هذا المجال الحيوي ونعمل وفق مبدإ التجربة والخطأ المكلف للمال وثقة ووفاء المشاهدين. لكن الإحساس العام بالإستياء يعبر عن حقيقة ضعف جزء كبير من هذه الإنتاجات، وعن أزمة واختلالات ما يجب تدقيقها ومعالجتها. فهناك تطلعات مشروعة للمشاهدين بالحق في الجودة العالية، في أن يكون إنتاجنا الوطني التلفزيوني في مستوى منافسة إنتاجات القنوات الأجنبية وهي تطلعات مشروعة معبر عنها من لدن الرأي العام ومسطرة في دفاتر تحملات القنوات التلفزية الوطنية. * هل تشكل البرامج الوطنية منافسة حقيقية للإنتاج الأجنبي؟ - لا يمكن أن ننطلق من أحكام مسبقة حول الإنتاج الدرامي الوطني ونصفه بالدونية وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمستقبل. فالمغاربة كغيرهم قادرون على العطاء والإبداع ولو في ظروف صعبة وغير متكافئة، من حيث البنيات والتحفيزات المادية والشروط المعنوية. لذلك، فمن المهم أن ندرك أن الإنتاج السمعي البصري في ظل نظام العولمة والانفتاح الشامل هو جزء من هويتنا وتراثنا الإبداعي وممارساتنا الفنية. وفي ظل ذلك عليه أن يتحول إلى صناعة ثقافية وفنية مدرة للفائض المادي والرمزي. كما أن حضورنا في هذا المجال ضمان لصورة المغرب ومكانة المغاربة الثقافية والحضارية في عالم اليوم بوسائل العصر أي الصورة، وهو ما يقتضي توفير كل الشروط التي من شأنها أن تؤهل عملنا في هذا المجال. أما عن منافسة الإنتاجات الأجنبية فذلك ليس أمرا مستحيلا. فالابتعاد عن الترفيهي المبتذل والمفتقد للحد الأدنى من القيم الجمالية وانتقاء أعمال تتسم بالعمق الفكري والمعايير المهنية والإبداعية المعبرة عن هوية سمعية بصرية مغربية عناصر من شأنها أن تسمو بنا إلى مراتب أعلى وتمكننا من الحضور على خشبة التنافسية مع الإنتاجات الأجنبية. * ما هي اقتراحاتك للنهوض بهذه البرمجة؟ - هناك بضعة أفكار تحتاج إلى تطوير ويجب أن نذهب إلى جوهر الأشياء؛ فنحن بحاجة إلى صياغة استراتيجية تكاملية متعددة المستويات على صعيد البنيات التحتية للإنتاج وتشجيع شركات ومؤسسات الإنتاج، وتطوير نظام شفاف للحكامة والتدبير داخل المؤسسات الإعلامية ومنظومة متفاعلة للتكوين في المجال الإعلامي والسمعي البصري والإشهار والفنون المسرحية وفنون الرقص والموسيقى، دون إغفال مجال البحث إضافة إلى سن شروط مشجعة لحقوق الفنانين والمبدعين، هذا على المدى الاستراتيجي. أما فيما يخص إجراءات آنية فأعتقد أن تكفل مجالس المؤسسات الإعلامية الوطنية بالقيام بواجبها بالنظر في تطلعات المغاربة في الجودة العالية واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك أمر حيوي. كما أن ترشيد عمل لجن القراءة والانتقاء للبرامج الدرامية في التلفزيون وإنجازها لمهامها بكل شفافية ومسؤولية أمر يفرض نفسه. وفي الأخير فإن تنظيم أيام دراسية ولقاءات ومهرجانات وطنية لكل الأجناس الدرامية الفرعية يساهم فيها مختلف الفاعلين والشركاء في المجال من شأنه تقديم فرص للتفكير وتوضيح مكامن الخلل والعمل على تجاوزها.