من منا لا يملك ذكريات من الماضي ما تزال مختزنة في ذاكرته يقدم صورها للغير عند الطلب أو عند المشورة لتقريب صورة أحداث ووقائع وطرائف سجلها الماضي القريب أو البعيد .. وتبقى ذكريات الشخصيات التي تطبع مسار التاريخ في كل المجالات الأكثر شدا للانتباه، ومنها ذكريات أبطالنا الرياضيين الذين غيبهم الاعتزال عن الميادين. لاعبون مروا بالملاعب وأثثوا المشهد الرياضي ببلادنا، لكن أخبارهم توارت إلى الخلف عن الجماهير .. جماهير لا تعرف عنهم الكثير فيما يتعلق بالجانب الشخصي وتتشوق إلى معرفة كل كبيرة وصغيرة .. فكيف إذا تعلق الأمر بأطرف المواقف التي مر بها هؤلاء اللاعبون في مسيرتهم مع أسود الأطلس، نعلم كل شيء عن مسيرتهم، ألقابهم الشخصية، أهدافهم، الأندية التي جاوروها .. لكننا لا نعلم ما هو أطرف، مواقف تعرضوا لها بقميص المنتخب وخارج الحياة الاعتيادية. في سبرها لأغوار صور الماضي، اختارت «بيان اليوم»، طيلة هذا الشهر الفضيل، التقرب من لاعبين سابقين بالمنتخب الوطني داعبوا كرة القدم بسحر ومهارة. لن نقف عند صولاتهم وجولاتهم في المستطيل الأخضر، أو بالقرب من دكة الاحتياط، أو داخل غرفة تبديل الملابس .. بل سنركز أيضا على ما جرى أيضا بالمستودعات وخلال الرحلات بل وخارج الإطار العام للممارسة كرة القدم. إنها سلسلة حلقات رمضانية نجول من خلالها وعبرها لتقطف من بساتين لاعبي كرة القدم المعتزلين نوادر وطرائف تزيل غبار النسيان عن ماضي جميل لأسماء كبيرة لن تغادر الذاكرة الجماعية للمغاربة. ما قاله الحسن الثاني وفضل حذاء رشيد الطاوسي صلاح الدين بصير من بين اللاعبين القلائل الذين اكتسبوا شعبية جارفة بين مختلف الفئات العمرية ببلادنا، وذلك بفضل أهدافه الحاسمة رفقة المنتخب الوطني، والتي عادة ما كانت تلهب حماس الملايين من أنصار ومحبي أسود الأطلس. استطاع بصير أن يصنع الاستثناء داخل مدار كرة القدم الوطنية، و أن يدخل إلى قلوب المغاربة الذين صاغوا له موشحا ردده الجميع كلما سجل هدفا رفقة الفريق الوطني، سواء داخل الملعب أو خارجه: «بصير..بصير..هو..هو..»، وهي لازمة رددها الصغار قبل الكبار. عاش بصير رفقة الفريق الوطني العديد من المواقف الطريفة التي ستظل موشومة في ذاكرته، على اعتبار أن تلك الفترة التي قضاها بين أحضان الأسود كانت غنية بلحظات جميلة لابد من الوقوف عليها، والتي كانت بحق من أفضل اللحظات في تاريخ كرة القدم الوطنية من خلال صولات وجولات أسود الأطلس الذين استطاعوا أن يقفزوا إلى مراتب متقدمة في التصنيف العالمي. ومن بين الأحداث التي لازال صلاح الدين يتذكرها، الاستقبال الملكي الذي حظيت به عناصر الفريق الوطني من طرف الراحل الحسن الثاني بعد العودة من مونديال فرنسا 98، حيث أقصى المنتخب من الدور الأول، بالرغم من الفوز الكاسح على منتخب اسكتلندا بثلاثية نظيفة. يقول بصير: « بعد إقصائنا المفاجئ من الدور الأول للمونديال والعودة إلى المغرب فوجئنا بالاستقبال الكبير الذي خصنا به المرحوم الحسن الثاني بعد جولة شرفية عبر شوارع مدينة الرباط، حيث تأسف جلالته بدوره لهذا الإقصاء، ثم اقترب مني وسألني : «بصير كم سنك؟ فأجبته: 25 سنة»، فقال لي بعدها: « إنك ما زلت صغيرا وبإمكانك أن تقدم الشيء الكثير لكرة القدم الوطنية»، ثم بعد ذلك أبدى رضاه عنا جميعا نظرا للمستوى الذي ظهرنا به خلال المونديال الفرنسي. كما لا يمكنني أن ننسى كذلك إحدى الطرائف التي وقعت لي في مشواري الرياضي رفقة المنتخب الوطني، والتي حدثت بالعاصمة السيراليونية فريتاون، حيث كنا نستعد لخوض مباراة حاسمة أمام المنتخب المحلي برسم تصفيات كأس العالم 98، على اعتبار أن الفوز في هذه المباراة كان ضروريا من أجل الذهاب إلى فرنسا. تعود هذه الواقعة إلى الحصة التدريبية التي كنا نعتزم خوضها استعدادا للمباراة الرسمية، فقبل أن أرتدي حذائي لخوض التداريب رفقة زملائي، وجدت بأن حذائي أصبح ضيقا ولم يعد على مقاسي، فوقعت في حيرة من أمري لأنه كان هو الحذاء الوحيد الذي أتوفر عليه، خصوصا أنه لا يوجد زميل آخر له نفس الرقم الذي أنتعله. ولما سألت المكلف بالأمتعة، فاجأني بقوله، بأنه ترك حذائي تحت وطأة الشمس، الشيء الذي جعله ينكمش بفعل الحرارة، فكان الحل بعد ذلك هو البحث عن حذاء بديل، ولكني لحسن حظي لم أجد إلا حذاء المدرب المساعد رشيد الطاوسي الذي يكبرني في السن، لكن حذاءه جاء على مقاسي، فاستعملته بعد ذلك وشاركت في المباراة، وتمكنت من تسجيل هدفين في مرمى سيراليون من بين الأهداف الأربعة التي فاز بها الفريق الوطني. وبعد نهاية المباراة شكرت رشيد الطاوسي على ذلك، لأني فعلا كنت سأقع في ورطة كبيرة، كان من الممكن أن تضيع على فرصة المشاركة في هذه المباراة التي كانت نتيجتها مفتاح التأهل إلى المونديال. أما الموقف الثالث الذي كان أكثر غرابة، ويتعلق الأمر بمرض الحساسية، الذي عانيت منه طويلا، وشكل عائقا كبيرا حال دون إتمام مشواري الإحترافي رفقة ديبورتيفو لاكرونا الإسباني. ففي إحدى الحصص التدريبية وسط جو حار، ظهر انتفاخ كبير بجلدي بشكل يثير التخوف، وهو ما أخبرت به على الفور زميلي التريكي، ولكنه لم يصدق ذلك في بداية حقيقة الأمر، ولكي أظهر له مدى صدقي في ما قلته، خضت معه حصة تدريبية خاصة، وبعد ربع ساعة من الجري ظهر مرة أخرى انتفاخ في جلدي، فطلبت منه أن يقترب مني لكي يتأكد من صدق قولي. وقتها فوجئ اللاعب التريكي بهذا الانتفاخ، وعرض علي العلاج عند طبيب مختص بفرنسا وهو من أقاربه. وأتذكر أنه كلما التقاني بعد ذلك، وإلا سألني بشكل من الدعابة عن الانتفاخ بعد الحصص التدريبية أثناء الجو الشديد الحرارة. غدا مشكل الوزن عند الغزواني وكيف منع من الأكل