تثير ظاهرة "حراس السيارات" منذ مدة طويلة، جدلا واسعا وسط مستعملي السيارات بشكل خاص، وبين المسؤولين ومتتبعي الشأن العام والسياسات العمومية للبلاد، وصل صداه إلى داخل قبة البرلمان أكثر من مرة، خاصة لما تعرفه الظاهرة من إشكاليات قانونية حول تدبير هذه المرافق العمومية. وللوقوف على خلفيات هذه الظاهرة، وسبر أغوارها، شدت "بيان اليوم"، الرحال نحو مدينة الجديدة التي تعد نموذجا لأبرز المدن التي تشهد نقاشا واسعا حول تدبير مواقف السيارات، لتكون نقطة انطلاق البحث في حقيقة هذا الموضوع الذي أمسى يؤرق جل المواطنين المغاربة. 8 مليون درهم بداية، لا بد من الوقوف على معاملات هذا السوق، فسوق حراسة السيارات بشقيه المنظم والعشوائي، يعرف رواج رقم معاملات يومي يزيد عن 8 مليون درهم، أي أزيد من 3 مليارات درهم سنويا، حسب ما كشف عنه برنامج 45 دقيقة على قناة الأولى مساء الأحد الماضي. وكشف البرنامج ذاته، أن أزيد من أربع مليون سيارة تتنقل بالمغرب، مشيرا إلى أن أصحابها يؤدون ثمن ركن سياراتهم بقيمة تتراوح بين درهمين إلى خمس دراهم يوميا. وافترض البرنامج، أنه لو أدى كل صاحب سيارة من الأربع ملايين درهمين فقط في اليوم، سيعرف السوق رواج ما قيمته 8 ملايين درهما في اليوم، أي ما يعادل 240 مليون درهما شهريا. وأشار البرنامج نفسه، أن القيمة المفترضة تساوي قرابة 13 في المائة من ميزانية وزارة الصحة لسنة 2021 بحسب قانون المالية. ويعرف هذا السوق الكثير من الخارجين عن القانون، والذين ينصبون أنفسهم حارسين لمواقف دون سند قانوني، مما يعني أن مليارات من الدراهم تخرج من جيوب المواطنين دون سند قانون، كما أن غياب المراقبة وصمت المسؤولين يضيع القيمة ذاتها عن صناديق الدولة. حملات للحد من الظاهرة شهدت مواقع التواصل الاجتماعي، حملات متواصلة تطالب بتنظيم مهنة حراسة السيارات، وتشديد المراقبة على ممتهنيها والحد من جشعهم، خاصة أولئك الذين يمارسونها بشكل عشوائي، ويعطون لأنفسهم الحق في ابتزاز المواطنين والتعامل معهم بعدوانية كبيرة. فبعد حملة "قهرتونا"، و"ماعندكش البادج" في عام 2019، أطلق مجموعة من المواطنين وفي مدن مختلفة خلال الأشهر الأخيرة حملة واسعة تحت وسم "عيقتو"، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تطالب السلطات بوضع حد لانتشار ظاهرة حراس السيارات بمختلف الشوارع والأزقة بالمدن المغربية، التي يفتقر أغلبها إلى مرائب كافية للسيارات، والحد من سطوة أصحاب "السترات الصفراء والبرتقالية" الذين تناسلوا بشكل كبير، ولم يعد المواطن يعرف منهم الحارس الحقيقي من الحارس المزيف. كما يطالب نشطاء الحملة بردع الحراس الذين يطالبون المواطنين بدفع مبالغ تفوق التعريفة المنصوص عليها قانونيا، والمحددة في 5 دراهم للشاحنات والحافلات، و3 دراهم للسيارات، ودرهمين بالنسبة للدراجات، وذلك من السابعة صباحا إلى الثامنة مساء، على أن تضاعف تلك التسعيرة ليلا. احتلال للملك العموي وفي الصدد ذاته، قال الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية، خلال ماي الماضي إن استغلال مرفق وقوف السيارات يدخل في إطار الاحتلال المؤقت للملك العمومي الخاضع لمجموعة من القوانين والأنظمة. وأوضح المتحدث نفسه في معرض رده على سؤال شفوي حول "غياب إطار تنظيمي لمهنة حراسة السيارات"، خلال الولاية التشريعية السابقة، أن "استغلال مرفق وقوف السيارات يدخل في إطار الاحتلال المؤقت للملك العمومي الذي يخضع لمجموعة من القوانين والأنظمة، ولا سيما القانون التنظيمي 14.113 المتعلق بالجماعات، والذي خول للسلطات المحلية والمجالس المحلية ورؤسائها، كل في ما يخصه، صلاحية تنظيم ومراقبة مجال الاحتلال المؤقت للملك العمومي بشكل عام". عشوائية المواقف والتدبير أكد شوقي الناجي رئيس جمعية حراس السيارات بمدينة الجديدة، ومالك حق تسيير المواقف بالمدينة سابقا، أن كل مواقف السيارات عشوائية بجميع المدن المغربية، باستثناء المرائب التي توجد على فضاءات تعود ملكيتها للجماعات. وأوضح الناجي، في لقاء خاص مع جريدة "بيان اليوم"، أن القانون يمنع كراء الشوارع في المغرب ككل، مبرزا أنه على سبيل المثال في الفصل التاسع من دفتر التحملات على مستوى مدينة الجديدة، يمنع منعا كليا على المتعاقد مع الجماعة أن يؤجر للغير، "إلا أنه في الواقع يتم تأجير هذه المواقف لحراس السيارات لليوم الواحد، في الوقت الذي يجب أن تعينهم كأجراء لديها وتصرح بهم لدى الضمان الاجتماعي ويكون لديهم أجر قار". وفي هذا الصدد، ينص الفصل التاسع من عقد تدبير واستغلال مراكن وقوف السيارات والدراجات داخل المدار الحضري لجماعة الجديدة -تتوفر بيان اليوم على نسخة منه-، أنه يمنع منعا كليا على المتعاقد مع الجماعة أن يقوم بكراء هذه المحطة للغير. كما أنه من خلال معاينة الفصل الأول من العقد ذاته، يتضح أن المراكن موضوع الصفقة، والتي يبلغ عددها 52 مركنا، يوجد أغلبها في شوارع عمومية، وليست فضاءات خاصة في ملكية الجماعة. وكشف المتحدث نفسه أن الجماعة على مستوى مدينة الجديدة -على غرار العديد من الجماعات- لا تقوم بتتبع دفتر التحملات من خلال لجنة التتبع، لأن الأخيرة إذا خرجت ستثبت على الحارس عملية الكراء وبالتالي سيتابع قضائيا وستلغى صفقة الشركة، مضيفا أن الجماعة تشتغل بمنطق آخر يقول بأنه إذا تم إلغاء الصفقة غذا لن ترغب أي شركة في إمساك الصفقة، وبالتالي يوجد حسب المتحدث طرفين رابحين هما الجماعة والشركة وطرفين خاسرين هما الحارس وصاحب السيارة. غياب لجن التتبع والشرطة الإدارية واعتبر الناجي أن لجنة التتبع هي من تحمي حقوق الحارس وحقوق الشركة وكذلك صاحب السيارة، مشيرا إلى أن الحارس بدوره ضحية للشركة والجماعة. وقال إن الشركة تفرض على الحارس مبالغ خياليه مما يضطر معه إلى الرفع من الأسعار، ليجد نفسه في صدام مع المواطن. وتابع الناجي، أن هناك حراس سيارات يعملون في مكان واحد لقرابة 30 سنة، وكل شركة تحصل على صفقة لمدة معينة تستغلهم وتمتص دمائهم وتمضي هي الأخرى، حيث أن الحارس لا يربطه بالشركة أي عقد قانوني، وبالتالي أي شركة تحصل على الصفقة من الجماعة، تفرض عليه مبلغا يوميا، وفي حالة رفض تعرضه للابتزاز. تلفيق وابتزاز قال شوقي الناجي الذي كان يسير مواقف مدينة الجديدة بناء على عقد مع الشركة صاحبة الصفقة منذ يناير 2021 -تتوفر بيان اليوم على نسخة من العقد-، إنه كان يعرض حراس السيارات للابتزاز بهدف الرفع من سومة كراء المواقف، موضحا أنه بعد أن تسلمت الشركة الحالية الصفقة من الجماعة عن طريق "وثائق مزورة" ساهم فيها، عمدوا إلى "ابتزاز" حراس السيارات. وأضاف المسير السابق، الذي توقف عن مهمته قبل 3 أشهر بسبب ما اعتبره "صحوة ضمير"، أن حراس السيارات الذين يرفضون طلب الشركة الرفع من قيمة السومة الكرائية، تعمد الأخيرة تحث إشرافه وبمساعدة "بلطجة" إلى إحضار سيدة إلى الموقف وإلباسها زي الحارس "جيلي"، وحين يدخل معها الحارس القديم في نقاش تلعب دور الضحية وتسقط مغمى عليها، ويحضرون شهودا زورا، كما يجهزون شواهد طبية مزورة من أطباء بمدينة أزمور يشتغلون معهم، ويتابعونه لدى الأمن، ويلفقون له تهمة الاعتداء، ويضغطون عليه حتى يرضخ لهم، وهكذا يجبرون أي حارس على الرضوخ لطلباتهم. وأضاف الناجي الذي أعرب أكثر من مرة في لقائنا معه عن استعداده للوقوف أمام العدالة ليأخذ جزاء أفعاله، أن دوائر المدينة الأمنية مليئة بشكايات هؤلاء السيدات الثلاث في حق حراس السيارات، مؤكدا أن "الجماعة تساعدهم لأنها لا تقوم بالتتبع كما أن الشرطة الادارية تترك لهم إمكانية التعدي على هؤلاء الحراس". وأشار الناجي، أنه في البداية قبل "مسرحية التلفيق"، حين يرفض الحارس الزيادة، يتصلون بالشرطة الادارية في المرحلة الاولى، مشددا على أن الشرطة الادارية تتعاون معهم، "مثلا في حالة إن رفض أحدهم إخلاء المكان تأتي الشرطة الادارية لتخيفه، ثم يحصلون على حصتهم من المسألة ويمضون، وإن رفض بعدها ينادون على إحدى تلك النساء، لتقوم بالدور التمثيلي". وفي هذا السياق حصلت "بيان اليوم" على تسجيل مكالمة هاتفية، توثق لاتفاق بين مسير المواقف وإحدى السيدات، على القيام بالمسرحية المعتادة، لتلفيق تهمة الاعتداء على أحد حراس السيارات الذي رفض تقديم مبلغ إضافي كواجب كراء للشركة، لإجباره تحت الضغط لقبول السومة الكرائية الجديدة التي تسعى الشركة لفرضها. تهم التزوير تلاحق مسؤولين استطرد المسير السابق لمواقف السيارات بالجديدة: "أنا أقول بأنني كنت كافرا وأسلمت، أطلب من الله العفو، وأتمنى أن يسلموا هم كذلك، سواء الجماعة أو أصحاب الشركات، أنا قد سبق وأخدت الصفقة بوثائق مزورة أنا وصاحب الشركة وبعض الاشخاص في الجماعة، وقدمت شكاية لوكيل الملك حول التزوير". وأوضح الناجي، أن هذه الصفقة "أهداها له رئيس المجلس البلدي"، مشيرا إلى هذه الصفقة كانت تتطلب ضمانة سنة، إلا أنه "لأجله قلصوها لستة اشهر، وأعادوا صياغة دفتر التحملات وصادقوا عليه في دورة المحلس ليتم منحه هذه الصفقة" مؤكدا على أنها "صفقة مزورة، زورتها بمعية أشخاص من الجماعة وصاحب الشركة". وأضاف المتحدث نفسه: "نحن أيضا كنا تحث ضغط من طرف مستشارين جماعيين كانوا جزءا من هذا التزوير، يجب أن نمكنهم من مبلغ شهري، ومن حين لآخر يتمرد أحدهم فنضطر لرفع المبلغ الشهري له. اضطررت أيضا أن أمثل أكثر من مرة دور المغمى عليه وتم حملي في سيارة الإسعاف، لأضغط على حراس السيارات، عندما أقول لك أنني كنت كافرا وأسلمت فأنا أخبرك بما حدث فعلا، لا أهتم بالعواقب، الأهم هو أن أريح ضميري". تلاعب في صفقات عمومية قدم شوقي الناجي، نهاية يناير الماضي، شكاية لدى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالجديدة، من أجل التزوير في محررات والتلاعب في صفقات عمومية، في مواجهة الشركة التي تدبر المواقف في الوقت الراهن بالمدينة. وجاء في الشكاية التي تتوفر "بيان اليوم" على نسخة منها، أن المشتكي يبلغ بعملية تزوير محررات وثائق رسمية وتلاعبات في صفقة عمومية موضوع مراكن السيارات في مدينة الجديدة، مردفا: "وتخص الشركة التي يترأسها المشتكى به لكوني كنت المسير والساهر على تنظيم هذه المراكن وحراس السيارات". ويؤكد المشتكي في شكايته، أن المشتكى به قام بالاتفاق مع مستشار جماعي ورئيس لجنة الصفقات لكي تؤول له هذه الصفقة بطرق غير قانونية وباستعمال وثائق مزورة". معاملات بمليارات الدراهم خارج القانون كما تم الإشارة إليه آنفا، فإن سوق مواقف السيارات يعرف رواج رقم معاملات يومي يزيد عن 8 مليون درهم، أي أزيد من 3 مليارات درهم سنويا، وهو رقم قد يكون أقل بكثير من رقم المعاملات الحقيقي، حيث كشف شوقي الناجي رئيس جمعية حراس السيارات بمدينة الجديدة، أن أرباح الشركة على مستوى جماعة الجديدة فقط، تصل ل 36 مليون سنتيم شهريا (360 ألف درهم)، تعطي منها للجماعة 90550 درهما (9 ملايين و11 ألف سنتيم)، مؤكدا أنه خلال الصيف تصل أرباح الشركة حتى 150 مليون سنتيم في الشهر الواحد. وأوضح أن ثمن كراء الموقف لحارس السيارات يتراوح بين 50 و500 درهم لليوم الواحد، مشيرا إلى أن هذه القيمة ترتفع حسب فترات السنة. الفتات للحارس كشف الناجي، أن الحارس لا يتبقى له سوى العرق والشقاء، مشيرا إلى أن هناك من أمضى 10 سنوات في مكان معين، أو 30 سنة حتى صار يعتبره مكانه، مردفا: "نحن استغلينا عدم وعيه، فالحارس عندما سيدفع 500 درهم في اليوم، ولا يتبقى له سوى 30 أو 50 درهم، لو كان واعيا لن يقبل". وأضاف المتحدث نفسه أنه في حالة تهاطل الأمطار أصحاب السيارات لا يغسلون سياراتهم في المواقف، ويصبح الحارس مدينا للشركة، وتتراكم ديونه، حيث أن المواقف التي تشهد ظاهرة غسل السيارات يتم كرائها من طرف الشركة للحراس بثمن أغلى. وتابع: "عندما يكون الحارس يدفع 50 درهما مقابل كراءه مكان، ثم عندما ترتفع الحرارة تجعلها الشركة 150 درهما، سيتحمل ويتوجه لصاحب السيارة، ويلزمه بأداء 10 دراهم، دون أن نتحدث عن دخول الصيف". وأشار إلى أن هناك مواطنون يخافون، يرون أن عدم دفعهم للمقابل سيترتب عليه إيذاء هذا الأخير لسيارتهم، خاصة أن الحارس يظل مجهولا. هذا، ويشار إلى أنه حسب الفصل الثالث من عقد تدبير واستغلال مراكن وقوف السيارات والدراجات داخل المدار الحضري لجماعة الجديدة، فإن المستغل -الشركة- يتعهد باحترام الأسعار المحددة بالقرار الجبائي الجماعي المستمر والمحددة في درهمين لكل من السيارات والعربات والخيل والحمر، ودرهم واحد للدراجات العادية، ودرهم ونصف للدراجات النارية، و5 دراهم للشاحنات. كما أن الفصل الرابع من العقد نفسه، يقضي بالتزام المستغل بتقديم وصل لكل صاحب دراجة أو سيارة يحدد فيه اسم الحارس وساعة الحراسة والثمن الواجب أداءه. غيض من فيض هذا وتبقى مدينة الجديدة مجرد عينة، وغيض من فيض، مما يقع داخل أغلب المدن المغربية، حيث أينما حللت وارتحلت، بمجرد أن تقف بسيارتك في أي شارق أو زقاق ستجد مرتدي "الجيلي" الأصفر يقف أمامك ويطالبك بدفع مبلغ من المال، أقله درهمين. كما أنه لا بد من الإشارة، إلى أنه في الأشهر الأخيرة اشتدت حدة احتجاجات أصحاب السيارات الرافضين للظاهرة، مما باتت معه تتزايد الاصطدامات بين هؤلاء السائقين وحراس السيارات، والتي تنتهي غالبا بحضور العناصر الأمنية. وفي هذا السياق، أعلن عدد من رؤساء الجماعات على مستوى التراب الوطني، عن مجانية جميع المواقف، مما أضحى يطرح معه تساؤل: هل نحن أمام بداية نهاية الظاهرة ؟ وما إذا كانت باقي الجماعات ستحدو حدوهم وتتخذ نفس الإجراء؟ ثم هل يجب انتظار المنتخبون ليتراجعوا عن قرارات غير قانونية أصلا أم أنه على السلطات الوصية والساهرين على نفاذ القانون الضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه ابتزاز المواطنين وفتح تحقيقات في الصفقات المشبوهة لوضع حد لتبديد المال العام ؟ *** 4 أسئلة للدكتور يوسف حنان المحامي بهيئة الدارالبيضاء قال الدكتور يوسف حنان المحامي بهيئة الدارالبيضاء، إن الرصيف الذي يقع في الشارع العام لا يعتبر ملكا للجماعات، ويعتبر ملكا عموميا، مؤكدا أنه ليس للجماعات الحق في كرائه بأي صيغة كانت وأن استغلال هذه الأرصفة على الشارع العام تتخد بطريقة غير قانونية. وشدد الدكتور حنان في حوار أجرته معه "بيان اليوم"، على الرخص التي تمنحها الجماعات لبعض الأشخاص لاستغلال الرصيف على مستوى الشارع العام غير قانونية من أساسها، موضحا أن الجماعة لا تملك الرصيف حتى تقوم بكرائه. وأضاف الأستاذ عينه أن بعض مقتضيات القانون المتعلق بالجماعات الترابية رقم 14.113 كالمادة 94 منه لا تخول بأي وجه من الأوجه للجماعة القيام بهذه التصرف أو هذا الفعل، لأن مقتضيات هذا القانون خولت للجماعات فقط تنظيم هذه الفضاءات والحفاظ عليها وكذلك استخلاص الرسوم التي فرضها القانون. وهذا نصح الحوار: أضحت ظاهرة "حراس السيارات" أو ما يعرف ب"مول الجيلي" تثير كثيرا من الجدل على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، كما بات ينتج عنها كثير من التصادمات بين ممتهني هذه الظاهرة وسائقي السيارات، فكيف ترون هذه الظاهرة؟ بداية أؤكد على أن هذه ظاهرة جد سلبية، ونعيشها يوميا في جميع المدن، وهي مكلفة ماديا ونفسيا لأصحاب السيارات وعائلاتهم، ومن الجانب القانوني لا بد من تنوير الرأي العام والمواطنين بالجوانب القانونية للظاهرة، التي تتخد أبعاد مختلفة. الأستاذ يوسف، بداية، في العديد من المدن خاصة الكبرى، توجد مواقف ومرائب تسيرها شركات، فما هو الوضع القانوني لهذه المرائب ؟ فيما يخص المرآئب أو مواقف السيارات المملوكة للجماعات، والتي تقوم الجماعات بتجهيزها وتوفير جميع وسائل الحماية للسيارات، فهي مادامت في ملك الجماعة ومشيدة فوق أرض مملوكة لها، فإنه يمكنها أن تستغله بشكل مباشر وتفرض رسوم أو أتاوى مقابل ركن السيارات، أو تفويض ذلك لشركة أو شخص طبيعي -أي منحه رخصة في إطار دفتر تحملات يتضمن العديد من الشروط والأحكام-. إلا أنه لابد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن الذي يحدث على أرض الواقع، هو أن الشركات أو الأشخاص التي تكتري من الجماعة أو يفوض لها استغلال هذه المواقف، عوض أن تستغله في إطار دفتر التحملات والتقيد بأحكام القانون وتقوم بتأجير الحراس الذين يكونون تابعين لها ويكون لهم أجر شهري، فإنها تقوم بإعادة كرائه أو تفويضه للحراس وتتركهم مباشرة في صراع مع المواطن، وهذه العملية غير قانونية وتساهم بدورها في زيادة تكلفة الركن في مواقف السيارات التابعة أو المملوكة للجماعات المحلية على اعتبار أنه حسب القرار الجبائي المتعلقة بواجب الركن في الأماكن المملوكة للجماعات الترابية، فإن المبلغ محدد في 3 دراهم عن السيارات ودرهمان عن الدراجات النارية و5 دراهم عن الشاحنات بغض النظر عن مدة التوقف. بعيدا عن المواقف والمرائب الخاصة، تعمد جماعات إلى كراء أرصفة الشارع العام أيضا لبعض الشركات لتسغلها كمواقف للسيارات، مدى قانونية هذا التفويت؟ بخصوص الرصيف الذي يقع في الشارع العام يجب التذكير بداية أنه لا يعتبر ملكا للجماعات، ويعتبر ملكا عموميا، وليس للجماعات الحق في كرائه بأي صيغة كانت واستغلال هذه الأرصفة على الشارع العام تتم بطريقة غير قانونية. في العديد من المدن وخصوصا المدن الكبرى كمدينة الدارالبيضاء نجد أن نسبة كبيرة من الأرصفة تمت صباغتها باللون الأزرق ووضعت فيها عدادات للأداء، مقابل درهمين "2 دراهم" عن الساعة الواحدة، بحيث نجد أن الجماعات تقوم بعقد صفقات مع بعض الشركات تتولى بموجبها هذه الأخيرة استخلاص مبالغ الوقوف، وفي حالة عدم الأداء يقوم الشخص التابع لهذه الشركة بعقل السيارات عن طريق وضع اللاقط بعجلة السيارة "الصابو". أو نجد أن الجماعات تقوم بمنح رخص لبعض الأشخاص لاستغلال الرصيف على مستوى الشارع العام في حين أن هذه العملية غير قانونية من أساسها، لأن الجماعة لا تملك الرصيف حتى تقوم بكرائه، وبعض مقتضيات القانون المتعلق بالجماعات الترابية رقم 14.113 كالمادة 94 منه لا تخول بأي وجه من الأوجه للجماعة القيام بهذه التصرف أو هذا الفعل، لأن مقتضيات هذا القانون خولت للجماعات فقط تنظيم هذه الفضاءات والحفاظ عليها وكذلك استخلاص الرسوم التي فرضها القانون، ونعني بالقانون هنا القانون الصادر عن السلطة التشريعية والذي يتعلق بالضرائب والجبايات والذي يعتبر إلى حد الساعة خاليا من أي نص قانوني يخول للجماعة استخلاص مبالغ عن مجرد الركن في رصيف الشارع العام، بما في ذلك القانون رقم 07.39، وذلك تفعيلا للمبدأ القائل بأنه لا جباية ولا ضريبة إلا بنص خصوصا أن أصحاب السيارات يؤدون الضريبة على السيارات التي تعتبر مقابل عن كل هذه الخدمات بما فيها استغلال الشارع العام. وبالتالي فإن ما تقوم به الجماعات عن طريق إبرام صفقات تتعلق بكراء الرصيف الواقع في الشارع العام أو منح تراخيص لفائدة بعض الأشخاص من أجل ذلك يعتبر غير قانوني، ويشار إلى أن المحكمة الإدارية بالرباط سبق لها أن أصدرت احكاما قضائية خلصت فيها إلى أن هذه العلمية التي تقوم بها الجماعة غير قانونية. بل الأكثر من ذلك فإن الفعل لذي تقوم به الجماعة يقع تحت طائلة عقوبات القانون الجنائي ويمكن أن يؤدي بالجماعات إلى المسائلة الجنائية طبقا للفصل 243 من القانون الجنائي المتعلق بجريمة الغذر والتي يمكن أن يتابع بها كل موظف عمومي طلب أو تلقى أو فرض أوامر بتحصيل ما يعلم أنه غير مستحق أو أنه يتجاوز المستحق. استغلال هذه الأرصفة على الشارع العام تتم تتخذ عدة صور، منها ما أشرت إليه، ومنها أيضا تعمد بعض الأشخاص بشكل ذاتي إلى تنصيب أنفسهم كحراس لسيارات ببعض الأزقة والأرصفة، في رأيكم كيف يجب أن يتم التعامل مع هذه الحالات أيضا؟ طبعا، ومن صور الفوضى وألا قانون المنتشرة حول هذا الموضوع هو أننا نجد بعض الأشخاص يرتدون "جيلي" بلون أصفر أو أزرق ويقفون بالرصيف بالشارع العام، وكل شخص قام بركن سيارته يطالبونه بدفع مبالغ مالية مقابل الركن، بل وأحيانا يفرضون الأداء قبل المغادرة بمجرد ركن السيارة وفي حالة عدم الأداء يكون صاحب السيارة عرضة للابتزاز وأحيانا الاعتداء اللفظي وحتى المادي والتهديد، وهذه الفئة يجب التعامل معها بصرامة من جميع الجهات المسؤولة؛ بحيث تجب متابعتهم من طرف النيابة العامة من أجل الابتزاز والتهديد والسب والقذف في حالة إثبات المواطن ذلك وتقدم بشكاية في الموضوع. كما أن الضابطة القضائية بجميع أنواعها يجب عليها التدخل لوضع حد لهذه الظاهرة مع الإشارة إلى أن الشرطة الإدارية بدورها تتحمل المسؤولية في مراقبة الرصيف ومن يستغله وصفته ووضع حد لهذه التجاوزات. عبد الصمد ادنيدن تصوير: أحمد عقيل مكاو