قرار النظام العسكري الجزائري تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون بين بلاده وإسبانيا، يبرز حجم التيه والتوتر اللذان يلفان عسكر قصر المرادية، وإصرارهم على العداء لكامل جوارهم الإقليمي، وتقوية العزلة الديبلوماسية والسياسية التي صارت تلفهم من كل جانب. الخطوة الأخيرة تجاه مدريد، لم تخف السلطات الجزائرية ارتباطها بالموقف الجديد لمدريد، الداعم للمقترح المغربي حول الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، بل اعتبرت أن هذا الموقف «يتنافى مع الالتزامات القانونية والأخلاقية والسياسية» لإسبانيا (كذا...!!!). تدبير هذه الأزمة بين الجزائر وإسبانيا يبقى من مسؤوليتهما معا، ولكن المغرب معني لما تفسر السلطات الجزائرية خطوتها التصعيدية بموقف مدريد من مغربية الصحراء، وهنا يستغرب الجميع من كون جينرالات الجزائر لا يترددون في الترويج بكون بلادهم ليس طرفا في هذا النزاع المفتعل، وفي نفس الوقت هي تشترط الموقف من المغرب في كل علاقاتها الديبلوماسية وشراكاتها الاقتصادية. من جهة ثانية، الأزمة مع إسبانيا تأتي اليوم لتضاف إلى توترات أخرى، سواء مع تونس أو مالي مثلا، أو أيضا مع فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية وليبيا وموريتانيا بطريقة أو بأخرى، وكذلك إلى العجز المستمر عن انعقاد القمة العربية بالجزائر، علاوة على تواصل الاستفزاز في حق المغرب، وتعدد المناورات ضد مصالحه وحضوره في القارة الإفريقية، وكل هذا يكشف اليوم عن عزلة حقيقية للنظام العسكري الجزائري، إقليميًا ودوليا، وتشعب التوترات بينه وبين بلدان مختلفة في المنطقة وخارجها، ما يضعه اليوم في صدارة عوامل الانقسام بالمنطقة، ويهدد استقرار وأمن وتنمية شمال إفريقيا. العديد من المراقبين اليوم يعبرون عن القلق جراء سلوكات النظام العسكري الجزائري، ويخشون من عقليته المتكلسة والعتيقة والمنغلقة، ومن ثم عدم تردده الدائم في خلط الأوراق، وتكرار الاستفزازات في حق المغرب أو بلدان أخرى. نعرف أن جينرالات النظام الجزائري توالت عليهم الصدمات جراء ما تحققه المملكة من انتصارات ديبلوماسية، وأن الموقف الإسباني الأخير وجه لهم ضربة موجعة، لكون مدريد كانت المعقل الأخير لترويج أسطوانته بشأن صنيعته الانفصالية، ولكن بدل أن يفتحوا أعينهم وعقولهم على الواقع، ويبادروا إلى استعادة العقل، والانتصار لمصلحة الشعب الجزائري وكل الشعوب المغاربية، فضلوا مواصلة المناورة ضد المملكة الجارة واستهداف وحدتها الترابية وحقوقها الوطنية المشروعة، وبالتالي الارتماء في المجهول، والإمعان في تأجيج التوترات والانقسامات. يعني هذا أن النظام الجزائري لفه الجنون، وليس له أي استعداد للتخلي عن عناده الباتولوجي، وعن حقده تجاه المغرب، ولو كلفه ذلك مواجهة مصالح وآمال شعبه، ومواجهة كل العالم. المغرب، من جهته، مستمر في الإنكباب على قضاياه الوطنية وتحدياته الأساسية، ولا يجاري النظام الجزائري في حماقاته وجنونه، بل ولا يرد عليها أصلا، وهو يعمل على مراكمة المكتسبات والإنجازات الديبلوماسية والسياسية والتنموية والإستراتيجية، ويتمسك باليقظة لحماية وحدته وأمنه واستقراره وحدوده الوطنية، ويتطلع أن يعود العقل لحكام الجار الشرقي. محتات الرقاص