إلى الأمازيغي الحرير يغنج من بين أصابعي ألحانا وأنا اسمع نبضه في نظرة عينيه الحادتين بعد الطقس المقدس باندغامنا. رشقنا ما تبقى من كأسينا باتجاه المحيط. «هنا سيختمر الماء ويصيح الحوت سكرانا من رشفة لحن لم تعزفه أنامل قبلنا» «هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر...» يتناغمان معا.. «ارحم القلب الذي يصبو إليك..فغدا تملكه بين يديك» المدن تمر من بين يديَّ كخيط غازلة ماهرة تربط العقد يبعضها وتحيل الخيط حبلا يشد كل الأمكنة لخاصرتها «لا تأبه للأماكن أينما ُوجدتَ سأكون.. وعندما تأتيني قائلا «هييت لك» ستجدني وقد طرزت الجبال والسهول حريرا والمحيط سيركن إلى سرتي مبتسما. لكن إياك أن تقشر الحرير عني بقوة ..سيتحول إلى سلك شائك إذا ما اقتحمته بقسوة.. ناغيه بلحن عود رنان، وتر على وتر لنبدأ رقصتنا تلك التي ولدتها الرغوة..ترى هل ستعرف كم هي عدد حبيبات الرغوة؟ كم من هذيان ينتابني وأنا أعزف الموسيقى على جلدي «غن صوتك جميل» قالها لي مرة أحدهم في قارة أخرى لا استطيع الغناء إلا على دقات الطبول الأفريقية وغنيت أغنيتي .على إيقاع قلب مسته نظرة صامتة،قميص أزرق ويد سمراء ناعمة كيدي فنان. «كما لو كنا نتجول هناك» قال «اختصرت السنوات في لحظة» نعم.. رنوت إليه بنظرتي وكأنه سيسكن لحن يديَّ عمرا. وهاهو يعود أحقا؟ ترى متى يلفحني صوتك بضمة شوق جديدة..خارج اتزان عتبات البوح؟ أريد بوحا متوهجا لا يحتمل برودة الطقس..يرفض التطوع لجدار القسوة. «كنتَ قاسيا..» «كانت قسوة مفبركة قسوتُ علينا لأجل من أحبهم» «وأنا لست منهم»؟ تحملت وزر عشق هارب مني. عندما يشم الجلد الروائح البعيدة لا أحد يعرف كيف تنسرب أفريقيا بروائحها إلى جلدي وكأنها ترسل لي إشارات الوصول. غافية كنت على جدار الحلم بك.وإذا بصوتك يخترق المسافات التي غفت لعمر مضى شهران مرا ولم اسمع منك كانا أطول من كل العمر الذي مضى. خطوط القميص تذكرها؟ اخضر على ازرق وزهري وبنطلون جيمس لا تأتيني ببدله رسمية، تعال كما عرفتك ها هو مارس قد أهل. علينا. أوراق الشجر اخضرت وزهر اللوز بدا يتفتح ويفتح عينيه باتجاه الشمس ودقات القلب تواءم نفسها لبياض النوار حتى أحيط قلبك بمساحة من الضوء لتلقفه شعلة واحدة أردت التغزل بك، لكن هي نفس الرزانة تكبل لساني.. شفتاك التي أوجعتني لمسا بحرق القلب. يااااااه كم اشتاق أن تعزف شفاهنا موسيقى روحينا.. موسيقى نظرة عينيك. هي نظرتك تشق الفضاء غنجا إلي. هي نظرتك لا استطيع معها إلا الانعطاف إلى مواكب البحر الشاسع. رحلة كانت في باص صغير من صوفيا إلى فيتوشا. ماذا يقولون عن الفتاة بالمغربي؟ مولاتي هالعيلة مولاتي ربما لا الفظها بالشكل المضبوط، فات عليها سنين كثيرة.، يبدأ مالك بالغناء بصوت بربري لم اسمع أجمل منه في حياتي. مالك كان يعيش معه في نفس الغرفة..كنت استغرب لقربهما.. على قهوة في كازا من تلك المقاهي الشعبية جلس شاب اسمر كمالك بالضبط قال انه بربري استغرب هذا الحدس الذي ينادي هؤلاء الشباب في مخيلتي أأكون تلك المرأة الوحشية أم أني تُركتُ ذات سفر على هامش غابة ..أو أكون ابنة لتلك الأفاعي المخيفة. لماذا تلفحني إفريقيا بوهجها. يتسع الأفق.. عيناي تودان أن تعبراه سريعا لأصل ذلك الشاب القادم إلي من بعيد. لا يعقل ما زال هو كأن السنين لم تمر عليه. بل ازداد جمالا.. يغيب ثم يعود حتى انطفأ قلبي من شدة الغياب فلم أعد أتقن الأغاني وها أنا أغني ... عادة الأغاني أن تفتك بنا من تحت زنار الغيب وتحضر الأحباب الذين ماتوا.. عادة الأغاني أن تغرس العيون الغائبة في شجرتي مرة أخرى يا لهذه الأغاني التي تنطف من جبيني سحبا ثقيلة.. خلعت عني نفسي نهائيا..أتحت لأقدامي النهوض من سكينتها وشللها الدائم. خلعت الحروف ولبست اللحن.. على رؤوس الأصابع بدأت. أتأرجح والموسيقى تنعفني حتى سقطت مجرحة النوافذ ..لم يتبق جارور إلا وفتح وأطلت من بين الأغراض الرسالة التي أصبحت كبخور قديم يعطرني كلما جنحت للموت فأحيتني «أحييتني باتصالك». قلت له «لا يمكن أن يمر مارس ولا أتصل بك وأنت المرأة..» ها أنت ستتحول من سياسي لشاعر ضحك «والنبي محمد ولد في مارس» قال «إذن اقتدي به. تزوج إحدى عشر امرأة» ضحك بصوت عال وقهقه والقهقهة غريبة عليه. لم اسمعه يقهقه بتلك الصورة.. فرحت لابتزاز القهقهة منه «سلمي على كل من تحبينهم لأني أحب كل من تحبيه» يااااااااااه يعني هو ما زال يحبني.... كان يحبني دون كلام ها أنا أتعطر بجملة أخرجتني من عالم الغياب. العرق بتصبب من رؤوس أصابعي. ها أنا أسمع اللحن من إفريقيا إيقاع أغنية عبدا لهادي بلخياط يسير على جلدي بينما أتخيله يستمع وكأس باخوس أمامه.. موسيقى لا تسمع إلا على إيقاع محبين يلتصقا كتفا إلى كتف وحبا إلى حب.