تم بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط، مؤخرا، إطلاق أول قاعدة بيانات إلكترونية حول مرض الناعور (هيموفيليا) والأمراض الخلقية المسببة للنزيف في المغرب، وذلك تنفيذا لاتفاقية شراكة سبق أن وقعها المركز مع مختبرات "نوفو نورديسك فارما"، في 16 أبريل الماضي، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة مرض الهيوفيليا. المشروع الذي تم إيواؤه في مصلحة علاج الأَورام لدى الأَطفال بمستشفى الأطفال ووحدة المستعجلات الطبية الاستشفائية بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا، يندرج في إطار استراتيجية وزارة الصحة التي نصت في المحور 23 من مخططها الوطني للصحة 2025 على «إقامة نظام وطني مندمج للمعلومات الصحية». كما تهدف هذه المبادرة إلى توفير المعلومات لأصحاب القرار فيما يتعلق بالتكفل الطبي بمرض الناعور وغيره من الأمراض الخلقية المسببة للنزيف، والتمكين من تتبع آثار المخططات الوطنية الجاري تنفيذها. ويرتكز المشروع على دعامتين أساسيتين أولاهما إحداث نظام معلوماتي لجمع وتقاسم المعلومات حول الهيموفيليا، وثانيهما إنتاج أشرطة تربوية حول الهيموفيليا، يمكن استخدامها على عدة دعامات (التلفزيون، الهواتف الذكية، الويب، إلخ...). في هذا الصدد، وطبقا لما يتطلبه التنفيذ الجيد لمثل هذا المشروع، قامت "نوفو نورديسك فارما" المغرب، بتعاون مع فرق المركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا، بإنشاء شبكة وتجهيزات معلوماتية مخصصة على مستوى مستشفى الأطفال، وأيضا داخل مصلحة المستعجلات الطبية الاستشفائية للمستشفى ابن سينا. كما تم تطوير نسخة نموذجية من البرنامج المعلوماتي لتدبير ملفات مرضى الهيموفيليا، والتي تم تطويرها بالكامل في المغرب وفق الممارسات والتوصيات الصادرة عن الخبراء المغاربة في هذا المجال بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط. وشمل برنامج يوم التدشين عقد ندوة بمدرج "نعيمة لمدور" بمستشفى الأطفال تم خلالها تقديم عرضٍ مفصل حول المشروع، كما تم تنظيم زيارة للمسار الرقمي الجديد لمرضى الهيموفيليا داخل مستشفى الأطفال. وفي تصريح بالمناسبة، قال البروفيسور عبد القادر الركاني، مدير المركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط، إنه «من خلال إحداث قاعدة البيانات الإلكترونية حول مرض الناعور (هيموفيليا)، نتوخى أن نساهم مرة أخرى في دعم مرضى الهيموفيليا ومهنيي الصحة مع تحسيس وتوعية الناس قدر الإمكان بهذا المرض العضال الذي يعتبر إلى حدود اليوم من الأمراض المستعصية التي لا زلنا لا نتوفر على علاج لها». ومن جانبه، قال سلفر أوبريوت، المدير العام لمختبرات نوفو نورديسك المغرب: « تكمن مهمتنا في نوفو نورديسك في مكافحة الأمراض المزمنة، مثل الهيموفيليا، من خلال منح المرضى ومحيطهم حلولا مبتكرة، سواء على مستوى الأدوية والعلاجات أو من حيث تحسين التكفل بهم بالمعنى الواسع للكلمة. فمن شأن وضع مثل هذه القاعدة للبيانات رهن إشارة المجتمع الطبي والعلمي المغربي أن يؤدي إلى تحسن ملحوظ في تتبع مرضى الهيموفيليا بالمغرب والتكفل بهم وبوضعيتهم بشكل عام. نعمل من أجل مستقبل يستطيع فيه الأشخاص الذين يعانون من الهيموفيليا أن يعيشوا حياتهم دون الانشغال بوضعهم الصحي ». أما البروفسور محمد الخرساني، أخصائي أَمراضِ الدم والأَورام لدى الأَطْفال في مركز علاج الهيموفيليا بمستشفى الأطفال بالرباط فأكد أن هذه المقاربة « تقوم على التتبع المنهجي لمجموعة من المؤشرات القياسية (البيولوجية والسريرية) التي تمكن من التعرف على المجالات التي تم فيها إحراز تقدم وعلى الممارسات الفضلى في مجال التكفل بالمرض من أجل اعتمادها بشكل نسقي ». الهيموفيليا في المغرب.. 3000 حالة في معاناة مستمرة مع خطر النزيف حسب معطيات الجمعية المغربية للهيموفيليا، يقدر عدد المصابين بمرض الهيموفيليا في المغرب بحوالي 3000 مريض. وهو مرض وراثي نزفي ناتج عن غياب أو نقص عامل من عوامل التخثر الوظيفية للدم. وتصنف الهيموفيليا حسب نوعية العامل الناقص، فعندما يكون هناك نقص في عامل التخثر الوظيفي الثامن نتحدث عن "هيموفيليا ألف"، أما عندما يكون الاختلال ناتجا عن نقص أو غياب عامل التخثر الوظيفي التاسع فنتحدث عن "هيموفيليا باء". وخلال عملية تخثر الدم، لا يتمكن الشخص المصاب بالهيموفيليا من تكوين خثرة دموية صلبة، كما هو الحال عندما تتم عملية تخثر الدم بشكل عادي. وبذلك فإن من بين الأعراض الرئيسية للهيموفيليا استمرار النزيف دون انقطاع. ويمكن للنزيف أن يحدث في أي مكان من الجسم، وترتبط مدى خطورة النزيف بشكل كبير بمكان حدوثه، وكذلك بأهمية النقص في عامل التخثر المسبب للهيموفيليا. في الأشكال الحادة للمرض، يحدث النزيف عقب كدمات ضعيفة جدا، ويمكن له أن يمر دون إثارة الانتباه. غير أن بعض أنواع النزيف الداخلي الخطرة قد تتسبب في الوفاة إذا لم يتم التكفل بها طبيا بشكل مبكر. لذلك فإنه من الأهمية بمكان التعرف على أعراض أنواع النزيف التي يمكن أن تكون خطرة. وغالبا ما يتم تشخيص المرض لدى الأطفال خلال مرحلة تعلم السير، أي عندما يبدأ الطفل في مغادرة حضن والدته، وهي الفترة التي يكون فيها معرضا للعديد من الصدمات. وأبرز البحث الأُسري وجود مصاب واحد بالهيموفيليا على الأقل بين الأقارب، أو وسط العائلة بشكل عام (عم، أبناء عمومة، أسلاف). كما أن نسبة 10% فقط من المرضى يستفيدون من العلاج بشكل منتظم ووقائي (وفق مقاربة استباقية) بينما يتلقى العديد من المرضى علاجات تحت الطلب (عند حدوث نزيف). ومهما كان نوع ودرجة خطورة الهيموفيليا، فإن المرض لا يتغير على مدى حياة الفرد. ويوجد علاج فعال للحد من مخاطر النزيف أو لوقف النزيف، على الرغم من أنه لا يمكن في الوقت الحالي التعافي كليا من هذا المرض. ويتم هذا العلاج عن طريق حقن الشرايين ببديل عامل التخثر الوظيفي الناقص. ويمكن الحصول على هذه العناصر عبر استخلاصها من الدم البشري، كما يمكن الحصول عليها أيضا عبر إنتاجها باستعمال تكنولوجيا الهندسة الوراثية (وتوصف في هذه الحالة بأنها معادة التركيب أو مأشوبة). وحتى في حال التكفل الطبي بالمرض، يبقى التخوف من مخاطر تطوير الجسيمات المضادة (التي يطلق عليها المثبطات) والتي تبطل مفعول العلاج المتاح باستعمال عوامل التخثر البديلة. غير أنه توجد اليوم استراتيجيات علاجية للالتفاف حول هذه المثبطات. ويتم تطبيقها حسب الحالات في مركز معالجة الهيموفيليا. تجدر الإشارة أن مختبرات "نوفو نورديسك" التي يوجد مقرها في الدانمارك، ولديها تجربة أكثر من 100 سنة من الابتكار والريادة في مجال علاج السكري، قد أبانت أيضا عن التزامها في مجال علاج الهيموفيليا، وهرمون النمو، والعلاجات الهرمونية، في إطار برنامج إحداث التغيير في الأمراض النادرة. وتشغل نوفو نورديسك حوالي 50000 شخص في 75 بلدا، وتتوافر منتجاتها في 180 بلدا. *** ما هو مرض الهيموفيليا؟ مرض الهيموفيليا (أو الناعور، النزاف، أو نزف الدم الوراثي) هو اضطراب وراثي نادر ناجم عن نقص أو غياب أحد عوامل التجلط في الدم (البروتينات)، يحدث غالبا في الذكور؛ حيث ينزف المصاب به بعد الإصابة لفترة أطول أكثر من الشخص الطبيعي. كما يمكن أن يؤدي إلى تلف الأعضاء والأنسجة، وتتحدد شدة الإصابة حسب كمية نقص العوامل في الدم، فكلما نقصت زادت شدة المرض. وعلى الرغم من تشابه العلامات والأعراض لأنواعه، إلا أنها ناجمة عن طفرات في جينات مختلفة. ولا يوجد علاج نهائي؛ لكن يوجد علاج يهدف إلى منع حدوث مضاعفات النزيف. الأنواع الهيموفيليا (أ) (التقليدية أو الكلاسيكية): ناجم عن نقص عامل التجلط رقم 8 وهو الأكثر شيوعا. الهيموفيليا (ب): ناجم عن نقص عامل التجلط رقم 9. الهيموفيليا (ج): ناجم عن نقص عامل التجلط رقم 11. الهيموفيليا المكتسبة: لا يحدث بسبب طفرات جينية موروثة، حيث تتميز هذه الحالة بنزيف غير طبيعي في الجلد، العضلات أو الأنسجة الأخرى، وعادة ما تبدأ في مرحلة البلوغ. كما يعد سببه غير معروف. ويعد كلا النوعين (أ) و(ب) الأكثر انتشارا في الوطن العربي. عوامل الخطورة الوراثة. الجنس، حيث يصيب الذكور أكثر من الإناث. الحمل. السرطان حالات المناعة الذاتية (مثل: التصلب المتعدد). الأعراض يمكن أن تكون الأعراض من خفيفة إلى شديدة؛ اعتمادا على مستوى عوامل التجلط. كما أن العلامة الرئيسية له هي عدم توقف النزيف، كما قد يكون لدى المصابين ما يلي: تورم وألم مع الإحساس بالحرارة في المفاصل. ظهور كدمات (نزيف الداخلي) يؤدي إلى تراكم الدم في المنطقة ( الورم الدموي). نزيف الفم واللثة وخاصة عند فقد الأسنان. النزيف بعد الختان. نزيف بعد أخذ اللقاح. نزيف في رأس طفل رضيع بعد الولادة. دم في البول أو البراز. نزيف الأنف المتكرر . المضاعفات النزيف الداخلي. ردة فعل عكسية لأدوية تخثر الدم. تضرر المفاصل. متى تجب رؤية الطبيب؟ يجب رؤية الطبيب في الحالات التالية: سهولة الإصابة بكدمات. عدم توقف النزيف. ألم وانتفاخ المفصل (نزيف مفصلي). مفاهيم خاطئة يعتقد الكثيرون أن جميع الأمهات المصابة بالهيموفيليا ينقلن المرض إلى أبنائهن. والحقيقة أن الفرصة في انتقال المرض إلى الطفل هي 50%. كما يظن البعض أنه يجب على مريض الهيموفيليا تجنب ممارسة الرياضة. لكن على العكس، فإن ممارسة الرياضة تقوي العضلات، وبالتالي تحمي الشخص من النزيف، وتدمير المفاصل؛ ويمكن، بعد استشارة الطبيب المعالج، ممارسة الرياضة غير العنيفة، لكن بحذر، مثل: السباحة والمشي. *** حسن العلوي الأمراني (*): نتمنى أن تساهم عملية الرقمنة في ضمان عملية تكفل شاملة ومتكاملة لمرضى الهيموفيليا بالنسبة إليكم كفاعل جمعوي في ميدان مساندة مرضى الهيموفيليا، كيف يمكن أن تساهم هاته المبادرة في تحقيق أهدافكم؟ الجمعية كما تعلمون تشتغل في هذا الميدان منذ التسعينات، مما جعلها تكتسب تجربة مهمة طورتها كذلك من خلال اشتغالها إلى جانب وزارة الصحة ضمن برامج مكافحة المرض، وكذا كعضو في الفيدرالية الدولية للهيموفيليا. هذه الشراكة التي نحاول من خلالها التخفيف من معاناة المرضى، حيث تضطلع الجمعية بدور الترافع من أجل توفير الأدوية ورفع نسبة مراكز العلاج في المغرب، فضلا عن جهود التوعية والتحسيس والمواكبة الاجتماعية في حدود ما يسمح به القانون وإمكانيات الجمعية. ويمكن القول إن الجهود المبذولة من قبل الوزارة والفيدرالية هي جهود كبيرة من أجل توفير الأدوية المتمثلة في عوامل التخثر لحماية المرضى من النزيف. كما أن المراكز الاستشفائية الموجودة تقوم بدور هام في التكفل بالحالات التي تحتاج تدخلا طبيا استعجاليا. فنحن نعلم أيضا أن مرض الهيموفيليا الذي يعد مرضا وراثيا، وأحيانا يكون مكتسبا، يهدد المريض بمضاعفات خطيرة في حال الإصابة بالنزيف، مما يستدعي توفير دواء عامل التخثر في أسرع وقت تفاديا لخطر الإعاقة والموت أحيانا. ورغم هذه الجهود المبذولة فإنا نطمح إلى تحسين عملية التكفل، وهو الأمر الذي لن يتأتى إلا من خلال توفر سجل وطني يمكن من إحصاء أكثر دقة للمرضى ولأشكال الإصابة بالهيموفيليا وبالتالي تحديد الحاجيات. ولأعطيك مثالا أخبرك أننا وجدنا صدفة من خلال الجولات التي نقوم بها في بعض المناطق لتتبع الحالات أن حالات الهيموفيليا (ب) التي يعتبر انتشارها نادرا مبدئيا، تعد بالعكس هي السائدة في تلك المناطق بخلاف أغلب المناطق حيث تنتشر الهيموفيليا (أ). وهذا الاختلاف في نوع وتاريخ الإصابة في صفوف الساكنة يستدعي بحثا وتتبعا مختلفا ومكافحة للمرض حسب الحاجيات. لأن انتشار هيموفيليا (أ) مثلا يعطي الأولوية أكثر، على مستوى برامج تدخل الوزارة، لاقتناء عامل التخثر المناسب، وهو (فاكتور) أو عامل 8، أكثر من (فاكتور) أو عامل 9 المستعمل في علاج حالات النزيف عند المصابين بهيموفيليا (ب). علما أن المصاب بالهيموفيليا يمكن أن يطور أيضا مضادات للعلاج تحد من فعالية العاملين السابقين معا في شفائه، ويصبح المريض هنا في حاجة أكبر إلى عامل تجلط آخر هو العامل 7، وهو أكثر تكلفة وأصعب ولوجا. هذه الأمور قد تبدو تقنية ولكن استعراضها ضروري لتتضح أهمية إرساء قاعدة للبيانات في دعم الجهود الكبيرة التي تبذلها بلادنا حاليا من أجل الحد من انتشار المرض ومن مضاعفاته الصحية والاجتماعية، حيث أن كل مريض بالهيموفيليا، وفضلا عن المعاناة اليومية من مرضه المزمن، يعد في نفس الوقت مشروع شخص معاق، للأسف، إذا لم يتم توفير الأدوية الضرورية له والتكفل بحالته في الوقت المناسب خاصة عند الإصابة بالنزيف. المرض يعد من الامراض النادرة، وبالتالي يمكن القول إنالجهود المبذولة من شأنها السيطرة عليه خاصة إذا تم التركيز على سبل الوقاية. هل هناك إمكانية للوقاية من المرض بصفة مسبقة مثلا؟ هناك بعض التجارب المرتبطة بهذا الجانب والمتعلقة أساسا بإجراء تحليل وراثي جيني قبل الحمل، لدى المرأة المصابة، لتفادي ولادة طفل مصاب بالهيموفيليا. ولكنها تظل محصورة في إطار العائلات التي لديها تاريخ للإصابة ولديها أيضا وعي كاف بسبل الوقاية. ويوجد كذلك جانب وقائي آخر هو الوارد أكثر ويرتبط بمتابعة الحالات التي تكون إصابتها معروفة. وتتمثل جهود الوقاية هنا في محاولة الحد من خطر النزيف، بحيث يمكن توفير الدواء وجعله في متناول المريض في المركز الصحي أو في المنزل، تحت إشراف الطبيب المعالج طبعا، بحيث يمكن ذلك من الحد من مضاعفات النزيف في حال الإصابة وبالتالي الحد بشكل كبير من الإعاقات الناتجة عن ذلك، وأيضا الحد من تكاليف العلاج. وهذا النوع من الوقاية هو موضوع تجارب عندنا لكنها تظل محدودة كميا وجغرافيا. ومجددا أقول أن العوائق التي تقف في وجه مكافحة المرض لا ترتبط بنقص في الإرادة السياسية ولا في كفاءة الأطر الصحية بحيث نتوفر على كفاءات تتميز بعملها الجاد وحتى بروح المبادرة، ولكن نقص البيانات هو الذي يحد من فعالية تلك الجهود، ولذلك نطمح أن يتم تعميم مبادرة رقمنة بيانات مرض الهيموفيليا حتى يتسنى أيضا تعميم هاته التجارب الوقائية التي تحدثت عنها. هل يواجه المرضى صعوبات في الولوج للعلاج خاصة ف يظل التكاليف الباهظة للدواء؟ كما قلت فإن عملية رقمنة البيانات من شأنها أن تضع حدا للصعوبات التي يواجهها المرضى على هذا المستوى. وفي الحقيقة فإن الحالات التي تتقدم إلى المستشفيات يتم التكفل بها مبدئيا، وتكمن الصعوبات في هذا الصدد في مسألة غياب المعطيات الكافية حول نوعية الحالة مما يعيق سرعة التدخل الطبي لإنقاذ المريض من النزيف. هذا بالنسبة إلى عملية التكفل عند الحاجة. لكن بالتأكيد هناك حالات قد لا تتمكن من الولوج إلى العلاج بسبب البعد الجغرافي أو بسبب غياب الوعي الكافي مثلا، مما يجعل خطر الوفاة أو الإعاقة واردا ليس بسبب غياب العلاج ولكن بسبب تأخر التدخل. أما بالنسبة للحالات المتكفل بها فعلا، فإنها تنقسم إلى فئتين، الأولى تندرج في إطار نظام راميد، وهؤلاء المرضى يتم تقديم الدواء لهم في المراكز الصحية بصفة مجانية بما أن المرض يندرج في لائحة الأمراض المزمنة. والفئة الثانية هم المرضى المسجلون في نظام التغطية الصحية الإجبارية (َAMO)، وهؤلاء عليهم اقتناء الدواء الذي يعتبر مبدئيا متوفرا حيث تقوم الوزارة باقتنائه وتوزيعه، ولكن مع ذلك قد لا يتوافر أحيانا في بعض الصيدليات، خصوصا بعض أنواع عوامل التجلط التي يحتاجها المريض المصاب بأحد أنواع الهيموفيليا النادرة. هذا إضافة إلى التكلفة الباهظة للأدوية والتي حتى في حال تعويضها، بنسب متفاوتة، من قبل الصناديق الاجتماعية، فإنها قد تمثل سببا من أسباب صعوبات الولوج. إلى ذلك تحدث لك فيما سبق عن الأدوية العلاجية الوقائية من خطر النزيف ومضاعفاته، والتي تعطى للمريض بصفة دورية، مرة في الأسبوع مثلا. وفي الوقت الذي يعتبر هذا العلاج مهما في الوقاية من مخاطر الحوادث ومضاعفات النزيف، إلا أن فعاليته ترتبط بانتظام المريض في تحصيله، وهو ما لا يكون ممكنا عندما يتعذر على المريض التنقل إلى المركز الصحي لتلقي جرعته الأسبوعية مثلا. وبالتالي فنحن نطمح إلى جعل الدواء في متناول المريض في المنزل. والأمر سيان بالنسبة للجرعة الاستثنائية التي يفترض أن يتلقاها المريض مباشرة بعد الحوادث على وجه السرعة حتى قبل أن يصل إلى المركز الاستشفائي لتلقي العلاج. ولذلك فنحن كجمعية نتمنى أن تساهم الجهود الكبيرة المبذولة حاليا من قبل الوزارة الوصية، والنتائج الإيجابية التي ستسفر عنها مبادرة الرقمنة، في الحد من عوائق الولوج إلى العلاج وضمان عملية تكفل شاملة ومتكاملة للمرضى حسب الحالات والظروف. (*) رئيس الجمعية المغربية للمصابين بالهيموفيليا *** 3 أسئلة إلى البروفيسور محمد الخرساني (*): النظام من شأنه توفير معلومات مستوفاة حول المرض وتيسير أسلوب ومسارات العلاج كيف تنظرون إلى الإمكانيات التي تمنحها مبادرة رقمنة البيانات حول مرض الهيموفيليا في التخفيف من الصعوبات التي تواجهونها كأطر صحية ويواجهها المرضى كذلك خلال مسارات العلاج؟ الأمر لا يتعلق فقط بمعالجة الصعوبات بل بحاجة مبدئية إلى قاعدة واضحة ومدققة للبيانات يفترض أن تكون متوفرة في الواقع لدى أي مصلحة طبية واستشفائية، بغض النظر عن نوعية المرض. بالفعل، المعلومات حول المرضى والأمراض هي موجودة حاليا في المراكز الصحية بصفة نسبية، ولكن كمادة إدارية أساسا لا تستجيب بشكل فعلي لمطلب الدقة والمتابعة والضبط الذي يحتاج إليه الأطباء والفاعلون في مجال البحث العلمي ووضع الاستراتيجيات الصحية.. هذا الأمر ينطبق على جميع الأمراض وليس فقط مرض الهيموفيليا. لكن في مجال الهيموفيليا تحديدا يمكن القول إننا متأخرون جدا لأن هذه الآلية كان يفترض أن تكون متوفرة منذ وقت طويل. لدينا بيانات متفرقة عن عينات متفرقة عبر التراب الوطني ولكن كنا بالفعل بحاجة إلى قاعدة بيانات تمكننا من تحصيل معلومات مستوفاة حول المريض وأسلوب ومسارات العلاج. وبموجب هذا النظام سيصبح لكل مريض بطاقة الكترونية يقدمها لدى أي مصلحة طبية، وعند ربط تلك البطاقة بالتطبيق المتعلق بقاعدة البيانات الرقمية يمكن الاطلاع على جميع المعلومات المتعلقة بالمريض، وهذا من شأنه تفادي الكثير من العناء سواء للمريض أو للمصلحة التي تتكفل بالحالة، خاصة في الحالات الاستعجالية. الهدف الثاني هو كما قلت توفير المعطيات الضرورية لإجراء الدراسات سواء تلك التي تتطلبها السياسات العمومية لوضع استراتيجيات مكافحة الأمراض والتكفل بالمرضى، أو تلك المتعلقة بمسارات البحث العلمي ومشاركاتنا كأخصائيين في المحافل الدولية ومساهماتنا في المجلات العلمية العالمية، حيث نحتاج إلى بيانات وطنية مرجعية وأرقام مضبوطة. على ذكر التخصص، كيف تثمنون دور الأطباء والأطر الصحية في تفعيل العمل بهذا النظام، وكيف ستعملون على تعبئتهم لأجل ذلك؟ أولا، لابد من الإشارة أن هذه المبادرة هي منتوج مغربي ساهم فيه الأطباء المختصون بصفة أساسية بشراكة مع وزارة الصحة ومع مختبرات "نوفو نورديسك فارما"، وهو موضوع بطريقة تسمح له بالتطور والتحسين بمساهمة الأطباء والأطر الصحية المتدخلة. ومن جهة ثانية فإن هؤلاء لا يمكن إلا أن يرحبوا بهذه الآلية التي نتمنى كما قلت أن تصبح معممة على جميع المصالح والتخصصات، لأنها تجعل العمل أكثر يسرا وسلاسة، وتمنح ولوجا آنيا، وسهلا (Un accés instantané, et plus facile) إلى المعلومات، وتجنبنا صعوبات ومشاكل التأخير والغياب (غياب الطبيب المعالج أو غياب الملف الورقي)، وتداخل المعلومات وعدم دقتها. مبادرة إطلاق هذه القاعدة الرقمية تمت من مدينة الرباط التي تعتبر مصالحها متقدمة نوعا ما في جانب التكفل بالمصابين بالهيموفيليا. هل هناك تفكير في تعميم هذه الخطوة على المراكز الصحية عبر التراب الوطني؟ بالتأكيد هذا يعد من بين الأهداف الأساسية للمبادرة التي نعتبر أنها لن تبلغ غاياتها ولن تحقق أهدافها التي تحدثت عنها إذا لم يتم تعميمها بالفعل. ولقد أوضحنا أيضا خلال حفل التدشين أن هذا البرنامج يندرج في إطار استراتيجية وزارة الصحة ومخططها الوطني ل2025 الذي ينص على "إقامة نظام وطني مندمج للمعلومات الصحية". ولذلك فإن المبادرة حظيت بترحيب ودعم كبيرين من قبل الوزارة، علما أن النظام يتميز بكثير من المرونة من أجل الاستجابة لمطلب التطوير والملاءمة (Système évolutif) حسب خاصيات ومتطلبات كل منطقة. (*) أخصائي أَمراض الدم والأَورام لدى الأَطْفال بمركز علاج الهيموفيليا بالرباط.