أكد الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة مولاي الحسن الداكي، الخميسالماضي بالعيون، عزم جميع هيئات ومهن العدالة على الانخراط بشكل قوي في تنزيل النموذج التنموي الجديد. وسجل عبد النباوي، في مداخلة خلال الملتقى الثالث للعدالة حول موضوع "العدالة في النموذج التنموي الجديد"، أن العدالة تتبوأ مكانة بارزة ضمن التقرير الختامي للجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، مؤكدا أن هذا التقرير قدم عدة توصيات للعدالة لكي تضطلع بدورها الكامل في التنمية، لاسيما تعزيز الحقوق والحريات وتقليص آجال البت في القضايا، وتبسيط المساطر ورقمنتها وتخليق منظومة العدالة. وأضاف أن السلطة القضائية بصدد إطلاق عدة مشاريع تهدف إلى استكمال البناء المؤسساتي للسلطة القضائية وتعبئة الموارد المادية والمالية للسهر على حسن سيرها، وتأمين الحقوق والحريات، وضمان أن تشكل العدالة مصدر ثقة للمواطنين والمستثمرين وفق أهداف النموذج التنموي الجديد. وأشار إلى أن الارتقاء بالأداء القضائي وتسريع وتيرة البت في القضايا يرتبطان بالتحول إلى الرقمنة من أجل تقليل التأخير والقضاء على تراكم القضايا داخل المحاكم، وضمان نجاعة العدالة، موضحا أن السلطة القضائية عملت على تنويع برامج التكوين المستمر الذي توفره للقضاة في مجال حقوق الإنسان وغسل الأموال والمادة التجارية، وفق ما أوصى به في تقرير اللجنة الخاصة. وفي ما يخص تخليق العدالة، أوضح عبد النباوي أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية شرع، بتنسيق مع رئاسة النيابة العامة، في مسلسل تعزيز الأخلاقيات في هيئة العدالة، من خلال تفعيل مدونة الأخلاقيات القضائية. من جانبه، أكد الداكي أن رئاسة النيابة العامة قامت، وعيا منها بأهمية الانخراط في تنزيل النموذج التنموي الجديد، بتشخيص الوضع القضائي الراهن وأنجزت تصورا حول الموضوع، واقترحت مجموعة من الإجراءات التي تعتبرها كفيلة بالرفع من مستوى مساهمة القضاء في تحقيق التنمية. وأبرز، في هذا الصدد، أهمية الدور الذي يضطلع به القضاء في تحقيق التنمية، وتحفيز وتشجيع الاستثمار وحماية ممتلكات الأفراد والجماعات وتأمين المعاملات وضمان الحقوق والحريات الأساسية وإرساء مناخ يشجع على الإبداع والابتكار، باعتبارها مقومات رئيسية لتحقيق التنمية المستدامة، مضيفا أنه لا يمكن تصور تحقيق تنمية دون توفير شرط الأمن، وهو ما تساهم النيابة العامة في تحقيقه من خلال تنفيذها للسياسة الجنائية وردع كل أشكال السلوكات التي تمس بالأمن والنظام العام. وشدد رئيس النيابة العامة على ضرورة تعزيز ثقة المواطنين في عدالة بلادهم، عبر بناء جسور التواصل وتحصين العمل بالقيم والممارسات الفضلى وجعل المحاكم فضاءات لإنتاج عدالة ناجعة وقريبة من انتظارات المواطنين، وفضاءات للثقة والاطمئنان، موضحا أن ذلك مرتبط بتحديث منظومة العدالة ورقمنتها، وتكريس الأمن القضائي والتطبيق السليم والعادل للقانون والفصل في المنازعات والدعاوى داخل آجال معقولة. ومن جهته، أعلن وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أنه سيتم إطلاق ورش تشريعي كبير لإعادة النظر في القوانين المنظمة لممارسة مهن المحاماة والتوثيق والمفوضين القضائيين والخبراء القضائيين والتراجمة المقبولين لدى المحاكم. وأكد وهبي، في كلمة تليت بالنيابة عنه خلال هذا الملتقى، أن عملية الإصلاح هذه تهم تحديث آليات العدالة الجنائية، وتعزيز وسائل مكافحة الجريمة، من خلال مشروع مراجعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، وإحداث الوكالة الوطنية لتدبير وتحصيل الأموال والممتلكات المحجوزة والمصادرة، ومشروع مدونة حقوق الطفل، وتوسيع دائرة المستفيدين من صندوق التكافل الاجتماعي. وتابع أن مشاريع إصلاح منظومة العدالة قيد الإعداد ستشمل أيضا القوانين المتعلقة بالإرهاب والطب الشرعي والاتجار بالبشر والعنف ضد المرأة، فضلا عن إحداث البنك الوطني للبصمات الجينية والمرصد الوطني للإجرام، مضيفا أن وزارة العدل بصدد إعداد دراسة حول مشروع إقامة مدن قضائية خارج المدن وستضم جميع المحاكم. وأوضح أنه ستتم إقامة هذه المدن القضائية في كل من الرباط والدار البيضاء ومراكش، وذلك لتقريب العدالة من جميع مكونات المهنة والمتقاضين. وبالنسبة للوزير، تعتبر آلية التشريع من بين الانشغالات الرئيسية لوزارته في مسار بناء دولة القانون والمؤسسات، وتعزيز الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية، من خلال نهج حكامة تعتمد على تحديث الترسانة التشريعية في مجالات التجارة والمال والأعمال، وفق مقاربة تشاورية مع السلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة وباقي الهيئات القانونية والقضائية ذات الصلة، بما يتماشى مع انتظارات المواطنين. وسجل أن تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد قدم عدة توصيات لضمان السير العادي لمنظومة العدالة، وتجاوز اختلالاتها ومنها طول أمد البت في الملفات القضائية، والنقص في الكفاءات وضعف الشفافية، وقصور السلوك والأخلاقيات، مما يولد عدم ثقة المواطنين في العدالة، بالرغم من الإصلاحات التي تم تحقيقها خلال السنوات الأخيرة. وأشار وهبي إلى أن الإصلاح العميق لمنظومة العدالة سيتم تنفيذه على النحو الموصى به في هذا التقرير، بتنسيق مع مختلف الفاعلين في هذه المنظومة، بهدف الرفع من مستوى العدالة ومن جودة أحكامها وخدماتها، والسعي لخدمة المواطنين وضمان حقهم في التقاضي، توطيدا لعدالة ناجعة ومنصفة. وتضمن برنامج هذا الملتقى، المنظم تخليدا للذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء، عدة مداخلات حول "العدالة في النموذج التنموي الجديد"، و"آفاق النهوض بالعدالة والمحاماة في النموذج التنموي الجديد"، و"دولة الحق والقانون وإصلاح العدالة رافعة للتنمية"، و"انتظارات العدالة في النموذج التنموي الجديد". وقد جرى افتتاح هذا الملتقى بحضور، على الخصوص، الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية محمد عبد النباوي، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة مولاي الحسن الداكي، ووالي جهة العيون – الساقية الحمراء عامل إقليمالعيون عبد السلام بكرات، ورئيس المجلس الجهوي سيدي حمدي ولد الرشيد.