انطلق المعرض الدولي للنشر والكتاب، وتحتضنه هذه السنة العاصمة الرباط بدل مدينة الدارالبيضاء، التي اقترن المعرض بها طيلة سنين. وبغض النظر عن هذا «الترحيل» المثير للجدل، وأيضا عن عدد من الهفوات التي سجلها المهتمون تجاه التدبير العام لهذه التظاهرة الكبرى، وسيحين أوان العودة إليها وتقييم كل الجوانب ذات الصلة لما يعلن عن اختتام المعرض، فإن المهم اليوم هو أن يحقق معرض الكتاب في الرباط النجاح المأمول، ثقافيا واقتصاديا وإشعاعا ورواجا، أي أن يقبل عليه شعبنا وشبابنا، فضلا عن النخب الثقافية، لأنه بدون هذا الإقبال المجسد للنجاح الجماهيري، فستختل كل مؤشرات النجاح بدون استثناء. يعتبر معرض الكتاب أولا فضاء لعرض جديد الكتب من لدن الناشرين والمطابع، وابتكار أساليب لجذب المقتنين، وتحفيز مختلف فئات الجمهور على الشراء، وتقديم أسعار مشجعة، وأيضا أشكال تواصلية وترويجية من أجل ذلك، ومن ثم يؤمل أن يحقق معرض الرباط نجاحا تجاريا واقتصاديا، وذلك حتى يستعيد قطاع الطباعة والنشر عافيته، وتتحقق دينامية عامة فيما بعد على مستوى طباعة الكتب ومنظومة بيعها وتوزيعها على الصعيد الوطني، ويتطور سوق رواج الكتاب عندنا. وإلى جانب ما سبق، يمثل معرض الكتاب كذلك تجمعا مفتوحا للأدباء والكتاب والمثقفين من المغرب ومن خارجه، وهو مناسبة ليلتقي القراء معهم عبر أنشطة متنوعة أو تواصل مباشر، ويساعد ذلك على الاحتفاء بالمبدعين، وأيضا على تعزيز الوعي الثقافي ونشر المعرفة، خصوصا وسط الأطفال والشباب والتلاميذ والطلبة، وبالتالي التحفيز على خلق جيل قارئ، والمساهمة، إلى جانب المدرسة والأسرة والإعلام وغيرها، في توطيد بناء المجتمع القارئ. وهكذا تكون لمعرض الكتاب قيمة اقتصادية، وأيضا قيمة ثقافية ومعرفية، بالإضافة إلى أنه يساعد على إنماء التبادل الثقافي والتعاون بين البلدان والشعوب بواسطة الكتاب والمثقفين ودور النشر والمؤسسات الثقافية... نأمل صدقا أن ينجح معرض الكتاب بالرباط، وأن يتحقق الإقبال الجماهيري من لدن شعبنا وشبابنا على فعالياته، وأن يتم اقتناء الكتب وحضور الأنشطة الثقافية، لأن ذلك سيعزز الحركية الثقافية لبلادنا، وسيشجع الناشرين والمبدعين على الاستمرار وتطوير المنظومة الاقتصادية والتدبيرية العامة للكتاب والنشر. من جهة أخرى، لا بد أن نجدد التأكيد هنا على أن مدينة كبرى بحجم الدارالبيضاء تستحق أن يكون لها معرض دولي يليق بديناميتها وأفقها، تماما كما أن الرباط بدورها يجب أن تتوفر على معرضها الدولي، وأن يتم تشجيع إقامة معارض أخرى، جهوية ووطنية، بباقي جهات المملكة، وهذا التحدي يقتضي أولا توفير فضاءات وأماكن مناسبة لإقامة مثل هذه التظاهرات الكبرى والمفتوحة، وأن يجري إدراج مختلف هذه المعارض ضمن سياسة عمومية شاملة ومتكاملة لتنمية الصناعات الثقافية، ومن أجل تلبية حاجيات شعبنا في الثقافة، وتقريب الكتاب من الناس وتحفيز بيعه واقتنائه... ولا يمكن أيضا لمعارض الكتب أن تنوب عن ضرورة صياغة سياسة ثقافية عمومية محكمة ومتكاملة، تشمل مختلف الخدمات ذات الصلة، وتعنى بكل قطاعات الثقافة والفنون، وهذه مسؤولية الحكومة، ويفترض ان تنفتح، في ذلك، على المنظمات الممثلة للمبدعين في كل الأصناف والمجالات، وأن تنصت إلى الخبراء والعارفين، وإلى نبض المجتمع. هناك اليوم حاجة إلى النهوض بالقراءة وسط شعبنا وشبابنا، وحتى لدى العديد من نخبنا، وأن يجري استحضار كل التحولات القيمية والسلوكية والتكنولوجية والسوسيولوحية ذات الأثر، ومن الضروري تجسيد الأمر عبر سياسة عمومية وتخطيط استراتيجي واعي... نأمل بداية موفقة لمعرض الكتاب بالرباط، ونتطلع أن يحقق النجاح المرجو، وأن ينعكس ذلك على الدينامية الثقافية العامة ببلادنا، وعلى تلبية الحاجيات الثقافية لشعبنا.. محتات الرقاص