تم منذ أيام قليلة الترخيص بإعادة فتح القاعات السينمائية وغيرها من الفضاءات الثقافية. كان قد مر أكثر من سنة على الإغلاق بسبب التدابير الاحترازية التي اتخذتها الدولة للحد من انتشار الوباء. إنها مدة لا يستهان بها. ولهذا نجد أن بعض القاعات لم تستطع أن تفتح أبوابها من جديد، بالرغم من مرور عدة أيام على منحها الضوء الأخضر لاستئناف نشاطها. لقد تكبد أصحاب هذه الفضاءات الثقافية بالخصوص خسائر فادحة، جعلهم يعجزون عن استدراك ما فات والتزود بنفس جديد للحفاظ على استمرارية هذا المرفق الذي يجمع بين الترفيه والتثقيف. ومن بين العوائق التي حالت دون إعادة فتح العديد من القاعات السينمائية، ما يتطلبه ذلك من إمكانيات مادية هائلة لصيانة الأجهزة التي تضررت بسبب طول المدة التي مضت دون تشغيلها، بالإضافة إلى ما يتطلبه تهييء فضاء الاستقبال في حد ذاته من جهد ووقت ليس باليسير. وإذا استثنينا المركبات السينمائية التي تتوفر على ميزانية قارة للعمل من قبيل ميغاراما التي لم تجد صعوبة كبيرة في إعادة فتح أبوابها، فإن نسبة كبيرة من القاعات الأخرى ظلت عاجزة حتى الآن عن استئناف نشاطها، ومن غير المستبعد أن يعلن أصحابها عن الإفلاس. (بحال والو) كما نقول بتعبيرنا الدارج في سخرية طافحة بالأسف. هناك عامل آخر، يجعل بعض أصحاب هذه الفضاءات الثقافية لا يجرؤون على إعادة تشغيلها، يتمثل في توسع الهوة بين الجمهور والشاشات الكبرى. إن مرور أكثر من سنة عن الابتعاد القسري عن القاعة السينمائية، يجعل المشاهد يكتسب عادة جديدة في متابعة العروض السينمائية، خاصة في ظل سطوة وسائط الاتصال الرقمية. لا أتحدث عن السينيفيليين الراسخين في تلقي الفيلم السينمائي من داخل القاعة الخاصة بعرضه والذين بدأوا ينقرضون على كل حال، لكن أقصد جزءا كبير من الجمهور الذي يحب السينما والذي لا يضايقه أن يتلقى العرض السينمائي بأي وسيلة كانت وفي أي ظرف كان. إنه من الصعب جدا استقطاب الجمهور من جديد إلى القاعات السينمائية بعد مرور أكثر من سنة عن إبعاده عنها. هناك قطاع واسع من هذه الفئة من عشاق السينما الذي انخرط في بعض المنصات الإلكترونية التي تتيح له متابعة جديد العروض السينمائية، نتفليكس على سبيل المثال. لقد كانت فترة الحجر الصحي سببا في اكتساب عادات جديدة في تلقي المنتوج الإبداعي بصفة عامة، سواء كان عرضا سينمائيا أم إصدارا فكريا وأدبيا أم مسرحية أم غيرها من الإنتاجات. فعلا، إن الوضع بعد انتهاء هذا الوباء بالذات، لن يكون هو الوضع نفسه قبل تفشيه. إن أصحاب الفضاءات الثقافية ومن ضمنها القاعات السينمائية، مطالبون يبذل مجهود مضاعف للحفاظ على الوجود، كما أن الدولة مطالبة بأن تكون مرنة في تعاملها مع هذا النوع من النشاط ذي البعد الثقافي والفني، وذلك من خلال الإعفاء من بعض الضرائب أو التخفيف من عبئها على الأقل. ولم لا تقديم دعم مادي مباشر إلى حين أن تتمكن هذه الفضاءات من الوقوف على قدميها من جديد، إذا جاز التعبير.