للكاتب المعروف عباس محمود العقاد كتاب يحمل عنوان «ساعات بين الكتب». استحضرت هذا العنوان على إثر حالة الهلع التي أصابت الكثيرين في مختلف قارات العالم عند توقف بعض منصات التواصل عن الاشتغال: الفايسبوك والواتساب والأنستغرام وو.. يوم الإثنين الماضي، كان قد أصاب هذه المنصات عطب مفاجئ، كل الأعطاب عادة ما تكون مفاجئة. كانت هذه الواقعة مختلفة عن سابقاتها، بالنظر إلى أن إصلاح العطب، تطلب وقتا أكبر، امتد لعدة ساعات، أكثر من ست ساعات. كانت هذه الفترة الزمنية من التوقف، رغم محدوديتها، كافية لكي تحدث رجة قوية في الحياة اليومية الرتيبة لمستعملي وسائط الاتصال المعطوبة المشار إليها آنفا. لنتصور كيف صارت حياة الناس ذات ارتباط وثيق بالتواصل الافتراضي. لقد صار شبيها بالسيروم الذي يتم إيصاله بذراع الإنسان وهو على فراش المرض. يمكن في أي لحظة أن يختل توازنه الصحي. ذلك ما وقع بالضبط يوم الثلاثاء الماضي، بمجرد أن أصاب العطب بعض وسائط الاتصال الأكثر انتشارا، اختل التوازن النفسي للعديد من مستعمليها. أخذ الكثيرون يبثون شكواهم، ويتساءلون متى سيتم إصلاح العطب، في حين اغتنم البعض الآخر الفرصة للتهكم من هذا النوع من وسائط الاتصال الذي يعاني من الهشاشة. وقد تأكد ذلك فعلا في ما بعد، حين بلغ إلى علم الجميع أن من اخترق منظومة الفايسبوك والواتساب وما إلى ذلك.. وأحدث عطبا بها، لم يكن سوى صبي لا يتجاوز عمره عشر سنوات. ساعات معدودة من انقطاع وسائط الاتصال تلك، أصابت الكثيرين بالهلع، وأخذوا يتساءلون: ترى كيف سيكون حالنا دون فايسبوك وواتساب ووو…؟ كيف يمكن لنا أن نعيش وأن نتصرف بدونها؟ «هذا المساء، حين انقطع الفيسبوك، ارتديت جلبابي الريفي وخرجت». هكذا عبر أحدهم بنبرة صادقة وساذجة في آن واحد. حاول البعض أن يستحضر الظروف التي كنا نعيش فيها قبل اختراع هذه اللعب الهشة التي تسمى وسائط الاتصال الافتراضي. لم يكن هناك غير الهاتف الثابت وكان يجب أن تنتظر الشخص الذي تريد التواصل معه إلى أن يعود إلى بيته في المساء؛ لتهاتفه وتتحدث معه قليلا من الوقت. كانت الفاتورة مكلفة. ما تبقى من الوقت كنا نعيش الحياة الطبيعية، الحياة الواقعية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. في وقتنا الحاضر، هيمنت الصورة وكثر اللغط وصارت العلاقات يطغى عليها الابتذال وتم الكشف عن العديد من الأمور الحميمية بشكل سوقي. أكيد أن وسائط الاتصال الإلكترونية، لها قيمة كبيرة في حياتنا اليوم، غير أن العديد من الناس أساؤوا استعمالها، وصارت تتحكم فيهم بدل أن يتحكموا فيها، ولهذا كان طبيعيا جدا أن ينتابهم الشعور بالهلع حين أصابها العطب. لقد تم إصلاح تلك الوسائط المعطوبة بعد ساعات قليلة، لكن هيهات، عطبهم هم لن يكون قابلا للإصلاح ولو بعد دهر.