في الحلقتين السابقتين تم التطرق للمادة 433 من مدونة الشغل وتأويل لكيفية احتساب عدد مندوبي الأجراء بالنسبة للعدد الإجمالي للأجراء، كما تم التطرق للهيآت الناخبة واتفاق طرفي العلاقة الشغلية حول توزيع الأجراء والمقاعد..، وتم التطرق إلى المواد 435 و 436… وأيضا المادة 11 وديباجة مدونة الشغل اللتين تعتبران قانون الشغل هو حد أدنى وبالتالي لا مانع أن يتفق المشغل والأجراء على مقتضيات أكثر فائدة للأجراء…، أخيرا تم توضيح أن النظام المعلوماتي لوزارة الشغل لم يراع كل ما سبق ولم يتم تزويده بمعطيات قانونية مضبوطة ودقيقة لكي يتمكن من معالجتها طبقا لخصوصية كل حالة على حدة والحصول على نتائج متطابقة مع مدونة الشغل والأعراف الإيجابية والمكتسبات واتفاقيات الطرفين. وأن هذا التطبيق أو النظام المعلوماتي يشكل تراجعا وعائقا لما سبقت ممارسته… والآن سنبين أنه بالمقابل يفتح عقله وبابه على مصراعيه لقبول معطيات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها كارثية على العملية الانتخابية ونتائجها. مؤسسة مندوبي الأجراء مؤسسة مهمة جدا، أراد المشرع منها جعل الأجير (وممثله) شريكا اجتماعيا وقوة اقتراحية، مؤسسة، الهدف منها بناء علاقة تشاركية، تكرس حقوق الأجراء وتحصن مكتسباتهم من خلال حماية الرأسمال البشري واحترام كرامته. فمندوب الأجراء هو عضو في لجنة المقاولة (المادة 465) وهو عضو في لجنة السلامة وحفظ الصحة (المادة 337) في كل الشركات التي يتجاوز عدد أجرائها الخمسين أجيرا. ومندوب الأجراء تتم استشارته في وضع النظام الداخلي (المادة 138) وفي التعامل مع الأزمات الاقتصادية العابرة للمؤسسة (المادة 185 و 186) وعند توقف الشغل جماعيا (المادة 189) وفي العطل السنوية (المادة 245) وفي العقوبات التأديبية (المادة 62) وفي تقليص الأجراء وإغلاق المؤسسات (المادتان 66 و67) وغير ذلك من جوانب الحضور اليومي داخل المقاولة واستراتيجيتها الإنتاجية وتنظيم العمل والأعمال الاجتماعية…؛ بهدف أن تنتقل به هاته المهام من خصم اجتماعي إلى شريك اجتماعي. هل سنودع هذه المؤسسة؟ هل سنغير هذه المقاربة أو على الأقل هل هناك توجه للتقليل منها أو تبخيسها؟ يبدو لي – وأتمنى أن أكون مخطئا – أن النظام المعلوماتي لوزارة الشغل تمت صياغته للسير نحو هذا المنحى! كيف ذلك؟ النظام المعلوماتي سيقوم ب "التطبيق السليم لمقتضيات القانون"، فهو يأخذ بما ورد في المادة 431 التي تنص حرفيا على ما يلي: "يمكن بالنسبة للمؤسسة التي تشغل أقل من عشرة أجراء دائمين، اتباع نظام مندوبي الأجراء وذلك بمقتضى اتفاق كتابي". وهذا يعني أن فرانا أو حدادا أو جزارا أو مخبزة أو حماما… أو… أو… يشغل خمس أو تسعة أجراء يمكنه باتفاق كتابي فقط أن يكون لديه مندوب للأجراء، وإذا ما حصل ذلك فحاسوب وزارة الشغل سيقبل به ويضيفه لعدد مندوبي الأجراء!! مما سيجعلنا مثلا وافتراضا أمام عدد لمندوبي الأجراء بقيسارية الحفاري أو درب غلف بالدار البيضاء أكثر من عدد مندوبي الأجراء بالمنطقة الصناعية عين السبع زناتة أو عدد مندوبي كاسا براطا وفندق الشجرة بطنجة أكثر من عدد مندوبي الأجراء بالمنطقة الحرة بطنجة، أو أيضا سنجد أعداد مندوبي أجراء سوق الحد بأكادير أكثر من عدد مندوبي أجراء المنطقة الصناعية بأيت ملول…، وقس على ذلك باقي مدن المملكة !! أقول هذا "افتراضا" لو باشر أصحاب الدكاكين هذا الخيار ما دام "قانون" النظام المعلوماتي سيقبل بمندوبيهم !! أما الطامة الكبرى فستكون لو تدخل عمدة مدينة أو مراقب أسعار أو موظف جماعي… ينتمي لحزب سياسي له دراع نقابي و"التمس" خدمة من التجار (حدادة، أصحاب الشوارما، مقاهي…) تقضي بتوقيع اتفاق مع أجرائهم الأقل من عشرة لتعيين مندوب… ستكون هذه الممارسة ظاهريا "مشروعة" و"قانونية" (ما دام النظام المعلوماتي سيقبل بها) وللجميع أن يستبق نتائج الانتخابات المهنية من الآت !!وسنجد أنفسنا أمام قلب فعلي للموازين والتمثيلية النقابية، وأيضا لإفراغ مؤسسة مندوبي الأجراء من محتواها وأهدافها النبيلة. إذا كانت المادة 430 تستعمل كلمة "يجب" على جميع المؤسسات التي تشغل اعتياديا ما لا يقل عن عشرة أجراء دائمين أن تنتخب مندوبين للأجراء، وإذا كانت المادة 431 تستعمل كلمة "يمكن" للمؤسسات التي يقل عددها عن عشرة أجراء اتباع نظام مندوبي الأجراء بمقتضى اتفاق كتابي، فإننا سنجد أنفسنا (المغاربة والوطن) أمام مفارقة غريبة بحيث سيكون لدينا عدد مندوبي الأجراء بالمؤسسات المخيرة (أقل من عشر أجراء وهم أصحاب "يمكن") أكثر عددا من مندوبي المؤسسات الملزمة بذلك (أكثر من عشر أجراء وهم أصحاب "يجب") وسيكون – ليس من الغرابة – بل من العبث أن يجد المغرب نفسه أمام أكثر من خمسين في المائة من المقاولات التي يتوجب عليها لزاما تنظيم انتخابات مهنية مادامت تتوفر على أكثر من عشرة أجراء، لم تنظم هذه الانتخابات أصلا (رغم أن بعضا منها أو كثيرا منها يبلغ عدد أجرائه 100 أو 300 أو حتى أكثر من 500 أجير!!) مادام النظام المعلوماتي للوزارة سيقبل – مبدئيا – بهذه "العينة" من مندوبي الأجراء فستكون التوقعات كما يلي: تجييش وتعبئة مثل هؤلاء المندوبين من طرف نقابة ما أو مسؤول ما سيدفع باقي المتنافسين إلى ردود فعل والقيام بالمثل دفاعا عن النفس وتجنبا للشماتة وعلي وعلى خصومي؛ سنفتقد كل مرجعية حقيقية وعلمية للنقابة الأكثر تمثيلا إذ ستصبح المعطيات والإحصائيات مغلوطة؛ كانت – وما زالت – نتائج الانتخابات المهنية تعطي دائما نسبة مئوية كبيرة لممثلي الأجراء غير المنتمين للنقابات وأمام احتمال هذا "الإنزال" الذي أشرت له سيتعمق الحيف اتجاه هؤلاء المندوبين اللامنتمين والذين ليست أغلبيتهم من "صنع المشغلين" وهو حيف يضاف إلى إقصائهم من الحق في الترشح لمجلس المستشارين، وتلك قصة أخرى؛ إفراغ مؤسسة مندوبي الأجراء من جوهرها، من طبيعتها من دورها الكيفي والنوعي، وهيمنة النظرة والمقاربة الكمية مما يجعلها فقط معبرا للوصول لمجلس المستشارين؛ تمييع حقيقي ومبتذل للانتخابات المهنية وفتح الأبواب لممارسات وتدخلات لا تخفى على أي كان نتائجها الكارثية على المؤسسات والنقابات والمندوبين والأجراء… والوطن!! مصلحة الوطن، مصلحة المقاولة المواطنة، مصلحة ممثلي الأجراء، مصلحة مدونة الشغل وأخيرا الحكمة والمنطق والعدل… كل هذا يفرض على النظام المعلوماتي لحاسوب وزارة الشغل "باش يدير عقلو ويبلغ سن الرشد" ابتداء من 18 ماي تاريخ تقديم ترشيحات من أجل ألا يقبل بهذا الجيش العرمرم من "المندوبين" القادمين – فرضيا – من الحمامات والدكاكين والكراجات وغيرها من المؤسسات التي تشغل أقل من عشرة أجراء، هذا مستوى الإيمان الأول!! أما مستواه الثاني فحتى في حالة تعذر على التطبيق (النظام المعلوماتي لوزارة الشغل) رفضهم فعليه على الأقل أن ينسجم مع مذكرة وزارة الشغل التي أصدرتها – بالملحقات والنماذج- حول العملية الانتخابية والتي من بينها المعلومات المطلوبة وفقا للملحق 2 المتعلق باللوائح الانتخابية وهي: اسم المؤسسة – عنوانها – رقم التعريف الموحد للمؤسسة – المقر الاجتماعي للمقاولة الأم عند وجوده – رقم التسجيل في السجل التجاري – رقم الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي – رقم البتانتا – العدد الإجمالي للأجراء (رجال، نساء، أجانب) – عدد المقاعد. أو ليس من الحد الأدنى في احترام القانون والضوابط الإدارية أن يخضع أو ينسجم النظام المعلوماتي للوزارة مع المذكرة الوزارية؟ ثم أضعف الإيمان وهذا ثالثا أن يرفض مفتشو الشغل التوصل باللوائح الانتخابية والترشيحات المتعلقة بالقيساريات والدكاكين لكونها لا تنسجم مع الملحق 2 للوزارة والقانون… وبهذا سيكونون قد قاموا بدورهم الحيادي والقانوني والإداري أحسن قيام!! وأهل مكة أدرى بشعابها !! صمت الوزارة على المقالين السابقين رغم نشرهما في العديد من الجرائد الإلكترونية والورقية وتجاوز مشاهدتها وقراءتها أكثر من 200000 مطلع ووصولها لكافة مفتشي الشغل ومسؤولي الوزارة، وصمت الوزارة على مراسلات بعض النقابات – حسب علمي-، في نفس الاتجاه وصمت الوزارة وعدم ردها على صحفية مهتمة من موقع إكسبريس ت.ف وسؤالها الملحاح لمسؤولي الوزارة وعدم ردهم رغم الوعود… وصمت الكثير من المهتمين – مع كامل الأسف – هذا الصمت يبعث عل القلق – وبالنسبة لي يبعث أيضا على الحزن والإحباط – هذا الصمت يطرح مجموعة من التساؤلات المشروعة… ليس مقلقا (ومحزنا أيضا) صمت الوزارة وحده، مقلق بشدة أيضا مستقبل مؤسسة مندوبي الأجراء، مقلق أن يصل التمييع إلى هذا المستوى بمبادرات "قانونية وإدارية ومعلوماتية" مع كل التمنيات أن يتحكم العقل والحكمة والموضوعية والتنافس الشريف وأكاد أقول وداعا مؤسسة ممثلي الأجراء لولا فسحة الأمل. بقلم: سعيد لماني مستشار في قانون الشغل والعلاقات المهنية