عاشت مدينة آسفي وخلال مدة قصيرة على وقع جريمتي قتل، الأولى راح ضحيتها تلميذ يدرس بثانوية الهداية الإسلامية بجنوب المدينة، أجهز عليه شقيقان توأمان، حيث طعناه حتى الموت أمام مرأى ومسمع التلاميذ والمارة، والنتيجة موت شاب في عمر الزهور متأثرا بطعنات قاتلة، بعد أن تمكن الضحية من إصابة أحد الشقيقين على مستوى أعصاب يده الأسرى، حيث تم نقله على وجه السرعة إلى مستشفى محمد السادس بمراكش بسبب حالته الخطيرة، فيما يقبع أخوه التوأم بجناح الأحداث لكونه لا زال قاصرا، في انتظار استكمال التحقيق وشفاء التوأم الثاني ومن تم انطلاق فصول المحاكمة والنطق بالحكم. لكن ورغم قوة هذه الجريمة، فإنها لم تشغل الرأي العام الآسفي بالقدر الذي شغلته قضية "محسن" و"زهير"، رغم أن الفارق الزمني لا يتعدى أياما قليلة بين الجريمتين ذ، أولا لكون العديد من فصول الجريمة الثانية تم توثيقها بالصوت والصورة من طرف أصحاب الهواتف المحمولة، تفاصيل دقيقة يصعب في كثير من الأحيان تتبعها لبشاعتها، ثانيا للزخم الإعلامي الذي صاحب الجريمة منذ وقوعها إلى اليوم، سباق كبير بين المواقع الإليكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، وتصريحات هنا وهناك، شهود وأصدقاء وجيران وأسرة الجاني والضحية، وحتى تصريحات حقوقيين وأمنيين وجمعويين، الجميع أدلى بدلوه حول الأسباب والدوافع والخبايا والطريقة التي تمت بها الجريمة، شيء واحد حقيقي في كل ذلك، نهاية مأساوية لشاب لا زال في مقتبل العمر، ومتهم يقبع اليوم بالسجن المحلي بآسفي رفقة شريكين له في الجريمة. انطلقت فصول الجريمة في فضاء سوق "اعزيب الدرعي"، وهو سوق عشوائي حاولت السلطات المحلية في الكثير من المناسبات إخلائه وحتى تنظيمه، لكنها كانت تعجز عن ذلك بسبب مقاومة البائعين الذين تحولوا من جائلين إلى مستقرين ومتحوزين على مساحات من المِلك العمومي بقوة القانون، مما جعل الفضاء يتحول إلى بؤرة سوداء، مع ما ينتج عن ذلك من مشاحنات واعتداءات وعمليات سرقة ونشل وصدامات بين شباب الحي والمنطقة وبين شباب آخر يأتي من أحياء أخرى مثل حي "قرية الشمس" و"دوار الصفا". ليكون الثلاثاء 18 ماي الجاري موعدا مع مشاحنة انتهت بدماء غزيرة وسط الشارع العام، وصراع بالسكاكين والسواطير، حيث يروي الشهود فصول الجريمة ممزوجة بحكايات عن عداوة سابقة وتاريخية بين الضحية والجاني، وهي العداوة التي جعلت الضحية رحمه الله "زهير"، يقصد الجاني الذي كان حينها يمتهن بيع الأسماك بالسوق المذكور. الكل أجمع على أن "زهير" جاء ذلك اليوم قاصدا الجاني "محسن" لتصفية حساب قديم، فلم تكن هناك مقدمات، بل يروي الشهود بأن الضحية جاء لإنهاء موضوع قديم يتعلق بحسابات حول جريمة اغتصاب بطلها الجاني وضحيتها أخت زهير. دخل الضحية "زهير" ذلك اليوم فضاء السوق، وهو يتحوز على سكين من الحجم الكبير حسب رواية الشهود، ودون مقدمات، انهال على الجاني بضربة في رأسه تم عنقه، تم يده اليسرى ومعها تم بتر ثلاثة أصابع، لكن الجاني تحمل الصدمة والضربات القوية، وبمساعدة اثنين من أصدقائه الدائمين، وبكل ما تحوزت أيديهم من سكاكين ومكيالات الميزان، هجموا على الضحية الذي كان هو الآخر مسنودا من اثنين من أصدقائه، ليتحول السوق إلى ساحة معركة، كر وفر ودماء، وحشود من الساكنة ومن معارف الفريقين تابعوا وحاولوا التدخل، لكن الهياج كان واضحا، والانتقام كان بارزا، ولم يعد أي أحد قادر على التدخل لوقف معركة كانت حتما ستنتهي بموت أحدهم بسبب البداية الغير المتوقعة والحمولة التاريخية لعداوة قديمة. وعلى مدار وقت زمني غير قصير، كانت المعركة تتحول من فضاء السوق إلى الشارع الرئيسي بالحي، ومع كل ضربة أو طعنة أو محاولة من هنا وهناك كان الصراخ والصياح يتعالى، وحدها الهواتف النقالة ظلت ترصد فصول تلك المعركة، إلى أن تمكن أحد أصدقاء الجاني الرئيسي من إسقاط الضحية أرضاً بعد ضربة على مستوى الرأس، وهنا سيجثم الجاني بجانبه وينطلق في فعل كل شيء وأي شيء بدون وعي ولا تفكير ولا مراعاة لتوسلات الجماهير والمعارف والجيران، طعنات وضربات في كل مكان، في الصدر والبطن والوجه والعنق واليدين والرجلين، مشاهد مؤلمة لآدمي يتعامل مع جثة آدمي آخر بتلك الوحشية، لدرجة أن الشهود يحكون بأن الجاني كان يستريح أو يدخل في مناوشة مع من كان يحاول التدخل لإنقاذ الضحية "زهير"، تم يعود لتتمة طعناته لجثة مدرجة في بركة من الدماء. وفجأة توقف كل شي، دماء غطت الشارع وجثة تلفظ أنفاسها، والجاني يجلس القرفصاء بجانب ضحيته يحمل آثار معركة أصيب فيها ببتر أصابع يده، وضربات في الرأس والعنق واليدين، ليصل الأمن وسيارة إسعاف، ويتم نقل الضحية وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، وإلى جانبه الجاني، على اعتبار أنه هو الآخر في حاجة للإسعاف بسبب ما تعرض له أثناء المعركة، وهنا تتضارب الشهادات، بكون الجاني عمد وهو يرافق الضحية إلى المستشفى على مثن سيارة الإسعاف، بمواصلة طعن الضحية بواسطة سكين بل عمد إلى قطع يده ووضعها بجانبه، وهو ما جعل الكثير من أصدقاء الضحية يستنكرون قيام رجال الوقاية المدنية بحمل الضحية والجاني في نفس سيارة الإسعاف، دون مراقبة أمنية ودون تصفيد. الكثيرون كان يظنون أن الجريمة انتهت بنقل الضحية للمستشفى تم إلى مستودع الأموات بعد أن توفي مباشرة بعد دخوله المستشفى، لكنها في الواقع كانت بداية لفتح أبواب على تاريخ عداوة قديمة بين الجاني والضحية، عنوانها الأخت الصغرى للضحية التي كانت قد تعرضت للاغتصاب من طرف الجاني، وهو الفعل الذي كان قد تسبب في معركة حامية بين الجاني والضحية، نقلا معها إلى المستشفى لتلقي الإسعافات، ومعها قضى الجاني شهرين بالسجن المحلي بآسفي، إلى أن تم الإفراج عنه بتنازل من والدة الضحية وأخته، ومعه تنازل الجاني للضحية بعد أن كان قد وضع شكاية ضد المرحوم معززة بشهادة طبية مدتها 50 يوما، كانت كافية بأن تُدخل الضحية للسجن، حيث يتبين بأن الأم قايضت حرية ابنها بالتنازل عن جريمة اغتصاب ابنتها لفائدة الجاني "محسن". يروي الشهود والمقربين من هذا الطرف وذاك، بأنه ورغم مرور سنوات على ذلك، فقد ظل "زهير" يحمل الضغينة والحقد للجاني محسن، وأن هذا الأخير ورغم أنه تزوج وامرأته حامل، فإنه ظل يعاكس أخت الضحية، بل هناك من يؤكد بأنها ظلت على علاقة به، رغم خروجها في فيديو على موقع التواصل الاجتماعي تنفي فيه واقعة الاغتصاب، وتنفي فيه علاقتها بالجاني، بل تؤكد فقط على أنه كان يعاكسها بالسوق والحي، في حين خرجت نسوة من الحي وكثير من معارف الجاني يؤكدون بالصورة والصوت بأن أخت الضحية كانت ولازالت على علاقة بالجاني، وأن من بين الأسباب للجريمة البشعة، قيام الجاني بتصوير أخت الضحية في أوضاع مخلة بالحياء وإرسالها للضحية من أجل إثارته وزيادة حنقه وغضبه، مع عبارة "هاهي معايا ضد فيك". ومع الحكايات والروايات، ظهر هناك انقسام كبير بين من يدافع عن الضحية، والذين وصل بهم الأمر حد القيام بمسيرة نحو عمالة الإقليم وأمام مستودع الأموات مرددين شعارات ومطالبين المسؤولين على الأمن والقضاء بضرورة إنزال أقسى العقوبات على الجاني، فيما الطرف المؤيد للجاني، خرج هو الآخر يتحدث عن كون الجاني "الله يعمرها دار"، وأن الضحية هو من كان حاقدا عليه، وأنه لم يكن ينوي قتله بل فقط إصابته بعاهة بعد أن ضربه الضحية وبتر له أصابع يده، فيما كان الإجماع، ونقول أنه شبه إجماع من هذا الطرف وذاك، على أن للأمر علاقة بحبوب الهلوسة والمخدرات والخمر والنساء، فيما أسرة وجيران ورفاق الضحية يقولون بأنه لم يكن يتعاطى أي مخدر وأنه كان يواظب على الرياضة وأنه كان هو الأب في عائلة يعمل معيلها بالمهجر. ومع فجر كل يوم تظهر شهادات لشهود ولمعارف ولأسر الجاني والضحية، شهادات وشهادات وحوارات تجعلك في حيص بيص، عن أسباب الجريمة، فيما كان بلاغ السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بآسفي، واضحا بعد تناسل الشائعات، بكون الجاني له من يسنده وأنه ليس معتقلا بل نزيلا بالمستشفى الإقليمي، حيث جاء البلاغ حاسما بأنه تم إيداع ثلاثة أشخاص بالسجن المحلي بآسفي وذلك على إثر جريمة قتل راح ضحيتها أحد الأشخاص بالمدينة، وأنه قد تم فتح بحث قضائي من طرف الشرطة القضائية بآسفي تحت إشراف النيابة العامة. وفي انتظار هدوء العاصفة وانطلاق فصول التحقيقات وإماطة اللثام على كل خبايا الجريمة، يبقى الطلب، طلب كل المتدخلين هو رفع اليقظة الأمنية بالمدينة، ومعه الضرب بيد من حديد على تجار المخدرات، خصوصا حبوب الهلوسة التي أصبت في متناول الجميع، حتى الأطفال بالمدارس والإعداديات، وهو ما جعل معدل الجرائم ترتفع بالمدينة، والنتيجة جرائم يهتز لها الرأي العام، في مدينة كانت تعيش هدوءً إلى أن غزتها أقراص الهلوسة وحتى المخدرات الصلبة التي أصبحت متوفرة في كل مكان، رغم جهود رجل الأمن في محاربتها واعتقال أصحابها. *** إيداع ثلاثة أشخاص بالسجن المحلي على ذمة التحقيق بشأن جريمة قتل أعلن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بآسفي، السبت الماضي، أنه تم إيداع ثلاثة أشخاص بالسجن المحلي بآسفي على ذمة التحقيق، وذلك على إثر جريمة القتل التي راح ضحيتها أحد الأشخاص بالمدينة. وأوضح بلاغ للوكيل العام للملك، أنه تم، وعلى إثر جريمة القتل التي راح ضحيتها أحد الأشخاص بمدينة آسفي، والتي تم تداولها بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي، فتح بحث قضائي من طرف الشرطة القضائية بآسفي تحت إشراف هذه النيابة العامة. وقد أسفرت الأبحاث والتحريات، حسب المصدر ذاته، عن إيقاف ثلاثة أشخاص قدموا أمام هذه النيابة العامة للاشتباه في ارتكابهم جريمة القتل العمد ومحاولته…، مضيفا أنه تمت إحالتهم على قاضي التحقيق بهذه المحكمة بناء على مطالبة بإجراء تحقيق في حقهم، وتم إيداعهم بالسجن المحلي بآسفي على ذمة التحقيق.