كان وراء بروز مجموعة من الملاكمين من بينهما الأخوان عشيق ... وهكذا، في غفلة منا ومن الزمن ودعنا محمد الزروكي الملاكم والمربي والمدرب، وفي رحيله نودع الرجل الذي أهدى الوطن بطلين أولمبيين، الأخوين عشيق عبد الحق ومحمد. وقد سلم المربي الوطني محمد الزروكي الروح لباريها بعد صراع مع الألم في السنوات الأخيرة. والراحل من مواليد العقد الثالث من القرن الماضي (سنة 1929)، من عائلة مشبعة بالقيم الوطنية، سكنه حب رياضة الملاكمة من خلال إدمانه على الفرجة ومتابعة اللقاءات في «الحلقة»، والتحق بنادي روش موار وهو في سن الخامسة عشر، وتدرب تحت إشراف مدربين أجانب من بينهم «سانشيز» وكغيره من الوطنيين انخرط في النضال والكفاح الوطني من أجل تحرير البلاد يساهم في تمرير السلاح، وعاش النفي في هذه الفترة بسيدي إفني. ولم يتخل عن الفن النبيل وأجرى عدة مباريات في الملاكمة الاحترافية والهاوية.. واجه الملاكم «الزاكوري» بمكناس وأزراق في ثلاث نزلات احترافية، كما خاض حوالي سبعين نزالا في الهواية واختير ضمن أول منتخب وطني للملاكمة شارك في الألعاب العربية ببيروت وأحرز ميدالية نحاسية، وظل محمد الزكوري وفيا للرياضة ومهووسا بالملاكمة، يشتغل في الحانوت خياطا للأبسة البلدية النسوية في درب مولاي الشريف قرب مدرسة الاتحاد و»وعوينة شاما»، وهناك في هذا الحي وعلى غرار العربي الزاولي، وسط دخان المعامل وفي محيط دور الصفيح أحدث محمد الزكوري مدرسة «الطاس» الاتحاد البيضاوي لرياضة الملاكمة واحتضن المواهب والطاقات وكون أجيالا من الملاكمين تحولو الى مدربين من بينهم حرفي الغزواني- بوشعيب نفيل والد البطل هشام نفيل- دوراس- الشينوا- كريم علال- الضاوي. وبعد ذلك أحدث مدرسة أخرى أطلق عليها عنوان «خشبة الحي المحمدي»، مقرها بدار الشباب في الحي، وفي هذا الفضاء استمر الرجل في التنقيب عن المواهب والسواعد المبدعة في فن الملاكمة، وأطر أجيالا من الملاكمين من بينهم الأخيوين عشيق عبد الحي وسي محمد، الهنداسي- ضهورة- كومري وابنه مبارك الزروكي وغيرهم. وكان الأب الزروكي يؤمن أن الحي.. والمغرب.. والساحة الجغرافية الصغيرة يمكن أن تطل على العالم، وظل يؤطر ويكون ويدرب في ظروف صعبة، وبإمكانيات شبه منعدمة وبأسلوبه التقليدي وعصاميته التي يعتمدها في الخياطة كما في التدريب، كان يقهر بملاكميه منافسيه من الأندية، وعلى امتداد التاريخ كانت خشبة الحي المحمدي تغذي عصبة الشاوية والننتخب الوطني بأقوى الملاكمين، ومن هذا النادي البسيط أنتج الأب محمد الزروكي البطل عبد الحق عشيق الذي فاز بأول ميدالية وكانت نحاسية في سنة 1988 في دورة سيول ثم البطل محمد عشيق بمدالية نحاسية في الدورة الأولمبية 1992 ببرشلونة، مساهما بذلك في دخول المغرب تاريخ الأولمبي في الألعاب الأولمبية، وهو المدرب المغربي-العربي والافريقي الوحيد الذي أعد بطلين أولمبيين شقيقين: عشيق عبد الحق وسي محمد، واللذين عايشو الراحل «الرزوكي» يدركون جيدا حبه للرياضة وإيمانه الصادق بالعمل الوطني الرامي الى تأطير الشباب وصناعة الأبطال بتضحياته الجسيمة والتواضع ونكران الذات. فماذا أعطى الرجل وماذا أخذ؟ وكيف انتهى محمد الزروكي؟ انتهى وسط عائلته ينعم بدفئها بعد أن أتعبته الرحلة في دروب الرياضة ملاكما صنع المجد بساعده الأيسر، ومربيا اختار تربية وتأطير أبناء الآخرين مؤمنا برسالة وطنية نبيلة، وكغيره من المبدعين العاشقين للوطن الأب الزروكي نفسه واكتفى بثروة نفيسة يجسدها رصيده الكبير في تحضير الأجيال من الملاكمين. تعازينا الحارة لعائلة الزروكي وللرياضة الوطنية.. با»الزروكي» لم يمت، وسيبقى في القلب وفي الذاكرة.