حلول إيجابية تدور في التسويق والمشاريع في عدد سابق تحدثنا بالأحرف الأولى عن تجربة وجود رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال في أنديتنا الوطنية، وتناولنا التجربة من خلال سلبياتها التي ظهرت والتي تحتاج إلى المناقشة والتمحيص والحل. و هذا الحديث لم نقصد به نادياً معيناً أو شخصاً بعين ذاته، إنما كان الحديث عاماً، وانصب حول آلية العمل وطرق التعامل. ولا شك أن هدفنا كان الوصول إلى حالة أكثر إيجابية في التعامل مع الشأن الرياضي المغربي، تحقيقاً للأهداف الرياضية الوطنية، التي تؤمن برياضة احترافية تعلي رايات الرياضة الوطنية في كل المحافل العربية والإفريقية والدولية. لا نريد أن يُفهم من حديثنا أننا ضد وجود رجال الأعمال أو أصحاب رؤوس الأموال في أنديتنا أو في رياضتنا على وجه العموم، إنما نريد أن يرتبط هذا الوجود بعلاقة شراكة منتجة تؤمن بالرأي الآخر، وتنصهر في مصلحة العمل الرياضي. فبداية نتقدم بالشكر الجزيل لكل من دعم وآزر ودفع لرياضتنا، خصوصاً أن ذلك تم بدافع الغيرية الوطنية وحب الأندية التي تشكل العمود الفقري لرياضتنا. وثانياً نتمنى أن يتم تنظيم هذا العمل من خلال تبيان المهام الموكلة إلى رجال الأعمال سواء أكانوا في موقع المسؤولية على رئاسة النادي أو ضمن مجلس الإدارة أو ضمن الأطر الإدارية للفرق وغيرها على حد سواء. وإذا كان رجل المال على سدة الرئاسة في النادي فعليه أن ينسى وجوده كداعم، ليستطيع ممارسة مهامه كقائد، وهذا يؤهله للنجاح. من جهة أخرى من غير المعقول أن ننظر إلى أي داعم مهما كان موقعه في النادي على أنه بنك النادي المتجول، أو على أنه (خروف) لابد أن نضحي به لأجل عيون النادي، وهذان الشيئان مرفوضان تماماً. فرجال الأعمال والداعمون يجب أن توكل إليهم مهام إدارية بحتة تحول أنديتنا إلى واقع أفضل، وتضيف إليها المظاهر الاحترافية، سواء بالشكل العام، أو بالمضمون. وفي البداية لابد أن تتحول أنديتنا إلى العمل بالبرمجيات واعتماد الأتمتة في أرشيفها وفي خططها وفي إستراتيجية عملها، وتطوير المكاتب الإدارية، وتفعيل العمل الاستثماري والمكاتب التسويقية التي ترعى شؤون الإعلان والرعاية. كم نتمنى لو أن هذه الإدارات التي يقودها رجال الأعمال أن تكون قد وصلت إلى تطبيق بعض الشروط الاحترافية التي طلبتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. فقبل كل شيء لابد أن نصل إلى اتفاق بضرورة الفصل بين العمل التقني والعمل الإداري، فالإداريون مهمتهم تأمين المناخ الإداري الجيد، والكتلة المالية الضرورية عبر ميزانية معروفة يتم الصرف منها عبر القنوات الرسمية، والتقنيون يترتب عليهم العمل التقني بدءاً من اختيار الأطر التقنية لكل الفرق، واختيار اللاعبين الوطنيين وغيرهم من أجل التعاقد معهم، ومع فصل السلطات بين الطرفين، فإن تقييم العمل أو المحاسبة لابد أن يكون عبر مجلس الإدارة الذي يضم ممثلين عن كل قطاعات النادي ومفاصله. وحتى لا يكون العمل رهن المال ووجوده ومن يدفع وحتى لا يكون المال رهن الضغوط والطلبات، لابد من البحث عن الاستثمارات لتشكل الكتلة النقدية الرئيسية للنادي، وهذا يتم بالتعاون مع الجامعة الوصية ومع الجهات الحكومية الأخرى، وهنا نجد أمرين: الأول: هناك استثمارات في الأندية ضائعة دون جدوى، وفيها متسلطون، أو مستثمرون استغلوا العقود، أو استغلوا المعارف والأصحاب فصارت قيم عقودهم أقل بكثير من القيم الفعلية للاستثمار، أو هناك خلافات كبيرة وعميقة لابد من البث بها أو الفصل فيها، وأعتقد في هذا المجال فالضرورة تستدعي إعادة تقييم الاستثمار في كل الأندية وصولاً إلى الاستثمار الحقيقي والمجدي. وهنا أشجع رجال الأعمال الداعمين للأندية أن يدخلوا في صلب الاستثمار، حتى يكون دعمهم للأندية شرعياً ودون مَنّ أو فضل، شرط أن يراعي هذا الاستثمار أصول السوق، وكل القوانين والأنظمة. وبالفعل فقد مللنا من الكلمات التي يتحفنا بها الداعمون للأندية وتصب كلها في المَنّ والفضل وحتى التصدق على الرياضة والرياضيين، فهؤلاء غير مجبرين بالدفع وغير ملزمين (بالمقابل) بمثل هذه الكلمات المهينة للرياضة، لذلك نجد الحل بالعلاقة التشاركية المبنية على العمل والمال تحت سقف القانون ودون فضل من أحد. أيضاً مللنا من رؤساء وأعضاء إدارات الأندية الذين يقولون نعمل على حساب صحتنا ووقتنا وبيتنا وأولادنا، فالوطن ورياضته لا يقبلان مثل هذا الكلام، وكفانا سخرية بعقول الناس، ولو أنهم غير مستفيدين لما لهثوا إلى هذه المراكز، ولو أنهم متضررون فعلاً، لما حزنوا واستجدوا الناس ليعودوا إلى هذه المراكز؟. من هنا لابد أن يكون العمل في الأندية عملاً مأجوراً واضح المعالم، فمن غير المعقول أن نجد موظفاً في القطاعين العام أو الخاص يعمل دون أجر، ومن غير المعقول أن نجد لاعباً يقبض الآلاف والقيمون عليه لا يقبضون درهماً. وحتى نخرج من هذه الحالة ''وهو الأمر الثاني'' لابد من وجود مكتب استثمار ورعاية في كل ناد مهمته تطوير الاستثمار والبحث عن الرعاية والإعلان الكفيلين بضخ أموال تنعش صندوق النادي وخزينته، وبالطبع هذا يستوجب وجود مكتب قانوني حتى لا يقع النادي بالمشاكل سواء على صعيد الاستثمار والرعاية والإعلان، أو على صعيد التعاقدات الأخرى والعلاقات العامة والخارجية، وهذا يتطلب أيضاً وجود مكتب مالي مختص، وبهذه القراءة السريعة نحصل على عمل إداري ومالي وقانوني ممتاز يحمي الأندية ويحمي القائمين عليها، كما يؤمن المتطلبات المالية للنشاط الرياضي. قد يقول قائل إن كل ما ذكرناه قد لا يفي بالمتطلبات التي تستوجب مصاريف ونفقات كثيرة وربما باهظة، وهنا لابد من البحث عن المشاريع التجارية الصغيرة التي إن عرف النادي تفعيلها يمكنها أن تدر عليه الملايين سنوياً. ما نقوله ليس من الخيال، لأنه واقع ومعمول به في كل الأندية العربية والعالمية، وإذا كانت هذه المشاريع بحاجة لقوانين فأمرها سهل، والقانون هنا يحمي هذه المشاريع، بل يضمن نجاحها. فالمشاريع الصغيرة تبدأ من استثمار شعار النادي، ولا حدود أو نهاية لها، ومنها إنتاج مصنوعات تخص النادي مثل علب كلينيكس بأنواعها، وتخيلوا هذا المشروع لو طبق بحرفية عالية، وضمن النادي حماية العلامة الفارقة له، فإنه سيجني الملايين منه. فهل نتصور أن نادي الرجاء البيضاوي مثلا، كم سيبيع من علب كلينيكس على مدار الموسم كله، وخصوصاً إذا علمنا أن محبيه وأنصاره بالمئات، ومثله الوداد البيضاوي وأولمبيك آسفي والجيش الملكي...، ولا تقل شأناً عنهم أندية حسنية أكادير والمولودية الوجدية والمغرب الفاسي والفتح الرباطي والنادي المكناسي وغيرها، كل هذه الأندية تملك جمهوراً، وقد يختلف عدده من ناد لآخر، لكن الذي لا يختلف أن هذا المنتج سيلقى الرواج الكامل إن لقي العقلية التجارية القادرة على تسويقه بالشكل الأمثل. ومثل علب كلينيكس بأنواعها، هناك منتجات أخرى كثيرة كالمناشف وواقيات الرأس والأعلام وربطة العنق وأساور اليد القماشية وأساور الرأس، وقمصان الفريق، وكما لاحظنا أن هذه المشاريع تبدأ ولا تنتهي عند حد. فإن استطعنا تطبيق هذه المشاريع الصغيرة أو بعضها، ألا نكون قد استطعنا تأمين إيراد مالي ضخم للأندية يقيها ساعات العسرة والضيق، ويفتح المجال أمامها لعمل احترافي ممتاز؟ ما زلنا نتساءل عن دعم الجمهور لأنديته، والجواب ما زال محدداً على أن دعمه يقتصر على حضور المباريات وشراء تذاكرها، وهذا أمر جيد، لكنه غير كاف. فالجمهور يجب أن يؤازر النادي بكل الأحوال، ومن المفترض أن تبادر إدارة النادي بالتعاون مع جمعيات المشجعين إلى تنسيب الجمهور إلى النادي وإصدار عضويات لهم، مقابل مبلغ شهري أو سنوي (لا فرق)، ومن الأفضل أن تعمل إدارة النادي على تقديم حوافز للجمهور لكي يتشجع على الانتساب. وكلنا أمل أن يتم تفعيل هذا الجانب المهم، لأنه يحول النادي إلى مركز اجتماعي يستقطب فيه أنصاره ويتلقى دعمهم المعنوي والمالي، ويتم التواصل معهم مباشرة أو عبر البريد الإلكتروني أو عبر الرسائل القصيرة. كل هذه الخطوات مهمة وضرورية ويجب أن نراها في القريب العاجل، وكم أتمنى أن أرى نادي المغرب الفاسي والوداد البيضاوي والرجاء البيضاوي (مثلاً) وغيره من أنديتنا مثل ناديي الزمالك والأهلين وهما مثال للناديين الاجتماعيين الرياضيين اللذين يضمان في صفوفهما عشرات الآلاف من محبيهم وتصوروا أن انتخابات هذه الأندية في مصر وغيرها تبلغ أهمية انتخابات مجلس الشعب عندهم وكثافتها، وربما أكثر.