استعادة السجين لحريته، لا تعني بالضرورة، أن هذا الأخير بإمضائه للعقوبة المحكوم بها وراء القضبان سيتمكن من التخلص من عبء الجريمة ومن تكاليفها الحاطة بالكرامة، تماما كما يتخلص الغسيل بالماء والمساحق من الوسخ. فكثيرا ما يتعرض السجين بعد إطلاق سراحه للنظرات المزدرئة والشامتة من طرف الآخرين، فتصبح لديه فكرة إعادة الاندماج في المجتمع صعبة المنال، وحلم رد الاعتبار لنفسه ومحيطه الأسري بالخصوص مجرد وهم لا يستقيم مع مجتمع لا يرحم. فالنظرة الدونية التي تبخس من قدر وقيمة الإنسان لمجرد سابقه سجنية في حياته،هي نفسها النظرة التي قد تدفع أي سجين غادر المعتقل، ولم يتسلح بالعزيمة القوية، للعودة مرة أخرى إلى السجن. إلا أن هناك حالات تمكن فيها أشخاص عانقوا الحرية بعد تجربة السجن ومعاناته، وإن اختلفت قصصهم، من الحصول على الدعم والمساندة من طرف جمعيات مدنية أخذت على عاتقها إعادة تأهيل السجين بعد خروجه من مؤسسات الإصلاح وإعادة إدماجه في المجتمع، وذلك من خلال الرفع من معنوياته لخوض معركة الحياة الكريمة وعدم العودة للسجن. وكذا في الأعمال الخيرية لبعض المحسنين الذين يعملون على انتشال المحتاجين ومن ضنهم السجناء من الفقر. 9- انصلح حاله بعد دخوله السجن بسبب إهمال الأسرة كان (حسن- ل) واحدا من ذوي السوابق العدلية، حيث قضى عقوبة حبسية مدتها أربعة أشهر بسبب إهماله لأسرته وعدم تحمله لمسؤولية الإنفاق عليها. (حسن- ل) الذي لم يكن يتجاوز سنه الثانية والعشرين، تزوج من فتاة كانت تجمعه معها علاقة دراسية أنجب منها طفلا سنة بعد ذلك. يقول (حسن- ل) :»كانت زوجتي تدرس معي في السنة الرابعة إعدادي حيث تعرفت عليها وبدأت منذ ذلك الحين أواصر الصداقة تتعمق بيننا إلى أن تحولت إلى رغبة قوية تحذونا نحن الاثنين في الزواج. كانت عائلتا (حسن- ل) وزوجته، ترفضان مثل هذه الفكرة جملة وتفصيلا، ربما لأنها كانت تعتبرهما مجرد مراهقين ستستدرجهما فكرة الزواج إلى مأزق حقيقي في الحياة، فالزواج مسؤولية كبيرة لابد من الترتيب لها على مستوى الاجتماعي والاقتصادي للعروسين المقبلين على فتح بيت وإنشاء أسرة. وبما أن (حسن- ل) لم يكن بعد خبر تفاصيل الحياة الزوجية خارج الأمور المتعلقة بالعاطفة، فلم يكن يهمه من العلاقة التي تربطه بزميلته في الفصل سوى تحقيق مبتغاهما الذي وهو عقد القران والعيش تحت سقف بيت واحد فقط، دون أن يكثرت أن الزواج يحتاج لترتيبات أساسية على رأسها العمل و بيت مستقل ... يقول (حسن- ل)، « تابعنا نحن الاثنين بعد نجاحنا دراستنا في المرحلة الثانوية، كنا نلتقي يوميا بعد خروجنا من مؤسستينا، ونتداول في كل مايهم مشروعنا الاجتماعي الذي جعلنا من تحقيقه أولوية أولوياتنا. كنا نعرف رأي أهلنا في مسألة الزواج، فهم أقروا بعد أخذ ورد معنا، أن يحصل ذلك بعد إتمامنا للدراسة كشرط أساسي، ثم أردفوه بضرورة أن يكون واحد منا على الأقل حاصل على عمل قبل الزواج...». اعتقد (حسن- ل) وزميلته المتيم بحبها، أن شروط أهليهما تعجيزية، الرغبة من ورائها هو فقط دفعهما إلى التخلص من علاقتهما التي كانا يزنانها بمعيار العاطفة فقط. ولأنهما كانا لا يزالان مراهقين لا يقدران عواقب الأمور، فقد قررا الزواج على طريقتهما «الخاصة «خارج ما اتفق عليه بين عائلتيهما. هذا المستجد سيجعل العائلتين يدخلان في شنآن وتبادل الاتهامات في ما بينهما بل والتهديد بالتقاضي من طرف أهل الزوجة التي اعتبرت ابنتها قاصر غرر بها من طرف عائلة الزوج.... هدأت الزوبعة بين عائلتي العروسين، بعد تدخل ذوي النيات الحسنة من الأهل والأحباب لتطويق المشكل، ليتم عقد قرانهما دون ترتيبات تذكر.. يقول (حسن- ل)،» بعد عقد القران الذي تم دون عرس، اصطحبت زوجتي التي لم تكن راضية على هذا الحال، إلى بيت عائلتي التي خصصت لي غرفة واحدة في شقتنا وهي من ثلاث غرف، وذلك على حساب إخواتي الخمسة بينهم شقيقتان، لم يعجبهم الأمر جميعا، طبعا في بيئة مشحونة كهذه، سوف يتفجر الوضع من جديد: فالأم التي لم تكن راضية على زواجي بهذا الشكل، كانت بين الحين والآخر تعيرني بالمغفل الذي جز به في متاهة الزواج في سن مبكر، متعمدة ذلك أمام زوجتي التي ترد عليها، فتتخل شقيقتاي في كل مرة في الخصام إلى أن أصبح المشكل كبيرا، وهذا وقع رغم محاولات والدي المضنية لمنع والدتي وشقيقتي من التدخل في حياتنا «. غادرت الزوجة التي كانت حامل في شهرها الخامس، بيت الزوجية إلى بيت عائلتها، حيث ستقضي بقية شهور الحمل وتضع مولودا ذكرا. وطيلة هذه المدة،أحجم (حسن- ل) على زيارة زوجته ببيت عائلتها لاعتقاده أن هذه الأخيرة كانت تحرض زوجته ضد والدته.. استمر (حسن-ل) الذي كان عاطلا عن العمل في تجاهل وضعه الجديد كأب ووضع زوجته التي كانت تحتاج إلى مساعدته في تدبير شؤون الأسرة والإنفاق عليها، إلى أن توصل باستدعاء من المحكمة التي طالبته بجملة من التعويضات في قضية رفعتها ضده زوجته، وبرفضه أداء هذه التعويضات حكم عليه بعقوبة حبسية مدتها أربعة أشهر بتهمة إهماله لأسرته. يقول (حسن-ل) « بعد خروجي من السجن، توجهت مباشرة إلى البادية، حيث مكثت شهرا كاملا، بعيدا عن عيون الناس و نظراتهم الدونية. والدتي التي تأثرت كثيرا لما وقع لي كانت تبكي وتعتبر نفسها سببا في سجني. أما والدي فقد تصرف في بعض ممتلكاته ليشتري لي سيارة هوندا أصبحت استخدمها في نقل السمك، بعد حصولي على رخصة السياقة «. بعد خروجه من السجن كان (حسن- ل) قد قرر الطلاق، إلا أن والديه اللذين انتظرا إلى أن هدأت نفسيته وتحرر من تبعات التجربة الممضة التي عاشها في السجن، طلب منه الصلح مع زوجته، وليس هذا فقط بل توجها إلى بيت عائلة زوجته وقاما بإجراءات الصلح.. عادت زوجته إلى البيت حيث استمرت العلاقة بينهما، وتمكن بعد سنوات من العمل والمثابرة، من شراء شقة بمجمع الضحى نقل إليها أسرته التي تعززت بمولودين اثنين ذكر وأنثى.