يا ذااات الحلم المعتقل في وادي الرؤى، عرفتني منذ الأبد … ولم أخطئ قط في ذاتي، ولا أخطأت أبداً في روحي . بنشوة عامرة، وضياع مميت وذهول هنيء، أغمضت عيني، ورحت أحلم بأنني أنا، ومعي فقط أسكن أناي … لتسألني أن هات قلبك، وهدوء القمر، وبريق خيوط الشمس المرسومة في الألواح، بماء الغيب واللاوجود، أزف عطر النهايات على تفاصيل الكلام، وأشعل آخر حبة سكر كأن بي غيمة عاقر، تتوضأ في ظل المطر. أبتسم فيلملم الوقت شعث الفوضى، أدفن فيه قلبي، أحفر به نفقا، أتسلل منه نحو اللقاء، لتتناسل المسافات، ويتقلص الزمن بالغياب، فيبحث عن آخر لون كاد أن ينزلق بين الكم الهائل من الغبار، لتتبلل الأحلام حبا فتشيع قوس قزح، وجرح كلمات لم يندمل بعد. ربما يزيل بصمات التعب، وغصات الملح، وإن كان بعض الفقد عصي على الروح. فرأيتني، ورأيت الأحلام كلها نغما سماويا، تهتف به ذاتي، ويردده كياني بملء إيماني، والعدم. فيحدث ذاك الضجيج ليعدم أوقاتي، وتزورني الأحلام من وقت لوقت، أقضم ما في جعبتي من ليل، إِن حن في ذلك البريق المنكسر بعد أعوام، وأعوام . وأمطر اللحظات، كلما ذبلت أصابعي، لأزور أروقة ذاكرتي، وأضطجع قرب الفجر بحلمِي، على عكازهِ التعبِ، فأرسم بنبضي خارطة تنعش حدود السلام بداخلي، وأشاكيك لرب الكون. إن عزت المعانقة، وعزَ مني الوصال، وحرم الطلب، كسطر مليء بالنقاط والفواصل، ألملم من ذاتي كل حزن، طبع على نوافذه النور، فأفتعل حريقا، ليزيل فوضى المشاعر بذاتي، علني أنفق ما تبقى من حزني بين أروقة الروح، أو علني أعرج على ذكرها، ويأخذني السبات في كف البوح، حتى وإن لدغتني عقارب الوقت. لأصير كدهشة لا رؤى فيها، لا رعشة للجنون. ربما لأكون، فقط أكون أنا لا أنت، في سديم وجه الفجر العليل.. بث أعلم الآن أن كل الجراح تحتويني، وعبء البحث عن وجودي، كغربة صرخاته يمزقني. وللحظة.. برفقة هذياني وقهوتي، غيبت كل الوجوه العالقة في ذاكرتي، تلك القادمة من ثغر المجهول، كغريبة لا تعرف طريق العودة لنفسها، حتى وإن كانت تقتات من نبضها، علها تكتشف مواطن الوجع. حتى وإذا الحلم احتضر، وصار كمخاض الفراغ في فراغ الإمحاء، واختفى ضياؤه، وعدت كغريقة آتية من شاطئ الوهم لا الخلود، أمسح دمع كل حلم سريالي، قادم من درب اللهفة، حتى إن كنت لا أعرفه… ليزورني طيفه، ويجول بخاطري ذكره، آلاف المرات، فأمتطي لهفتي، وجنوني كي أوقظه، وأدون في محراب الوجد حروفي وكلماتي، لأنتشلني من الضياع… حتى وإن….. أتاني ذاك الهارب من جحر الصمت، إلى محراب العمر، يفتش عن ملامحه، وغبار حيرته داخل أصوات صامتة، تبوح بقصص الشوق، وتعيد رسم الوعد، سوسنا أخضر بين الدوح، ليتماهى مع دروب الرحيل، فيحملني الوقت على خد بارد اللهفة… ماذا لو عاندت ذاكرتي..؟ وأنت تعلم يا قدري، أني مشيت كثيرا حافية الدمع، أتسلق ربوع الهذيان، علني أسلك دروبا لم يطأها أحد، فتستفيق روحي للنور، والأمل، والحياة. حتى وإن… أذبت سواعد الجمر بنبيذ الروح المعتق، وحلقت فوق الغيوم في رحال البين، لأتجول بين الأمنيات البعاد، لأعبر الليل بحثا عني، عن أحلامي، وآمالي التي تستشف من قبس الضياء هودجا… حتى وإن كنت إدمانا، وجوارحي سكارى… وبث فيها أتوه من نفسي، وذاتي، وأعصابي، وبدائيتي، لأشعرني توقدا، وضياعا. حتى وإن…. كنت في صحوتي، أزف رسائلي لأراوغ الأوقات، وأبدد الهول في دياجير العمر، لتحملني ضالة القدر، وحلم السنين. لتحملني ريح التيه إلى ما لا أريد، حتى وإن…. رأيتني في مرآة الحيرة، وكنت فقط أرى نفسي، ولا أراني، لأراني بعد وقت طويل، تائهة في ذاك المدى البعيد، الذي عكفت به الليالي، والسنون، حتى وإن كنت… أراني في كل شيء، ولست أنطوي عن مثلي، فأمنت مرتلي . حتى وإن علمت أنني أنا… ولم أكن مخدوعة، ولست بالواهمة، فأنا بعيني .. كما عرفتني، وكما تمثلتني الطبيعة، ويصدرني القدر … أو ربما كما اقترحت علي السماء أن أكون.. امرأة بذاكرة تقشر جلد الوقت… بقلم: هند بومديان