«تغريبة ليون الأفريقي» أو عندما تكون الفرجة أهم من تقديم حقائق تاريخية توفق مخرج مسرحية «تغريبة ليون الافريقي» في تجسيد نص مسرحي على الركح، ربما قد يستعصي على الكثير من المخرجين، بالنظر إلى أنه موجه إلى القراءة، من خلال قيامه بحفريات في ذاكرة شخصية تاريخية، هي حسن الوزان. وكان رهان مخرج المسرحية بوسلهام الضعيف، هو تقديم فرجة مسرحية، أكثر من السعي إلى تسليط الضوء على مرحلة تاريخية، تهيمن عليها صراعات بين القبائل، بسبب الاختلاف العقائدي. الابداع هو صنو الخلق والتجديد، وقد كان مخرج المسرحية، واعيا بهذا المبدأ، ولهذا غامر واجتهد في خلق مشاهد مسرحية تتسم بالجدة، وهذا يبرز انطلاقا من أول مشهد من مشاهد المسرحية،عندما ينخرط شخوص المسرحية في قالب حافل بالايقاعات، قاموسه اللغوي محصور في لفظة واحدة، هي «لا»، هكذا وجد المتفرج نفسه أمام لاءات لا حصر لها، تحيل على تراث غنائي، ومن وقت إلى آخر، كان يتم إيقاف هذا الإيقاع، بإطلاق صيحة الرفض «لا» الحاسمة المسنونة. هذا المشهد الذي ميز انطلاقة العرض المسرحي، يبث في المتفرج روح التساؤل حول دلالته ومعانيه وارتباطه بالتطور الدرامي للمسرحية، غير أنه قد لا يعدو أن يكون فرجة مسرحية، مرتكزة على الجدة ومنطق الابهار. وتتوالى بعد ذلك المشاهد التي كان محورها هو الشخصية التاريخية حسن الوزان، والدور الذي لعبه في الواقع، على مستوى تبليغ رسائل الصلح وغير ذلك من القيم النبيلة في العديد من أصقاع العالم،باعتباره كان دبلوماسيا. من خلال هذا العرض المسرحي، يتبين أن هاجس المخرج، ليس تقديم حقائق تاريخية؛ فهذه الحقائق موجودة في الكتب، ويتم تدريسها وتلقينها، لكن الأساسي في هذا العرض هو الفرجة. وظف السينغراف المساحات الفارغة بشكل بارز، حيث تم الاكتفاء بإحاطة الخشبة بثوب أبيض، على شكل ستارة أو ما إلى ذلك، وحتى عندما تم توظيف إكسسوار الباب في المشهد الأول،لم يكن هذا الاكسسوار موضوعا بشكل معقول، إذ كان بدون جدران تبرر وجوده،وقد تمت إزالته في ما بعد، بمجرد انتهاء وظيفته المؤقتة. هذا الاختيار الإخراجي، يؤشر على الاهتمام بتكسير كل ما هو منطقي؛ لأجل خلق الفرجة لدى المتلقي. غير أن هناك إكسسوارا آخر كان له حضور لافت، هو تحديدا خلفية الخشبة، التي كانت عبارة عن شاشة متحركة، تعرض رموزا تاريخية وجغرافية،مساهمة بدورها في تكسير الرتابة التي يمكن أن تهيمن على فضاء الركح، سيما وأن هذه الخلفية لم تكن مسنودة باكسسوارات أخرى، عدا الستارة البيضاء،وجسد الممثلين. وإذا كان الممثلون قد استطاعو أن يوظفوا حركاتهم وإيماءاتهم الجسدية بشكل يخدم الحبكة الدرامية للمسرحية؛ فإن جانبا أساسيا اعتراه نوع من الضعف والنقص، ونعني بذلك الالقاء؛ فبالنظر إلى أن الحوار مكتوب باللغة العربية الفصحى، شكل هذا عائقا إلى حد ما لدى بعض الممثلين الذين لم يتعودوا بالخصوص على الحديث باللغة العربية الفصيحة. المسرحية من تأليف أنور المرتجي، وهو أساسا ناقد أدبي، وهذا النص المسرحي يعد تجربة أولى بالنسبة إليه. السينغرافيا لعبدالحي السرغوشني وهو من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي بالرباط، الذي ساهم في نشوء وبروز فن السينغرافيا في المسرح المغربي،مثلما أن مخرج المسرحية بوسلهام الضعيف هو كذلك من خريجي الأفواج الأولى في المعهد نفسه،وتولى تشخيص دور حسن الوزان، الفنان الفرنسي فريديريك كالمس، الذي يتقاطع مسار حياته مع مسار الشخصية التاريخية الملقبة بليون الأفريقي،ولهذا السبب وقع اختيار المخرج عليه.