الحلقة 14 يعتبر إدمون دوتي (1867-1926) من أبرز الكتاب الأجانب الذين اشتغلوا بالتعريف بالمغرب في إطار مهام استطلاعية واستعمارية معلومة. أصدر إدمون دوتي كتابه «مراكش» في سنة 1905، فكان واسطة بين مؤلفاته السبعة,. وهو كتاب ذو ملمح رحلي، جاء يرسم مسار مؤلفه الذي قاده من الدارالبيضاء إلى أبواب مراكش، مروراً بالجديدة وآسفي ودكالة وبلاد الرحامنة وبلاد الشاوية. وقد جاء الكتاب في فصول ثلاثة واشتمل على مجموعة كبيرة من الصور التي يعود معظمها إلى المؤلف نفسه، وجاء حاملاً طابع أكاديمية الرسوم والآداب الجميلة. إنه كتاب يصور جانباً كبيراً من عادات وتقاليد المغاربة في ذلك الزمان وجانباً كبيراً من معاشهم، ويجعل حاجة كبيرة إلى ترجمته للقارئ المغربي المعاصر. كلما لوحظ في القبيلة أن شخصاً قد أصيب بالجذام، أو بمرض مشابه، إلا ويجبر على الذهاب للعيش في الحارة، فإذا امتنع عن الذهاب اشتُكي إلى القايد، فأكرهه عليه! المياه في دكالة لقد سبق لنا أن أشرنا في مناسبات عديدة إلى أن المياه في معظم مناطق دكالة توجد في مستوى شديد العمق؛ فنحن نصل إليه في العادة على عمق 20 إلى 30 متراً في المتوسط، وأكثر ما يكون على عمق بين 40 و50، بله 60 متراً. ومن اليسير قياس هذا العمق، فلا نحتاج فيه إلى مسبار، وإنما نتبينه بصورة تلقائية من على السبيل المهيأة بقرب البئر، وإليكم تفسير هذا الأمر. يقوم على جانبي المثابة عمودان من الإسمنت ثبتت فوقهما شجرة بشكل أفقي، وعليها يُزلق الحبل. وفي أحد طرفي هذا الحبل يشد إناء ليملأ بالماء، ويشد طرفه الآخر إلى بهيمة، فهي تجذب ذلك الحبل وتسير تبتعد عن البئر في تلك السبيل. فتكون المسافة التي تقطعها البهيمة هي عمق البئر. وهذا العمق الكبير الذي يوجد فيه الماء يجعل من العسير توريد البهائم، إلا أن تتوفر الضايات بكثرة في تلك الأنحاء. والماء الذي ينزل أثناء موسم الأمطار على هذه الأرض المنبسطة الخالية من التضاريس يتجمع في بعض المنخفضات الواسعة منها وغير العميقة، ويركد فيها مدة غير يسيرة من السنة. وقد رأينا أن بريف يرجع تشكل التيرس على وجه التحديد إلى الاتساع الذي صارت إليه هذه الضايات في وقت سابق. وتكون المياه في هذه الضايات صالحة للشرب في فصل الشتاء، ثم يصير ماؤها إلى تكدر بما تطؤها البهائم وتتبرز فيها، إلى أن تصير متعفنة نتنة في أوقات، ثم تتبخر فلا تعود ترى لها أثراً في فصل الصيف. وتتفرق هذه المياه في معظم أنحاء الهضبة الجنوبالأطلنتية، ونجد بعضها كذلك قرب الجبيلات. فالبحيرة التي في سفوح هذه الجبال لا تعدو أن تكون ضاية هائلة. والضايات يلجأ إليها الأهالي لغسل الملابس ويلجأون إليها في فترة الاجتزاز لغسل الأصواف. وإنه لمنظر عجيب نظل نلاقيه بطول الطريق؛ فالنساء منغمسات في الضايات حتى الركب، وهن منكبات على غسل الأصواف التي جزت للتو في تلك المياه الغامرة. فلاحة دكالة تعتبر أراضي دكالة مضرب المثل في الخصوبة، بحيث إنهم في شمال المغرب إذا أرادوا أن يصفوا تربة إحدى القبائل بالخصوبة قالوا إنها «دكالة الغرب». والدكالي فوق ذلك فلاح خبير، وهو عرف بقيمة أرضه، غير أنه لا يعول على خصوبتها ويعرف كيف يخدمها ليزيد إنتاجها. وتتمثل أهم زراعات دكالة في القمح والشعير والحمص والفول والعدس. وقد أصبحت تدخل فيها كذلك منذ بضع سنوات زراعة الكتان. وهم يقسمون الأراضي إلى أراض للقمح وأخرى أراض للشعير. فهم يزرعون في الأولى القمح، وتبعونه بالدرة أو بالبقول، التي هي زراعات ربيعية أو صيفية ليتيحوا للأرض أن تستريح لبعض الوقت بين الزراعتين. غير أن الكتان يزرع في شهر أكتوبر فيؤدي إلى إنهاك الأرض في من جميع الوجوه. وأما الأراضي الفقيرة، المسماة أراضي الشعير، فإن مدة الاستراحة فيها سنتان. فشعير يزرع، ثم تكون استراحة، وهكذا دواليك. وينبغي أن نضيف إلى الزراعات المذكورة شجر العنب، فهي زراعة تلائمها الظروف الطبيعية في دكالة، وتنتج عنباً أسود كبيراً، يعتبر من أهم مصادر التغذية في هذه المنطقة الفقيرة من الفاكهة. ثم إن الأهالي يعتنون كثيراً بأعنابهم، ويعرفون بالفوائد العظيمة التي تعود عليها من النكش المتقن الذي يكون في أوانه. تراهم يأخذون في ذلك بالمثل القائل : «الأحمق يسقي والعاقل ينقش»؟ أشجار التين لقد ألمحنا إلى قلة أشجار الفاكهة في دكالة. وهذا طابع سائد في سائر أنحاء هذه الهضبة، لا يستثن منه غير شجر العنب والتين والصبار. وأما أشجار التفاح وأشجار اللوز وأشجار الرمان وأشجار البرتقال فليس لها عندهم وجود. وكذلك تغيب لديهم أشجار الزيتون، إلا من بعض الأشجار المتفرقة العجفاء. والسبب في هذه الحالة يعود بطبيعة الحال إلى جفاف التربة التي يتعذر سقيها لبعد غور الفرشاة المائية. وتكاد أشجار التين تكون هي الأشجار الوحيدة التي تلطف من وحشة هذه الأمداء الشاسعة من أراضي دكالة، وتتيح للرحالة والمسافر أن يفيء إليها من قيظ الزوال. غير أنها لا تلبث أن تصير إلى نقص شديد على الطريق إلى مراكش، عدا أن ظلها الثقيل لا يجد فيه المسافر نداوة كثيرة. وجميع أولئك الذين جابوا هذه البلاد في الصيف يحتفظون بذكريات لوجبة الغذاء التي تناولوها تحت تلك الأوراق السميكة المتدلية حتى لتكاد تلامس الأرض، بحيث لا يمكن للواحد منهم أن يتفيأها إلا أن يكون جالساً أو مضطجعاً، ولا تترك منفذاً لهبة هواء من شأنها أن تلطف من ثقل الحر الذي يحدثه انعكاسه على التراب. الصبار غير أن القيلولة تحت ظلال أشجار التين أفضل بما لا يقاس من القيلولة التي يمكن أن يتخذها المرء تحت ظلال أشجار الصبار. غير أن هذه الأشجار القاسية لا تمنح من الظل بالضرورة إلا بتقتير شديد، والأشواك المتناثرة منها على الأرض تتكالب مع القشرة الشائكة التي تغلف ثمار الصبار وتطير أشواكها في كل الأنحاء فتتأكل الجلد ولا تترك سبيلاً للراحة ينعم بها المسافر الذي يحب أن يصيب قيلولة هانئة. ومع ذلك فإن أشجار الصبار تعتبر ذخيرة حقيقية عند الأهالي؛ فهي شديدة تحمل للجفاف، وتمثل أوراقها طعاماً غذاء جيداً للمواشي مزيلاً للعطش في فصل الصيف، ولثمارها إيثار خاص عند الأهالي. غير أن استهلاك هذه الفاكهة يتسبب للدكاليين في بعض المضار التي يعرف بها أهل الجزائر، والتي لا يسعني أن أطيل فيها الحديث. لكن يجدر بالقول مع ذلك الإفراط في تناول ثمار الصبار كثيراً ما ينجم عنه إمساك ليس من اليسير التخلص منه. وإن هذا الأمر ليكثر في موسم الصبار، بحيث يصير الناس، في ما يبدو، يعالجون منه في الأسواق. فالطبيب المتجول يستعمل في علاجه حقنة تتكون في هذه البلاد من جلد الماعز وقصبة مجوفة. وينبطح المريض على بطنه، حتى إذا أحكم الطبيب تسديد تلك الآلة قفز رجل أو اثنان فوق جلد الماعز، فتحصلت الضغط الهائل الذي يتوقف عليه نجاح تلك العملية. وإذا كنا نسوق هذا التفاصيل، ونعتذر من القارئ عليها، فالجدير بالملاحظة مع ذلك أنها تأتي لتؤكد ما سبق لنا أن ذكرنا من قلة الحياء التي يتصف بها أهل دكالة، بالقياس إلى الأهالي في الجزائر. فإن من الصعوبة تصور أن تقع مثل عملية في سوق جزائرية. وتشكل تربية الماشية، بالإضافة إلى زراعة الحبوب، [وهما يتوزعان مناطق دكالة] حسب طبيعة التربة، أخد مظاهر الثراء في هذه البلاد. وتغلب على أهل دكالة تربية الأغنام، لكنك تجد لديهم بعض الخيول أيضاً. بيد أن تربية الخيول شيء يختص به عبدة، ولهم فيه شهرة واسعة في سائر أنحاء المغرب. ولذلك فالدكالي إذا التقى أحد جيرانه من عبدة، وأراد أن يمتدحه، لم يفته أن يسلم عليه قائلاً : «العبدي مول العود». ففي بلاد دكالة فخدة من عبدة تسمى البخاتي تسكن المنطقة بين الوليدية والجديدة، وهم، كسائر المكلفين منهم، يشتغلون بتربية الخيول. ولهم منها الخيول البديعة، خاصة بعض الخيول السوداء. وتحكي أسطورة لها رسوخ في أذهان هؤلاء أن في ليلة من كل سنة يخرج «العود البحري» من البحر ويأتي ليسافد أفراس البخاتي. وهذا هو المفسر عندهم لجمال الخيول التي نراها تخطر في مراعي هذه القبيلة. ولقد تحدثنا من قبل أعلاه، تدرجاً مع المسارات التي سارت فيها رحلتنا، عن مختلف المسارات، عن المناطق التي تزدهر فيها تربية الماشية، وحسبنا أن نزيد ههنا إلى ما ذكرنا أن المراعي عند دكالة تكون كلها جماعية، فيما لا تكون الأراضي المخصصة للزراعة إلا فردية. دكالة أصل دكالة يشير ابن خلدون إلى أن التعرف على أصل دكالة لا يزال مشكلة تحتاج إلى حل، فبعض يدخلهم في المصامدة وبعض يعتبرهم من صنهاجة. ثم إننا لا نجد البكري ذكرهم بشيء. ويجعل الإدريسي مكانهم في موضع أقرب إلى الموضع الذي يوجدون به في الوقت الحالي، إلا أن الذي يبدو أنهم كانوا من قبل أكثر انتشاراً في ناحية الجنوب، بل وكنت تجدهم في ما وراء جبال الأطلس أيضاً، حسب ما تؤكد فقرة أخرى عند ابن خلدون، وهو المؤلف الوحيد الذي يسلم بأن أصلهم يعود إلى صنهاجة. وأما الإدريسي والمراكشي فيدخلانهم في من مصمودة، وهي في ما يبدو الأطروحة الأقرب إلى الاحتمال. ويتجمع دكالة اليوم في المنطقة بين وادي تانسيفت ووادي أم الربيع. وهم يشغلون مع عبدة المنبسط السفلي من الهضبة الجنوبأطلسية الواقعة بين هذين الواديين، وتوجد فخدة منهم في منطقة الغرب بضواحي القصر الكبير. ودكالة خليط من البربر والعرب. وقد دخل هؤلاء إلى المغرب على يد المنصور الموحدي، وقد انصهروا مع السكان الذين سبقوهم إلى هذه البلاد. وقد كان لا يزال بالإمكان التمييز بينهما بسهولة على عهد الحسن الوزان ومارمول، ويبدو أن هذا التمييز كان شيئاً شائعاً في ذلك الزمان. أسماء عرقية لا نعرف أصلاً اشتقاقياً لكلمة «دكالة». فبينما تعتبر الأسماء العرقية الأخرى مثل الشاوية والسراغنة والرحامنة كلمات عربية ذات معنى وشكل صرفي معروف، تبدو أسماء أخرى مثل دكالة وعبدة واحمر وحاحة وصنهاجة ومصمودة، على الأقل في الوقت الحالي، وكأنها أسماء أعلام حقيقية، يتأبى علينا أصلها الاشتقاقي في الكثير من الحالات. فلا يعود معظم هذه الأسماء إلى أي شكل صرفي مألوف في اللغة العربية، ومن مميزاتها كذلك أنها لا ترد معرفة أبداً، فنحن نقول «الشاوية» و»الرحامنة» و»الشياظمة» و»السراغنة»، غير أننا لا نقول : «الدكالة» و»الحاحة» و»المصمودة»... فسيكون خطأ فادحاً. ثم إنه ليس هنالك من شك في أن هذه الكلمات هي في المقام الأول أسماء عرقية، فأغلب الظن أن تكون تدل على البلاد التي سكنها أقوام فسميت باسمهم. لكن العادة الغالبة في هذه الكلمات أن تُسبق في هذه الحالات باسم جنسي، كقولهم : «بلاد حاحة». وعليه فإن هذه الأسماء شبيهة بمثيلاتها التي نعرف في الشرق القديم، من قبيل «هاشم» و»قريش»، إلخ... وأكثر ما تطلق هذه الأسماء في منطقة شمال إفريقيا على تجمعات أكبر من القبيلة، وهي التجمعات التي لا تجد لها عبارة معروفة تدل عليها بشكل واضح. وإن شكلها الصرفي لعلى تعارض كبير مع الشكل الصرفي في أسماء من قبيل «الشاوية» و»الرحامنة»، إلخ... بما يتعذر معه أن تشتق منها أسماء عرقية تأخذ هيأة هذه الأسماء الأخيرة. فلكمة مصمودة من غير تعريف يشتق منها الشكل «المصامدة»، وهو جمع عربي قديم ويتحمل أداة التعريف. وأما نحن فسنستمر في ما يأتي من هذا الكتاب في القول في الفرنسية : «Les Doukkâla» و» les Masmoûda»، إلخ.، كقولنا : «Les chaouia» و»Les Rehâmna»، خشية أن نزيد في تشويش المصطلحية العراقية، غير أنها صيغ لا توافق الاستعمال العربي. الهيئة البدنية لدكالة أهل دكالة في عمومهم طوال القامة مشيقو القوام (الصورة 51). ونجد كذلك إلى جانب هذا النوع الطويل منهم نوعاً آخر قصيراً وسميناً وقوياً، والنوعان كلاهما سمرا السحنة. كما أن الشقر بينهم كثرون. وما أكثر الدكاليين كذلك من ذوي العيون الزرق والشعر الأشقر. وهؤلاء الشقر أكثرهم هؤلاء طوال القامة، فهن يشكلون نوعاً ثالثاً نراه كثيراً في هذه البلاد (الصورة 63). ولاحاجة ههنا إلى التذكير بالنقاشات التي أثيرت حول وجود الشقر في شمال إفريقيا. ولقد أصاب كدينفلت في ملاحظته التي قال فيها إن الشقر قليلون جداً في المناطق الوسطى والمناطق الجنوبية من المغرب؛ لكن ينبغي أن نضيف أنهم على سبيل الاستثناء يوجدون بكثرة بين أهل دكالة. الجذمى والتقينا في دكالة كذلك الكثير من الجذمى، فهم معزولون في قرية خاصة، هي قرية أولاد سبيطة، وهي فخدة سبق لنا أن تناولناها بالحديث. وقد جرت العادة في كل أنحاء المغرب على تسمية [المكان] الذي يتجمع فيه الجذامى «حارة». وهو يتألف من عشرات النوايل، قد أحيطت بسور من الحجارة لا يشدها طين. وأغلب الظن أن عددهم في هذا المكان من دكالة لا يزيد عن أربعين شخصاً. فكلما لوحظ في القبيلة أن شخصاً ما قد أصيب بالجذام، أو بمرض مشابه، إلا ويجبر على الذهاب للعيش في الحارة، فإذا امتنع من الذهاب اشتُكي إلى القايد، فأكرهه عليه. والشائع عند الناس ههنا أن أبناء الجذمى لا يلحقهم شيء من ذلك المرض إلا أن يكونوا ولدوا في الحارة، لكن المرض يلحقهم إذا ولدوا لأبوين أجذمين لم يُسكَنا الحارة. لكن هل جميع من يسكن الحارة هم فعلاً من الجذامى؟ فلا يبعد أن يكون أمر الجذام يختلط على الناس بأمراض كثيرة. والواقع أنهم يرسلون إلى الحارة بكل من تلحقه مرض من الأمراض الجلدية ولو لم يكن بشديد القبح. والجذامى في دكالة، كما في مراكش التي توجد لهم فيها حارة خاصة، يتنقبون ويضعون فوق رؤوسهم قبعة عريضة الحواشي، تسمى «ترازة». وحارة سبيطة هي الحارة الوحيدة الموجودة اليوم في دكالة؛ وقد كانت هنالك حارة أخرى في مدينة الجديدة، وذكر لنا الأب برنو أنه وقف عليها، لكن لم يعد لها اليوم وجود. ولاشك أن هذا المرض الفتاك يسير إلى تراجع بفعل ما يطرأ على حياة الناس من يسار ومن نظافة. والنظافة ليست بالكلمة الجوفاء عند دكالة، الذين يتميزون عن سائر قبائل الحوز بالعناية التي يحيطون بها أشخاصهم؛ فأنت تراهم لا يكفون عن الاغتسال. ولاشك أن هنالك غير قليل من الشعوب المتحضرة التي لا تبلغ مبلغهم من النظافة. طعام دكالة يتكون طعام دكالة في أغلبه من الشعير والذرة، وأما القمح فلا يطعمه غير الأغنياء. وأشهر أكلاتهم هي المسماة «الدشيشية»، وهي نوع من كسكس الشعير. وأما كسكس القمح، أو «كسكسو» أو «سكسو»، فهو وجبة لا يتيسر الوصول إليها. وهذا الاسم تعرف به خاصة في منطقة الحوز، وأما في الغرب فهي تعرف باسم «الطعام» (وهو عموم الغذاء). وأما اللحم الذي يكثر أكله عندهم فهو لحم الغنم ولحم البقر. ودكالة ليسوا خبراء في فن تجفيف اللحم، فلا يقومون بهذه العملية في غير العيد الكبير. كما وأنهم يأكلون «القديد» الذي هيأوه على هذه الطريقة في مدة قصيرة. وهم كسائر المغاربة يكثرون من شرب الشاي، وقلما تجد بينهم من يدخن الكيف، فعادة التدخين معدودة عند القبيلة من الرذائل. معرف دكالة يجدر بنا أن نشير ههنا بشأن التغذية عند دكالة إلى أنهم يستعملون المحارات مغارف يتناولون بها «الحسوة»، وهي حساء من دقيق الشعير، كما يستعملونها في تناول غيرها من المواد السائلة أو شبه السائلة. وأهل دكالة يشتركون في هذا الاستعمال للمحار مع بعض القبائل من ساكنة المناطق االساحلية من الحوز، وم ن جملتها الشاوية. وعبدة... فكلمة «محارة» تعني لديهم، كشأنها في سائر مناطق شمال إفريقيا، الصدفة كما تعني المغرفة. والمحار الذي يكثر استعماله لهذا الغرض هو نوع من أشبه بالصحن الطيني patelles، وهو المسمى «Patella ferruginea» (لامارك) و»Patella sefiana» (لامارك). وهذا اختيار شاذ، لأن هذه patelles ذات الأشكال شبه المستديرة ليست مما يفترض أن يسهل استعماله في غرف العصيدة، وسيكون أفضل منها استعمال أنواع أخرى من المحار، إذا كانت كبيرة نسبياً، وتلك هي المحارات التي كان أناس ما قبل التاريخ يستعملونها في نواحي وهران لشرب الحساء. ثم إن المغارف مستدقة الرأس أكثر شيوعاً في سائر أنحاء العالم من المغارف المستديرة. بيد أن المغارف التي اعتاد الأهالي استعمالها في الجزائر هي المغارف المستديرة، وهم يستعملونها – إلا من بعض الاستثناءات – في أكل الكسكس والعصيدة من غير تمييز، وأما قبائل الحوز التي تستعمل المحارة فهي تحرص أكراماً للكسكس ألا تأكله إلا بالأصابع. وقد أصاب مورتاي في ملاحظته التي قال فيها إن البلاد التي تغلب في تغذية أهلها العجائن أو أنواع السميد الغليظ لا تستعمل المغارف. ولذلك فأهل المشرق الذين تكاد تغذيتهم تقتصر على الأرز ليس لهم قِبَلٌ بالمغارف. وكذلك ينطبق هذا الأمر إلى حد كبير على المسلمين الذين أكثر أكلهم الكسكس. ومن غريب أن نرى دكالة قد شرعوا يصنعون المغارف حسب النموذج الأوربي الصحيح؛ فهي مغارف مقرَّنة بمقبض شديد القصر، ثم تراهم لا يزالون مستمرين على تسمية هذه الأدوات الجديدة «محارة»! وأما كلمة «مغرفة»، التي يراد بها في العادة المعلقة في بقية منطقة شمال إفريقيا، فهي غير معروفة عندهم. والمحارات عندهم نوعان؛ «محارة نتاعت البحر»، يريدون بها «مغرفة البحر»، و»المحارة نتاعت الكرن»، وهي المغرفة التي يتخذونها من قرون الحيوان، وهذا النوع الأخير من المغارف يعرض في الأسواق بخمسة قروش مغربية. تزين دكالة والنساء الدكاليات على قدر كبير من الجمال، فهن يخضبن خدودهن بالخضاب الأحمر الذي يباع في مراكش وفي الأسواق [الدكالية] في صحينات من الطين، ويسمى «العكر». ويصبغن شفاههن بالسواك، ويجئن بشريط ذي لون أسود حيواني دقيق نسبياً، من تحت الحاجبين، ويمر على الجبين كله وينزل بطول الصدغين ومن خلف الخدين لينغلق عند الذقن. الوشم ويكثر عندهن الوشم، وتوجد لديهن «معلمات» متخصصات يتنقلن في القبائل لهذا الغرض. والنساء يضعن في العادة وشماً عمودياً على الجبين يتوسط الحاجبين، وخطاً آخر عمودياً على الذقن، ويمتد إلى العنق، ويصير تتخلله بعض الرسوم على شيء من التعقيد، ويستطيل إلى ما بين الثديين، ثم يمتد على البطن لينتهي عند الصرة. وكثيرات منهن يحملن وشماً آخر على العانة. وكذلك يزين أذرعهن وسواعدهن ومعاصمهن وأيديهن بأوشام أخرى على شيء ممن التعقيد، وكذلك يزين بها سيقانهن حتى العراقيب. وأما الرجال فإنهم يقتصرون بالوشم عامة على باطن الذراع اليمنى، ومن فوق الكتف ومن تحته. وإن من شأن الأوشام أن تدلنا إلى حد كبير على أصل الشخص. ومن ذلك أن أهل الشاوية الذين يضعون من الأوشام فوق ما يضع منها أهل دكالة، كثيراً ما يأتون على ظاهر الذراعين معاً برسوم، وهي رسوم تبتدئ من الكتف وتستطيل إلى المعاصم وإلى الأيدي وتنتهي عند منابت الأصابع، وقد تتجاوزها. والعبديون يضعون جميعاً وشماً على يده الذي يقوم بين الإبهام والسبابة، على ظهر الكف. ومنهم من يجعلون أوشاماً على ظاهر الكف كله. وأما الرحامنة فقليلو وشم، وأكثر أوشامهم تكون على ظهر مفاصل الأصابع الأولى. وكثيراً ما نرى لديهم كذلك وشماً صغيراً على الجبين وأسفل منبت الأنف، وهو شيء شائع عند الشاوية، ونجد عند هؤلاء من الرجال من يشمون صدورهم، وربما كانت نساؤهم أكثر أوشاماً من الدكاليات، وكذلك تكثر نساء عبدة من الوشم، وأما نشاء الشياظمة فالوشم عندهن قليل. حلي دكالة تستعمل أقراط الأذن في العالم كله على صورة واحدة؛ وكذلك فالميسورات من نساء دكالة يتحلين بالأقراط الطويلة المسماة «الدواح»، وأما الفقيرات منهن فإنهن يضعن في آذانهن «أخراصاً»، وهي أقراط صغيرة. وأما الرجال فلا يضعون في آذانهم شيئاً. ووحدهم الأثرياء يجعلون في آذان مواليدهم أقراطاً. والنساء إذا أردن التزين وضعن في أعناقهن عقداً أو «مدجة» تتكون من القطع النقدية من فئة نصف الدورو وربع الدورو الحسني، أو من النقود الإسبانية الفضية، ولا ترى عليهن من الذهب أبداً، إلا أن يكن من نساء الأعيان. لكن يتزين في المقابل بالكثير من المرجان. والدكاليات كثيرات إقبال على المرجان، ما يجعل له الانتشار المفرط عندهن. فجميعهن يجتهدن في الحصول عليه؛ فإذا كان الزوج ثرياً ادخرت المرأة على حسابه مبلغاً صغيراً لتقتني به الحلي من المرجان، وأما إذا كان فقيراً ولم يهدها شيئاً من تلك الحلي فقد يحد للمرأة أن تضع في عنقها شيئاً على هيأة المرجان يدل على قلة نبله. وتزين النساء جباههن بحلية من النقود القديمة. وهنالك حلية واسعة الانتشار في المناطق الأخرى من المغرب، لكن تبدو نادرة الاستعمال في دكالة، ونريد بها الكف الصغيرة من الفضة، المسماة «خمساً» أو «خامسة». والنساء الدكاليات يضعن في أيديهن «الدبليج»، وهو سوار غليظ من قطعة واحدة، قليل زخارف. وأما الأساور الأكبر حجماً والكثيرة الزخرفة فهي ناذرة الاستعمال عندهن لغلائها. وأما وضع الحلقات في الأرجل فهو شيء غير معروف في دكالة.