من منا لا يملك ذكريات من الماضي ما تزال مختزنة في ذاكرته يقدم صورها للغير عند الطلب أو عند المشورة لتقريب صورة أحداث ووقائع وطرائف سجلها الماضي القريب أو البعيد .. وتبقى ذكريات الشخصيات التي تطبع مسار التاريخ في كل المجالات الأكثر شدا للانتباه، ومنها ذكريات أبطالنا الرياضيين الذين غيبهم الاعتزال عن الميادين. لاعبون مروا بالملاعب وأثثوا المشهد الرياضي ببلادنا، لكن أخبارهم توارت إلى الخلف عن الجماهير .. جماهير لا تعرف عنهم الكثير فيما يتعلق بالجانب الشخصي وتتشوق إلى معرفة كل كبيرة وصغيرة .. فكيف إذا تعلق الأمر بأطرف المواقف التي مر بها هؤلاء اللاعبون في مسيرتهم مع أسود الأطلس، نعلم كل شيء عن مسيرتهم، ألقابهم الشخصية، أهدافهم، الأندية التي جاوروها .. لكننا لا نعلم ما هو أطرف، مواقف تعرضوا لها بقميص المنتخب وخارج الحياة الاعتيادية. في سبرها لأغوار صور الماضي، اختارت «بيان اليوم»، طيلة هذا الشهر الفضيل، التقرب من لاعبين سابقين بالمنتخب الوطني داعبوا كرة القدم بسحر ومهارة. لن نقف عند صولاتهم وجولاتهم في المستطيل الأخضر، أو بالقرب من دكة الاحتياط، أو داخل غرفة تبديل الملابس .. بل سنركز أيضا على ما جرى أيضا بالمستودعات وخلال الرحلات بل وخارج الإطار العام للممارسة كرة القدم. إنها سلسلة حلقات رمضانية نجول من خلالها وعبرها لتقطف من بساتين لاعبي كرة القدم المعتزلين نوادر وطرائف تزيل غبار النسيان عن ماضي جميل لأسماء كبيرة لن تغادر الذاكرة الجماعية للمغاربة. كيف ضاعت المنحة بالزايير وما حدث له مع الثعبان لينيكر نور الدين البولحياوي، واحد من فرسان مكيسكو ( 86) ، رجل تغطية بامتياز، شكل طيلة سنوات عديدة عنصر آمان داخل دفاع الفريق الوطني المغربي لكرة القدم، بنية قوية، صرامة في الأداء، وقد ساعده تكوينه كجمركي في إنهاء مشواره الرياضي بكثير من الانضباط والدقة في المواعيد، واحترام تام للتعليمات. لاعب سابق لفريق النادي القنيطري، وأنهى به مسيرته الرياضية، لكنه يفضل حاليا الابتعاد خوفا من التورط بمستنقع الخلافات والصراعات الهامشية التي فرقت القنيطريين إلى مجموعات وطوائف. الحاج نور الدين البوليحاوي يتحدث عن جزء من الطرائف والأحداث التي عرفتها مسيرته الرياضية الغنية بالألقاب والبطولات : «... أتذكر أنه قبل مقابلة هامة ضد منتخب الزايير بلوموباشي، والتي كانت تدخل ضمن تصفيات كأس إفريقيا للأمم لسنة 1986 بمصر، حققنا نتيجة التعادل الأبيض مع تضييع المهاجم الخطير كابانغو لضربة جزاء، توصلنا بمنحة خاصة وصلت إلى 500 فرنك فرنسي، وكانت عبارة عن ورقة نقدية واحدة، وقد راج حديث بين اللاعبين أن مستودع الملابس عادة ما يتعرض للسرقة، فقررت في البداية الاحتفاظ بها بجيب البذلة الرياضية الرسمية، لكن تبين لي فيما بعد أن العملية ليست آمنة، خصوصا وأن الجمهور كان متربصا بالمستودع ويحيط به من كل الجوانب. بعد تفكير طويل، قررت في الأخير الاحتفاظ بها داخل الجوارب، فلعبت المباراة مصحوبا بالورقة النقدية المذكورة، لكن وبعد انتهاء الجولة الأولى ونحن بالمستودع تفقدت المنحة، فإذا بي أجد الورقة النقدية وقد تمزقت من جراء تسبب العرق، وهكذا ضاعت المنحة من جراء الخوف من سرقتها. خلال مونديال 1986، وبعد التعادل الايجابي أمام بولونيا، كنا نستعد لخوض المقابلة الثانية ضد منتخب انكلترا القوي، وقد كان المدرب مهدي فاريا، متعود على التحدث مع كل لاعب على حدا، كطريقة منه لتهيئ اللاعبين قبل كل مباراة، وأتذكر أن فاريا فضل التحدث معي خارج مقر الإقامة، حيث طلب مني التركيز في كيفية مراقبة قلب الهجوم الخطير آنذاك غاري لينيكر الذي كان يلعب لنادي برشلونة الاسباني، حيث قال لي بالحرف: « انتبه فالمهاجم لينيكر مثل الثعبان، ينومك قبل أن يلدغك». رحل فاريا وبقيت في مكاني خارج مقر الإقامة أفكر في كلام فاريا، والكيفية التي سأواجه بها أحسن مهاجم في العالم، وأنا غارق في التفكير فإذا بثعبان حقيقي يمر بالقرب من جانبي، فدخلت مذعورا إلى الداخل، مخاطبا فاريا، « قضى الأمر التقيت الثعبان لينيكر وتوصلت إلى معرفة كيفية محاصرته». « وبالفعل تفوقت بمساعدة أصدقائي بطبيعة الحال في محاصرة الخط الأمامي القوي لمنتخب انجلترا، الذي كان كذلك الهداف هاتلاي وكذلك لاعب الوسط المتقدم ويلنكيز، حيث انتهت المباراة بنتيجة التعادل الأبيض، مما سمح لنا بخوض المباراة الثالثة أمام البرتغال وكلنا طموح، وبالفعل كان الفوز حليفنا وبطريقة جد مستحقة.. قبل هذا الحادث بسنتين أتذكر كذلك ما حدث لنا بمطار سان فرانسيسكو بالولايات المتحدةالأمريكية، أثناء احتضانها لفعاليات دورة الألعاب الأولمبية لسنة 1984، امتطينا طائرة صغيرة خصصت فقط لأفراد المنتخب المغربي، حيث غادرنا مقر الإقامة بمدينة لوس انجلوس، وبعد نزولنا بأرضية مطار سان فرانسيسكو لخوض أول مقابلة وكانت أمام منتخب ألمانياالغربية آنذاك والتي انهزمنا خلالها بإصابتين لصفر، ونحن نتواجد بالمطار فإذا بكلب رجال الأمن الخاص باكتشاف المخدرات، يقصد حقائبنا الرياضية التي كانت موحدة. ظل الكلب يشمشم في حقيبة واحدة دون غيرها، فانتبه رجال الأمن للأمر. ساد صمت كبير وسط أفراد البعثة المغربية، فكيف يعقل أن توجد حقيبة مشبوهة بيننا، إنه لأمر لا يصدق تماما، وبعد بحث سريع تعرف مسؤولو البعثة وأفراد أمن المطار على صاحب الحقيبة المشبوهة، إنها لعبد السلام لغريسي، فاقتيد هو والحقيبة نحو المخفر، ليتبين بعد بحث دقيق بمحتوياتها، أن الأمر يتعلق بعلبة الطلاء الخاص بتلميع الأحذية ( سيراج )، فأخلى سبيل « المتهم « لغريسي وتحول الحادث إلى نكتة ودعابة تثير الكثير من الضحك بين أفراد الفريق الوطني». غدا حكاية العابد خليفة مع قميص الألماني بريغل