أبرز الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، يوم الخميس الماضي بطنجة، أن توفير الحماية الناجعة للمرأة والقضاء على كل أشكال التمييز ضدها يعد انشغالا أساسيا للنيابة العامة والسياسة الجنائية في المملكة المغربية. وأضاف الداكي، خلال افتتاح أشغال دورة تكوينية منظمة لفائدة المسؤولين القضائيين في موضوع "تعزيز دور قضاة النيابة العامة في توفير حماية ناجعة للمرأة"، أن هذا الموضوع يكتسي أهمية بالغة كونه انشغال أساسي دائم لكافة أطياف المجتمع من أجل إعادة الاعتبار للمرأة وضمان مساواتها بالرجل واضطلاعها بنفس الأدوار للإسهام في التنمية، وكونه يستجيب للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تعزيز المركز القانوني للمرأة في المجتمع. وأشار إلى أن المركز القانوني للمرأة شهد تحولا كبيرا بعد صدور دستور 2011، الذي كرس مبدأ المساواة بين الجنسين وجعله مبدأ دستوريا، بالإضافة إلى رفع المملكة المغربية جميع تحفظاتها بشأن اتفاقية سيداو، والمصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وأوضح في هذا السياق أن الجهود التي بذلها المغرب توجت بصدور العديد من القوانين المعززة للوضع القانوني للمرأة وحمايتها من كافة الانتهاكات المحتملة لحقوقها، مشددا على أن حماية المرأة تعد من أولويات تنفيذ السياسة الجنائية بالمغرب، ما يفرض تفعيل مختلف القواعد الإجرائية والموضوعية التي يتضمنها القانون الوطني، وفي مقدمتها القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، وتفعيل المستجدات التي تضمنها، والحرص على حسن تطبيقه، وتحديد الإشكاليات التي تتعلق بفهم أحكامه. وحسب ذات المصدر، فإذا كانت الجهود ظلت متواصلة لمواجهة ظاهرة العنف ضد النساء التي تعرف نوعا من عدم الاستقرار من حيث عدد القضايا المسجلة على المستوى الوطني، والتي بلغت خلال السنة الماضية 23 ألفا و 879 قضية، فإن كافة المتدخلين في الموضوع مطالبون بمضاعفة الجهود بهدف تطويق كل الأسباب المؤدية لهذا العنف، وفي ذات الوقت مواجهة المتورطين فيه بكل صرامة وبما يلزم من جزاءات قانونية. وسجل الداكي أن منظور رئاسة النيابة العامة للعنف ضد المرأة والفتاة يتسع ليشمل موضوع زواج القاصر بوصفه انتهاكا لحقوق الفتاة يحرمها من حقها في النمو السليم ويعترض سبيل بناء شخصيتها المستقلة، مؤكدا أن النيابة العامة جعلت مكافحة الزواج المبكر من بين أولوياتها ووجهت عدة دوريات للنيابات العامة تحثها على اليقظة اتجاه طلبات زواج القاصر من أجل الحرص على احترام الشروط التي فرضها المشرع لقبول هذا الزواج ومن أجل عدم التردد في التماس رفض الطلب متى تنافى مع المصلحة الفضلى للقاصر. وتابع أن مقاربة النيابة العامة انعكست إيجابا على تفاعل قضاة النيابة العامة مع الموضوع، حيث ارتفع عدد ملتمسات النيابة العامة برفض الإذن بزواج القاصر من 12 ألفا و 773 ملتمس سنة 2020 إلى 20 ألفا و 200 ملتمسا سنة 2021. وتماشيا مع هذه الأولويات يأتي، وفق الداكي، التزام رئاسة النيابة العامة بتنفيذ مضامين إعلان مراكش 2020، الذي تم توقيعه تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم من أجل تعبئة فعلية لكافة المتدخلين في النهوض بقضايا المرأة من قطاعات حكومية ومؤسسات وطنية وضمان التقائية السياسات العمومية ذات الصلة. ونوه بأن الدورة التكوينية تتزامن مع مرور سنة على دخول البروتوكول الترابي حيز التنفيذ بجهة طنجة التي تحتضن التظاهرة، مشيرا الى أن رئاسة النيابة العامة نظمت قبل أيام، باعتبارها الجهة المنسقة للبروتوكول، لقاء استهدف تقييم العمل به وتنفيذه من لدن كافة الجهات المعنية بتوفير التكفل للنساء ضحايا العنف والاستجابة لحاجياتها بصورة متكاملة وناجعة، سواء تعلق الأمر بالحماية القضائية أو بتوفير الخدمات الطبية أو الاجتماعية وصولا إلى التمكين والاستقلال الاقتصادي والاجتماعي. ورأى أن الدورة التكوينية تشكل أيضا مجالا للنقاش حول الإشكاليات العملية التي تعترض التطبيق السليم لكل المضامين ذات الصلة بالحماية الجنائية للمرأة، والوقوف على الممارسات القضائية الفضلى الكفيلة بتجاوز هذه الصعوبات. وتأتي الدورة التكوينية، المنظمة من قبل رئاسة النيابة العامة بشراكة مع مجلس أوروبا وبدعم من الاتحاد الأوربي، استمرارا لجهود رئاسة النيابة العامة لتعزيز قدرات قضاة النيابة العامة وانفتاحهم على مقاربة حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة بصفة خاصة.