قال إن أسباب الظاهرة بنيوية اجتماعية ثقافية اقتصادية وسياسية كيف تفسر تأثير تراجع القاعات السينمائية على ضعف الإقبال الجماهيري على السينما المغربية؟ يمكن القول إن عزوف الجمهور عن القاعات السينمائية ليس ناتجا عن اختفاء القاعات، بل إن اختفاء القاعات هو الناتج عن عزوف الجمهور عنها ، و هناك فرق بين مشكلة اختفاء القاعات و ومشكلة عزوف الجمهور عنها ، إذ توجد قاعات جميلة و لكن الإقبال عليها أصبح يقل تدريجيا كما هو ملاحظ في مركبات ميغاراما . لا يجب الاستغراب للقاعات التي تختفي، بلينبغي الاستغراب للقاعات التي مازالت صامدة في وجه طوفان العوامل المسببة لعزوف الجمهور عنها. ليس المهم هو الحفاظ على القاعة السينمائية كمعلمة فقط، بل الأهم هو إعادة الجمهور إليها باعتبارها فاعل مهم في الميدان الفني و الثقافي و التربوي و الاقتصادي و الاجتماعي. كيف تقيم تراجع القاعات في مقابل تراكم على مستوى الإنتاج؟ أزمة السينما ظاهرة عالمية بدرجات مختلفة طبعا ، غير أن المفارقة في المغرب هي أن القاعات تختفي في وقت ينتعش فيه الإنتاج الوطني بشكل غير مسبوق، ويتطور فيه الإنتاج المشترك مع التلفزيون، وتتكاثر فيه المدارس التكوينية في السينما، والكل أصبح راغبا في أن يتحول إلى مخرج أو ممثل أو تقني أو منتج ، و يبقى السؤال أين و لمن ستعرض هذه الأفلام التي ستنتج؟ دعم القاعات السينمائية ورقمنتها و إصلاحها مبادرة نبيلة، و لكن ذلك ليس حلا ناجعا (كأنك تعالج كسر العظام بالأسبرين) ، و من الخطأ أيضا الاعتقاد أن بناء قاعة سينمائية جديدة و جميلة و مرقمنةستغري الجمهور يتسابق للذهاب إليها ، مركبات ميغاراما على سبيل المثال تقدم أطباقا متنوعة من الأفلام، و لكن الإقبال عليها أصبح هي أيضا يقل عليها تدريجيا، و مركب ميغاراما بطنجة ليس عليه إقبال مكثف رغم كونه جديد. إرجاع الجمهور إلى القاعات السينمائية كما كان عليه الأمر من قبل أصبح من الصعب جدا في زمن أصبحت فيه السينما تواجه منافسة شرسة غير مسبوقة. الأسباب متنوعة و مختلفة و متداخلة فيما بينها و تتطلب علاجا شاملا و ناجعا و سريعا. ماهي في نظرك الأسباب الحقيقة لهذه الوضعية المقلقة؟ هي أسباب بنيوية اجتماعية ثقافية اقتصادية و سياسية. التعرف على هذه الأسباب علميا يتطلب إجراء بحث ميداني موسع من خلال فتح حوار عميق مع الجمهور من مختلف الأعمار و الأجناس و المهن و في المدارس و الجامعات و مختلف المرافق العمومية و غير العمومية و مع كل الفاعلين في القطاع. الأسباب لها علاقة أولا بما يشهده الكون من فورة تكنولوجية و رقمية ، إذ لا يجب النظر فقط إلى مشاكل القاعة السينمائية وحدها، بل النظر أيضا إلى ما يحدث بمحيطها و ما يشهده المجتمع و العالم من تطورات. قاومت السينما سابقا التلفزيون و الديفيدي و الفيديو و "سينما هوم" و صورة بالأبعاد الثلاثة و غيرها من تطورات تكنولوجية أخرى متتالية تمكنت من الصمود في وجهها، بالرغم من كونها خرجت منها ببعض الجراح، و مازالت تقاوم من أجل البقاء في زمن أكثر و أشرس منافسة و إغراء بسبب الانترنيت و تكاثر القنوات الفضائية العامة و الموضوعاتية و المتخصصة في السينما. الإنترنيت والفورة الرقمية و التقنية أثرت سلبا على الذهاب للسينما من خلال توفير إمكانية تحميل الأفلام و قرصنتها، كما أصبح من غير المشجع الذهاب للسينما في عصرنا الحالي مع تواجد حلول أسهل و أقل تكلفة (أقراص لأفلام قديمة و حديثة مقرصنة بأبخس الأثمان )، و مع ظهور مغريات أخرى سلبت عقول الأجيال الحالية مثل الألعاب الاليكترونية ، ومباريات كرة القدم ، والمسابقات الفنية و الترفيهية الدولية، والتفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كل هذا أفقد الأجيال الجديدة الصبر على تحمل مدة عرض فيلم طويل بسبب تأثرها بمواقع التواصل الاجتماعي و تعودها على استهلاك اللقطات القصيرة ذات القدرة على إحداث التفاعل السريع (الفيسبوك اليوتوب الواتساب.....). وماهي الجهة التي تتحمل مسؤولية هذا الواقع؟ الدولة بمختلف قطاعاتها و وزاراتها و الجماعات المحلية تتحمل هي أيضا نصيبا أوفر من المسؤولية في معضلة عزوف الجمهور عن السينما لأنها لم تنجح في القضاء على القرصنة ، بل إن الأهم أنها لم تغرس في الأجيال الجديدة حب السينما و لم تربى فيها عادة الذهاب إلى القاعات السينمائية. تهميش السينما خاصة و الثقافة عموما في المدارس والجامعات و الأحياء و المناطق النائية أفرز نوعا من الفراغ الثقافي والفكري و تيه الشباب والمراهقين و الأطفال فأصبحوا عرضة للانحراف على اختلاف أنواعه و عدم الاهتمام بالثقافة، بل إنهم أصبحوا عرضة لثقافة تخرب القيم الجميلة و تحرم الاستمتاع بما هو جميل و من بينها السينما. البعض من الجماعات المحلية أصبحت لا تعتبر الأنشطة الفنية و الثقافية و السينمائية من الأولويات الأسبقيات و هي أيضا تتحمل نصيبا من المسؤولية في عدم الاهتمام بالمواطن المغربي ثقافيا. القاعات السينمائية لها دور في عزوف الجمهور عنها من خلال الثمن موقعها و وضعيتها الأمنية و تجهيزاتها و نوعية أفلامها و الأجواء التي تعرض فيها مع العلم بان عملية الذهاب إلى السينما أصبحت مكلفة مادية و تتطلب ترتيبات خاصة تجعل من الأقراصالمقرصنة حلا سهلا لمشاهدة الأفلام رغم ضعف جودتها. توجد أسباب أخرى لها علاقة بالمجتمع المدني الذي تغيرت فيه عقلية المواطن و نمط حياته، إذ أصبح يطرح مشكل ضغط الوقت وصعوبة الحياة و مسؤولياتها و أصبح يفضل اقتناء أفلام مقرصنة لأنها متوفرة بأرخص الأثمان في السوق، كما تأثر البعض الآخر بالأفكار المعادية للفن و للاستمتاع بالجمال و اعتبار السينما مهددة للقيم و الأخلاق ، فتغيرت نظرة و مواقف الآباء و الأمهات و الأولياء و بعض المراهقين و الشباب من السينما. الأسر فقدت عادة الخرجات الأسرية من أجل الذهاب للسينما مشاهدة ، كما تراجعت الثقافة السينمائية بصفة عامة والتي كانت تؤطرها الأندية السينمائية التي قل عددها نظرا لعدم دعمها و التي لعبت سابقا دورا مهما و مازالت تقوم بذلك في ظروف صعبة. عشاق السينما و النقاد لم يعودوا هم أيضا يذهبون إلى السينما، و يكتفون أحيانا بمتابعة العروض ما قبل الأولى أو في بعض المهرجانات. عدم القيام بالدعاية المكثفة و المواكبة للأفلام الجديدة بمختلف الوسائل الإعلام هو أيضا من المسببات لعزوف الجمهور عن القاعة السينمائية لأن الملصقات الكلاسيكية لم تعد كافية عكس ما هو ملاحظ مثلا في فرنسا عندما يتم توزيع فيلم فرنسي جديد فإن كل البرامج الإذاعية و التلفزيونية و المجلات و الصفحات الفنية و الثقافية و نشرات الأخبار تستضيف مخرجه و بعض الممثلين للحديث عنه و تحسيس الجمهور به و لو كان عاديا جدا، و يمكن القول أن اللقطات الإشهارية القصيرة الخاصة بالأفلام المغربية و المبثوثة على القنوات التلفزيونية المغربية رديئة شكلا و مضمونا، لكونها تفتقد كليا إلى عناصر الإثارة و التشويق و اللمسات الفنية التي يمكنها أن تغري المشاهد بالذهاب للقاعة السينمائية لمشاهدته.