تقليص سلطات الملك وتوسيع اختصاصات «رئيس الحكومة» ومجلس النواب وجعل القضاء «سلطة» مستقلة استقبل جلالة الملك الجمعة الماضي بوجدة كلا من رئيس اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور، عبد اللطيف المنوني، الذي قدم لجلالته المسودة النهائية للدستور التي أعدتها اللجنة، بعدما أنهت اللجنة مهمتها في الآجال المحددة. ورئيس الآلية السياسية للمتابعة والتشاور، المستشار الملكي محمد معتصم، الذي رفع إلى جلالته تقريرا تركيبيا عن مداولات الآلية، ومختلف آراء ومقترحات أعضائها، بخصوص مشروع الدستور المقبل. وأعطى جلالة الملك توجيهاته السامية إلى مستشاره بعقد اجتماع للآلية السياسية للمتابعة والتشاور، التي تضم زعماء الأحزاب السياسية والنقابات المهنية، في الأيام القليلة المقبلة، لتسليمهم مسودة المشروع لإبداء الرأي والمشورة حولها. فبعد ثلاثة أشهر ونيف على خطاب 9 مارس، أنهت اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور عملها، ورفع مسودة المشروع إلى جلالة الملك الذي أصدر تعليماته بتسليم المسودة لأعضاء الآلية السياسية، ومن المنتظر أن يعلن جلالته، في خطاب إلى الأمة بحر هذا الأسبوع عن موعد إجراء الاستفتاء حول الدستور. وفي اجتماعها الأخير قدم رئيس اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور الخطوط العريضة للمشروع أمام أعضاء الآلية السياسية للمتابعة والتشاور، والتي تتضمن على الخصوص التنصيص على اللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، لأول مرة في تاريخ الدساتير المغربية، والتنصيص على المساواة بين الجنسين، ودسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وإقرار حقوق الإنسان في شموليتها كما هي متعارف عليها دوليا. ويظل الإسلام «الديانة الرسمية للدولة»، ويكفل الدستور حرية المعتقد في إطار القانون ومن دون أن يؤثر ذلك على النظام العام. وفيما ينتظر أن يعلن جلالة الملك، في بحر الأسبوع المقبل، عن موعد إجراء الاستفتاء على الدستور، بعد أن سلمه رئيس اللجنة الاستشارية التي عينها جلالته مباشرة بعد خطاب 9 مارس، مسودة المشروع، بدت ملامح الصيغة النهائية للوثيقة ظاهرة، قبل الأخذ بعين الاعتبار بالملاحظات التي أبدها أعضاء الآلية السياسية في اجتماعهم الأخير. وقالت مصادر متطابقة إن الدستور الجديد سيشهد تقليصا واضحا لسلطات الملك لصالح رئيس الوزراء، بما يعني الحد من سلطات الملك وزيادة السلطات الممنوحة للوزير الأول الذي سيسمى في الدستور الجديد ب «رئيس الحكومة». وستقتصر صلاحيات الملك، فضلا عن كونه الممثل الأسمى للأمة، على إمارة المؤمنين والسلطة الدينية التي يشرع فيها بظهائر، وقيادة القوات المسلحة. كما تختفي من الدستور الجديد عبارة «شخص الملك مقدس» لتحل محلها «الملك لا تنتهك حرمته». وفي هذا الصدد أكدت مصادر حضرت الاجتماع أن المستشار الملكي محمد معتصم، رئيس الآلية السياسية للتتبع والمشاورة، نقل لأعضاء الآلية رسالة بليغة من جلالة الملك يبلغهم فيها «أنه ملك مواطن وأن القدسية لله». ويوسع المشروع سلطات الوزير الأول، الذي سيصبح «رئيس الحكومة» الذي يعين لزاما من بين أعضاء الحزب الذي يتصدر نتائج الانتخابات التشريعية. ويمنح الدستور الجديد الوزير الأول، سلطة اقتراح تعيين الوزراء واقتراح إعفائهم، ويتم الإعفاء بعد المصادقة من طرف الملك. كما يتولى سلطة اقتراح أسماء السفراء والولاة والعمال ورؤساء المؤسسات العمومية والتعيينات السامية المدينة، وتعيين الكتاب العامين للوزارات، وتدبير شؤون الدولة الاقتصادية والاجتماعية. وينص الدستور المقبل على اختصاصات مجلس الحكومة، من متابعة وتنفيذ السياسة العامة والقضايا الأمنية وقضايا حقوق الإنسان، ومشاريع القوانين. بينما يخول للمجلس الوزاري مناقشة المواضيع التي تتطلب تحكيما. وينعقد المجلس الوزاري بمبادرة من الملك، أو بطلب من رئيس الحكومة، ووفق جدول أعمال محدد. ويجوز للملك أن يفوض رئاسة المجلس الوزاري لرئيس الحكومة. ويتكون البرلمان بمقتضى الدستور المقبل من غرفتين، الأولى هي مجلس النواب، والثانية غرفة الجماعات الترابية، ويمنح الدستور صلاحيات واسعة لمجلس النواب، في مجال التشريع لتشمل 40 مجالا بدل 9 مجالات في السابق، بالإضافة إلى سلطات واسعة في مجال المراقبة والتقييم وإصدار العفو العام. وأصبح بإمكانه تكوين لجان التقصي بطلب من خمس أعضائه فقط، وسحب الثقة من الحكومة بطلب من ثلث أعضائه. ويمنح المشروع للغرفة الأولى حق الاستماع إلى كل الموظفين السامين كيفما كانت درجة مسؤولياتهم. وينزع المشروع الحصانة البرلمانية من ممثلي الأمة، إلا في المواقف السياسية المعبر عنها، وينص على منع ترحال البرلمانيين واعتبار من قام بذلك فاقدا لصفته بقرار من المحكمة الدستورية. ويعطي المشروع الحق للمواطنين العاديين في تقديم مشاريع قوانين. ويعيد الدستور المعدل الاعتبار للمعارضة البرلمانية وينص على إسنادها رئاسة لجنتين بمجلس النواب على الأقل. وتقر مشروع الوثيقة الدستورية بكون القضاء سلطة مستقلة أسماها «المجلس الأعلى للسلطة القضائية» يرأسه الملك، ويرأسه بالانتداب رئيس محكمة النقض التي ستعوض المجلس الأعلى. ويتكون المجلس الأعلى للسلطة القضائية من 6 قضاة على الأقل ينتخبون من بين القضاة، تكون فيه النساء ممثلات بنسبة تواجدهن في سلك القضاء، ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيس مؤسسة الوسيط، بالإضافة إلى 5 شخصيات يعينها الملك. وبالإضافة إلى العديد من المؤسسات الواردة في مذكرات مختلف الأحزاب السياسية والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني والتنظيمات الشبابية، من قبيل المجلس الوطني للمرأة والطفل، والمجلس الأعلى للمساواة، يقترح الدستور المقبل إنشاء «المجلس الأعلى للأمن القومي» الذي يترأسه الملك ويضم في عضويته رئيس الحكومة ووزير الداخلية ورئيسي غرفتي البرلمان وقادة الأجهزة الأمنية، ويتولى مناقشة القضايا الأمنية الكبرى ووضع إستراتيجية الدولة في المجال الأمني. وسيتغير «المجلس الدستوري» بموجب الدستور الجديد لتحل محله «المحكمة الدستورية»، مع توسيع صلاحياتها إلى النظر في دستورية القوانين، ومنحها الحق في الطعن في دستورية القوانين وقضايا حقوق الإنسان. ويرفع الدستور المقبل من سن رشد الملك من 16 إلى 18 سنة، ومنح رئاسة مجلس الوصاية لرئيس المحكمة الدستورية. ويضم مجلس الوصاية في عضويته رئيس الحكومة والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى، و10 شخصيات يعينها الملك. ونقلت وكالة المغرب العربي للأنباء أن جلالة الملك أشاد، لدى استقباله عبد اللطيف المنوني، بالمجهود الخلاق والعمل الجاد الذي قامت به اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور من أجل إعداد هذا المشروع. وكلفه بإبلاغ كافة أعضائها سابغ عطفه وسامي تنويه جلالته على ما أبانوا عنه من كفاءة وموضوعية وتفان واجتهاد لإنجاز المهمة الاستشارية التي أناطهم بها في بلورة مشروع مراجعة عميقة من شأنها التأسيس لحكامة دستورية ديمقراطية. كما أشاد جلالته، لدى استقباله رئيس الآلية السياسة للمتابعة والتشاور، بالانخراط الفاعل لزعماء كافة الهيئات السياسية والنقابية الوطنية في بلورة مشروع دستوري ديمقراطي متقدم من بدايته إلى نهايته، مؤكدا حرص جلالته أن يواصلوا إسهامهم البناء في المرحلة المقبلة، بروح من التوافق الإيجابي والتعبئة القوية وبما هو معهود فيهم من غيرة وطنية وتشبث متين بثوابت الأمة ومن التزام ديمقراطي.