استغرب الكثيرون لحدة الخرجات الأخيرة للودادية الحسنية للقضاة، ولصوتها الذي صار عاليا جدا هذه المرة بمناسبة الحديث عن مراجعة تركيبة المجلس الأعلى للقضاء في الوثيقة الدستورية المرتقبة. لا يتسع الحيز هنا لاستعراض تاريخ الودادية ومواقفها وصمتها وسباتها وكل «عالمها» الخاص، فالعديد من الحقوقيين والمحامين وحتى بعض القضاة قالوا وكتبوا الكثير عن ذلك طيلة سنوات، ولكن المثير حقا هو هذا «الصحو النضالي» المفاجئ. عندما يؤكد بيان صادر عن مكتب الودادية على أن مهام المجلس الأعلى للقضاء لا يجب أن تخرج عن تعيين القاضي وترقيته وإسناد المسؤولية إليه وتأديبه وإحالته على التقاعد، ومن ثم، فإن هذه المهام، بحسبه، تندرج في سياق الشأن الخاص بالقضاة وتهم مسارهم المهني وليست شأنا عاما أو مجتمعيا يخص منظومة العدالة بجميع مكوناتها، فإن هذا الموقف، فضلا عن كونه يجسد اختزالا غير مفهوم لدور المجلس الأعلى للقضاء، فإنه أيضا يتناقض مع ما تضمنته توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة مثلا، والتي أمر جلالة الملك بدسترتها، كما أنه يتناقض مع مطالب ومقترحات الجمعيات الحقوقية المغربية بهذا الخصوص وتوصيات عدد من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، ومع ما ورد في مذكرات عدد كبير من الأحزاب الوطنية. وفضلا عن ذلك، فإن التنصيص الدستوري على استقلال القضاء وعلى كونه سلطة، وانشغال مختلف مكونات الطيف السياسي والحقوقي والمجتمعي بإشكالاته، يجعل الأمر شأنا مجتمعيا فعلا وليس قضية مهنية أو قطاعية، ما يعني أحقية المجتمع بالتمثيل في مثل هذه المؤسسة الدستورية. لقد تميز البلاغ الأخير للودادية بمعجم غريب، فهو يخبر أنه تم التداول في مسودة الدستور بشأن ما يتعلق ب «التركيبة العجيبة للمجلس الأعلى للقضاء»، وخلص إلى «تنديده بالأيادي الخفية التي تسعى إلى ضرب مبدإ استقلال القضاء»، وسجل «معارضة قضاة المملكة لإدماج مؤسسات وأفراد من خارج السلك القضائي بالمجلس الأعلى للقضاء»، مضيفا أن القضاة يرفضون التركيبة المقترحة للمجلس غير المقبولة حقوقيا بمقتضى المواثيق الدولية (كذا)، ثم يتحدث عن تحجير السلطة القضائية من خلال، ما أسماه، الزج بها بين أيدي من لا دراية لهم بتدبير الشأن الخاص للقضاة، اللهم إلا ما كان من إرادة مبيتة لتركيعها.. نحن اليوم لسنا فقط أمام قوة تضغط من أجل مصلحة مهنية فئوية، أو أمام ودادية شرعت في تجريب حريتها في التواصل مع الصحافة وفي رفع الصوت عاليا، إنما نخشى أن نكون أمام مقاومة تتشكل وتنتظم ضد مسلسل الإصلاح. هل هناك من يحرك كل هذا من وراء ستار؟ ومن له المصلحة في ذلك؟ ومن له المصلحة في إفراغ خطاب الملك لتاسع مارس من ثوريته؟ ومن له المصلحة في شل دينامية التغيير في بلادنا؟ إن مغرب الديمقراطية والحداثة يجب أن ينتصر على مغرب الماضي.. هذا هو الرهان، وهذا هو الثابت، وإلا فلن تبقى لكل الديناميات معناها. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته