الذكرى الأولى لحصول حزب التقدم والاشتراكية على القانونية من أجل الوحدة الوطنية والترابية والديمقراطية في مثل هذا اليوم سابع و عشري غشت من السنة الفارطة ( 1974 ) أعلن رسميا ، وفي قاعة الندوات الصحفية بفندق حسان بالرباط عن ظهور حزب التقدم والاشتراكية إلى الوجود القانوني. كان ذلك على لسان الرفيق على يعته الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وبمحضر الرمال عبد الله العياشي عبد السلام بورقية عزيز بلال الحاج محمد بنيلا، الذين قدموا إلى السلطات المغربية قوانين حزب التقدم والاشتراكية، وتسلموا منها يوم الجمعة 23 غشت 1974 توصيلا بمثابة رخصة وإجازة للعمل القانوني. وليس من قبيل الصدفة على الإطلاق أن يرتبط يوم 23 غشت، يوم قانونية الثوريين المغاربة، بأول نشاط وطني بتصدره أحد مؤسسي حزب التقدم والاشتراكية الرفيق عبد الله العياشي الكاتب الحالي للجنة المركزية وعضو الديوان السياسي حاليا. كان ذلك في محاضرة عمومية ألقاها بإحدى القاعات الكبرى بالدار البيضاء تحت عنوان « المغرب هب كنه لتحرير صحرائه » لقد كانت هذه المحاضرة تاريخية وذات معان عميقة لسببين أساسيين: أولا ، لأنها أول نشاط يظهر فيه حزب التقدم والاشتراكية في يوم علنيته في شخص أحد قادته. ثانيا ، لأنها المبادرة لأولى التي شهدتها بلادنا، في شكل تجمع عمومي يطرح قضية تحرير الصحراء الغربية المغربية من براثن الاستعمار الاسباني عن طريق ضرورة وحدة القوى الثورية والتقدمية والوطنية وتعبئة جماهير الشعب الكادح، وبذلك فتحت الطريق لنشاط وطني واسع في نفس الاتجاه. لقد كانت إذن الانطلاقة الأولى لحزب التقدم والاشتراكية ضاربة في أعماق الوطنية الحقة فاسقط في أيدي أعداء الثوريين المغاربة الذين كثيرا ما لوحوا باتهامات تحاول عبثا إسقاط صفة الوطنية عن حزب، نبت، منذ عشرات السنين، في تربية الوطن، وترعرع فيها، فذاد عن الوطن وذاد عنه الوطن، ودافع عن الشعب، فدافع عنه الشعب مما ضمن له الدوام والاستمرار والتألق رغم هول الأعاصير وعنفها. في مثل هذا اليوم 27 غشت لم يبن رطن في البلاد، ولم تبق نقطة من نقاط العالم لم تسمع بالخبر البشري: حزب التقدم الاشتراكية يظهر إلى الوجود القانوني :« إن هذا الحزب لم يخلق من العدم، بل هو جزء من الأجزاء المكونة للحركة الوطنية المغربية، وانه في الحقيقة يواصل مسيرة الأجنحة اليسارية لهذه الحركة، تلك الأجنحة التي لم تعد موجودة قانونيا وسيكون أحسن خلف لها ومتمما لمهمتها». ****** الرفيق عمر الفاسي يشرح في الجديدة شروط ربح معركة تحرير الصحراء كان موعد جماهير سكان العاصمة دكالة، الجديدة يوم الثلاثاء الفارط مع المحاضرة التي ألقاها الرفيق عمر الفاسي، عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم و الاشتراكية، بقاعة دار الثقافة، تحت عنوا ن » شروط ربح معركة الصحراء». وتدخل هذه المحاضرة التي نظمها فرع الجديدة لحزب التقدم و الاشتراكية في إطار حملات التوعية و التعبئة الجماهيرية التي تقوم بها سائر نواحي وفروع الحزب من أجل استكمال كل الشروط الضرورية لإنجاح معركة استرجاع أراضينا المغتصبة و استكمال وحدتنا الترابية. ****** الجامعة العربية والصحراء المغربية أعلن الدكتور سيد نوفل، الأمين العام المساعد للجامعة العربية، أن الاجتماع القادم لمجلس الجامعة العربية سيعقد في القاهرة في الثاني من شهر شتنبر المقبل، و أضاف أن الاجتماع سيتناول آخر تطورات الوضع في المنطقة العربية، و التعاون العربي- الإفريقي، و الحوار العربي- الأوروبي، إضافة إلى مسألة تنسيق مواقف الأقطار العربية خلال الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر شتنبر القادم. و مع أنه لا تتوفر لدينا معلومات مؤكدة حول ما إذا كانت مشكلة الصحراء المغربية الخاضعة للاستثمار الإسباني ستدرج أم لا في جدول المناقشات، فإنه يتحتم على المغرب أن يسعى بكل قواه لتسجيل قضيتنا الأولى المقدسة في جدول أعمال مجلس الجامعة العربية، و لا يمكن أن نسمح بأن تتجاهل الجامعة العربية قضيتنا التحررية. ****** أيامي الأولى في جريدة البيان.. مصححا ثم صحافيا مهنيا في ذلك الصباح الخريفي البعيد، سنة 1996، كنت في مكتب جريدة العلم بالدار البيضاء، حين رن هاتف المكتب، يطلبني أحد ما، ولم يكن هذا الأحد غير محمد صوف، القاص والروائي المعروف. جاء صوته هامسا: – «هل لديك الاستعداد للعمل في جريدة البيان، سنشرع قريبا في إصدار عدد أسبوعي مستقل خاص بالثقافة، ونريدك أن تعمل في التصحيح..». أخبرني بعد ذلك بأنه وقع الاختيار علي من بين ثلاثة أسماء أخرى، ذكرهم لي، وقد كانت لي معرفة بهم، بحكم الاهتمام المشترك بيننا، وهو الإبداع الأدبي. لم أتردد طويلا. بمجرد أن وضعت السماعة من يدي، ذهبت بسرعة نحو المقر الرئيسي لجريدة البيان بشارع لاجيروند. كنت بحاجة إلى الاستقرار في العمل، بالنظر إلى ما عانيته في جريدة العلم من حيف على مستوى التعويض المادي، حيث كان يتم احتساب التعويض المادي بعدد الأسطر التي ننتجها. ورغم الوعود بالترسيم التي قدمها لي المرحوم عبد الجبار السحيمي الذي كان رئيسا لتحرير العلم، غادرت هذه الجريدة بلا رجعة. ذهبت في ظهيرة ذلك اليوم نفسه لمقابلة مدير البيان علي يعتة رحمه الله. استقبلني في مكتبه البسيط. كانت هناك حركة مثيرة في محيط مكتبه: أناس بسطاء يدخلون ويخرجون.. شكايات.. طلبات للتدخل لأجل حل مشاكل اجتماعية.. قلت في قرارة نفسي: «يا لها من مسؤولية لا يقدر عليها سوى شخص يمتلك قدرة خارقة على التحمل». وأعتقد أن المرحوم علي يعتة كان من هذه الطينة. أكد لي على أن البيان الثقافي الأسبوعي سيتم الشروع في إصداره قريبا جدا، مسألة وقت، وأنه تم تعييني لأكون مصححا لهذا لإصدار. وأضاف أنه ريثما ينطلق المشروع، يمكن لي الالتحاق للعمل في تصحيح بروفات الجريدة اليومية. أذكر أنه لم يغفل الإشارة إلى قيمة الأجرة التي سأتقاضاها.. غمرني شعور بالفرح. أخيرا سأتلقى أجرة شهرية قارة، وغير رهينة بعدد الكلمات التي أنتجها. كان قسم التصحيح في مقر المطبعة الذي يوجد بالشارع نفسه، والذي لا يبعد عن مكتب التحرير سوى ببضعة أمتار، استقبلني السيد إدريس مصقلي الذي كان يرأس القسم التقني للجريدة آنذاك، بدا لي أن له شخصية كاريزمية، تجعل العاملين في القسم يطبقون أوامره بصرامة. لم يكن هناك سوى مصحح واحد لجريدة البيان بالعربية، هو الزميل سعيد الحبشي الذي أحيل على المعاش السنة الماضية. من بين الطرائف التي لا يمكن أن أنساها بهذا الصدد أن رئيس القسم التقني السيد إدريس، الله يذكره بخير، أوهم الزميل الحبشي بأن الإدارة قررت الاستغناء عنه وأنه سيتم تعويضه بي. التفت إلي الحبشي، وانتفض وهو يرفع سترته التي كان يضعها على الكرسي وأسرع نحو الخارج، ربما يريد الاحتجاج على الإدارة. أخذ السيد إدريس يقهقه وهو يلحق به ويأمره بالرجوع، صارحه بأنه يمزح معه فقط، وأوضح له أنني سأعمل بشكل مؤقت في الجريدة اليومية، ريثما يتم إطلاق الإصدار الجديد المتمثل في البيان الثقافي الذي سألتحق للعمل فيه مصححا. كانت تجربة تصحيح بروفات البيان الثقافي الأسبوعي الذي كان يصدر في 24 صفحة، وما أدراك ما 24 صفحة، قد أفادتني أيما فائدة، سيما وأنني كنت أشتغل ضمن فريق مكون من أدباء مرموقين وأساتذة مشهود لهم بالكفاءة: محمد صوف، إدريس الملياني، الحسين الشعبي، محمد جنبوبي، المرحوم عبد العزيز الفاروقي.. كان الإصدار منتظما كل أسبوع، رغم الصعوبات المالية التي كانت تعترضه، وكان قد لقي إقبالا كبيرا من طرف النخبة المثقفة. يمكن اعتبار هذا الإصدار غير مسبوق في ساحة النشر ببلادنا. تناولت أعداد هذا الإصدار الذي لم يعمر طويلا، بسبب ظروف قاهرة سآتي على ذكرها في ما بعد، عدة ملفات، فضلا عن الدراسات الفكرية والفلسفية والقراءات النقدية والحوارات والمواد الإبداعية.. لم يكن عملي يقتصر على تصحيح بروفات هذا الإصدار، فبالنظر لثقة محرري هذا الإصدار في قدراتي، فقد تم تكليفي بكتابة افتتاحية بعض الأعداد، كان شعورا غامرا بالاعتزاز بالنفس، سيما وأنني كنت في بداياتي التي تتسم بالاندفاع والحماس. غير أنه بوفاة المدير المؤسس علي يعتة، توقف هذا الإصدار. انتابني القلق والأرق، لعله سيتم الاستغناء عني. كان قد تم تعييني لأكون مصححا لإصدار بعينه، وهذا الإصدار قد توقف. لكنني واصلت العمل في مجال التصحيح بالجريدة اليومية، لا أعرف كيف تم ذلك الانتقال. ما أذكره أنه تم بشكل سلس وبدون عراقيل. أعتبر الفترة الانتقالية التي أعقبت وفاة علي يعتة، من بين أصعب الفترات التي مرت بها الجريدة ككل، سيما وأن المطبعة كان قد أصابها عطل، وكانت الإدارة تضطر إلى إخراج الجريدة في مطابع أخرى. في كثير من الأحيان كان يتم الاشتغال على أعدادها إلى ساعة متأخرة من الليل بسبب المشاكل التقنية العويصة. لم أمكث طويلا في هذا المنصب، منصب التصحيح. حيث جاءت فترة، تقرر فيها النهوض بالجريدة، بعد أن تولى إدارتها شخص كفء وطموح، هذا الشخص لم يكن غير نبيل بنعبد الله، الأمين العام الحالي لحزب التقدم والاشتراكية. تم إنجاز مخطط شامل من طرف المستشار الحالي للجريدة الأستاذ الحسين الشعبي. ومن بين الاقتراحات التي ضمها هذا المخطط، فقرة لا تزال طازجة في دماغي إلى الآن: «إلحاق عبد العالي بركات بالقسم الثقافي للجريدة..». كان ذلك أواخر التسعينات. ومن ثم انطلقت مسيرتي باعتباري صحافيا مهنيا. أذكر أن أول عمل صحافي قمت به في جريدة البيان، بعد مدة قصيرة من استئناسي بمهمة تحرير المراسلات: تغطية أنشطة المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء. نظم رئيس التحرير آنذاك أحمد بوكيوظ، الله يذكره بخير، اجتماعا مصغرا لتوزيع المهام، وكلفني بإجراء حوارات مع الأدباء المشاركين في البرنامج الثقافي للمعرض. تلاه ملف حول قضية تهم الفنانين، ولكي يسهل علي أحمد بوكيوظ العمل، اقترح علي أن أتصل بالفنان أحمد الصعري رحمه الله، للحصول على الأرقام الهاتفية للفنانين. وبالفعل، وجدت لديه مفكرة غنية بأرقام الهواتف، لم يبخل علي بها. كنت كلما احتجت إلى رقم هاتف فنان مسرحي أو موسيقي، أتصل به ويزودني به على الفور دون إبداء أي شعور بالمضايقة. منذ ذلك التاريخ إذن، أواسط التسعينات، إلى يوم الناس هذا، حيث يتم الاستعداد للاحتفال بذكرى مرور نصف قرن على تأسيس جريدة بيان اليوم، مرت مياه كثيرة تحت الجسر، بحلوها ومرها، لا يسع المجال للتفصيل فيها، وربما قد يأتي الوقت للوقوف عند هذه التفاصيل، إذا أمد الله في العمر.