حياة الأديب أو الفنان، حافلة بالذكريات الجديرة بأن تسرد ويطلع عليها العموم، بالنظر لوضعه الاعتباري والرمزي. وفي صلب هذه الذكريات، تبرز الوقائع الطريفة، التي – باعتبار طرافتها- تظل محفورة في الذاكرة وفي الوجدان. ولهذه الغاية، كان لبيان اليوم، اتصال بمجموعة من الأدباء والفنانين؛ لأجل نفض غبار السنين عن جملة من الطرائف التي عايشوها في محطات مختلفة من حياتهم اليومية. لفظة الطريف-حسب القاموس اللغوي- هي مرادف للحديث الجديد المستحسن، وهي كذلك مرادف للغريب والنادر من الثمر ونحوه، وحسب هذه الحلقات أن تكون ثمارا ذات مذاق طيب، في هذا الشهر الفضيل. لصوص طيبون! ويحبونني كثيرا كنت قد اطمأننت إلى مجالسي وهو يلقي على مسامعي نصائحه التي تدعوني إلى الانتباه إلى أغراضي الشخصية وعدم تركها في متناول اللصوص، علما بأنه كان قد لاحظ أنني أضع هاتفي النقال فوق الطاولة بنوع من الإهمال، وأنا منشغل عنه بكتابة بعض الخواطر. غير أنه فاجأني بقوله إن هاتفي مشى، بمعنى أنني لن يكون بإمكاني استعادته. وأكد بنوع من الاستفزاز أن الهاتف الذي من حقي أن أحتفظ به هو ذلك ينبغي علي الذهاب لشرائه، ثم ختم خطابه بالقول: - إذا كانت عندك ركبتان، ألحقني! ولبثثت أنظر إليه وأنا في حالة من الاندهاش، غير مصدق إن كان جادا في كلامه أم أنه يمزح فقط، إلى أن اختفى من أمام نظري في رمشة عين، وشعرت حينذاك، بأنني لا قدرة لي على الجري أو حتى مناداته أو مناداة الناس لأجل أن يهبوا إلى مساعدتي في إلقاء القبض عليه. لقد أقنعني هذا اللص الداهية بأن من «يفرط» أو من يتهاون في حراسة ممتلكاته الخاصة، هو أولى بالخسارة. مرة أخرى، حدثت لي واقعة طريفة، فقدت من خلالها هاتفي النقال، فقد كنت أتجول رفقة الفنان الموسيقي محمد المزكلدي، بأنحاء مدينة مراكش، وإذا بأحدهم يصادفنا، ويتوجه إلي بالقول أنا بالخصوص: - الله أكبر، هذا يوم من أسعد أيام حياتي، لأنني أراك وأصافحك.. ومضى قائلا، وهو يشير إلي بأصابعه: -ها هي الأصالة، ها هو الفن الأصيل، إنه يذكرنا بجذورنا.. ثم حدق في وجهي هذه المرة وهو يقول: - يجب أن أعانقك.. وعانقني بحرارة لا مثيل لها، واستمر يغدق علي المدائح، وأسهب في ذلك، ويبدو أنني استطبت هذا السلوك، حيث استطاع أن ينتزع مني الوقت للاستماع إليه، إلى حد أنني شعرت بارتخاء تام، ولم أنتبه حينذاك ولا انتبه مرافقي السي المزكلدي، إلى أنه كان قد أقحم أصابعه الساحرة في جيوبي وأفرغ ما بها من نقود-حوالي ثمانمائة درهم- بالإضافة إلى هاتفي النقال- وهو من النوع الجيد- فعندما انصرف، خاطبني المزكلدي، وأبدى إعجابه بطيبوبة هذا الشخص الغريب الذي التقانا في الطريق صدفة: - رأيت الذين يحبونك، غير أنني لم يسبق لي أن رأيت أحدا متيما بحبك مثل ذلك الشخص! ورغم حرصي على أن أكون منتبها وحاذقا، فإنني لم أعرف كيف أصبح بسهولة ويسر عرضة إلى الخذلان. غير أنني منذ ذلك الوقت، أي بعد أن سرق مني ما لا يقل عن عشرة هواتف من النوع الرفيع، دأبت على شراء أرخص الهواتف، حتى إذا ضاعت لهذا السبب أو ذاك،فإن أسفي عليها لا يكون كبيرا. تضحكني طريقة اللصوص في سرقة مغفلين أمثالي. فبدل التأسف أضحك. هناك مهارة حتى في اللصوصية.