دائما ما يكون للفرحة بعض التأثيرات السلبية، كأن تصبح حجابا يمنعنا من الالتفات إلى مجموعة من الأخطاء، وهذا بالفعل ما جرى في الندوة الصحفية التي عقدها مدرب المنتخب الوطني إيريك غيريتس السبت الماضي، مباشرة عقب انتهاء لقاء القمة المغاربية بين منتخبنا الوطني ونظيره الجزائري بنتيجة غير متوقعة ولكن أسعدت الملايين من المغاربة وأبكت ملايين آخرين من الشقيقة الجزائر... وغيريتس كان البطل، ليس لأنه نجح في تحقيق المأمول والوفاء بعهده بالفوز في مثل هذه المقابلة المصيرية، بل لأنه أكد للجميع أنه بعيد كل البعد أن يكون مدربا مثاليا يتعامل باحترافية مع الجماهير وقبل ذلك مع لاعبيه ومساعديه، كل هذا لا يوجد في أجندة المدرب البلجيكي. غيريتس بعد الفوز الباهر نتيجة والمخيب أداء، نفخ ريشه كالنعامة وذلك حينما أجاب بطريقة عصبية على سؤال صحفي القناة الثانية والزميل حسن بوطبسيل حول سبب مغادرة تاعرابت لمعسكر المنتخب، وهو الشيء الذي اعتبر بمثابة إهانة لمواطن مغربي يؤدي مهمة منوطة به من طرف شخص أجنبي (غيريتس)، فليست الإجابة في حد ذاتها ما أزعج الكل بل الطريقة الغريبة والساخرة التي أجاب بها غيريتس زميلنا، ليكرس بذلك طريقته المتعجرفة في التعامل مع الصحافة المغربية، وكأنه أفضل المدربين على الإطلاق. فالكل يعلم أن سجل هذا المدرب حافل عندما يتعلق بكونه لاعبا سابقا، أو مدربا للأندية في الدوريات الأوروبية كبلجيكا وهولندا وتركيا وفرنسا، ولكنه لا يتضمن الكثير من العطاءات كمدرب مع المنتخبات، وهذا سبب آخر يدفعنا للتساؤل حول السبب في تعاقد الجامعة مع مدرب يخوض أول تجربة له على الصعيد الدولي، ويتقاضى أجرا أكبر مما يتقاضاه ديل بوسكي صانع أمجاد الماتادور، ولا يتفوق عليه سوى مدرب منتخب الأسود الثلاث فابيو كابيلو أغلى مدربي المنتخبات أجرا في العالم. يبدو أن غيريتس يخال نفسه مورينيو الثاني، حينما يتعامل بطريقة متعالية مع الكل ولا يعرف كيف يروض لسانه، ومع هذا الفوز ستزداد درجة العجرفة عندما الظهير الأيمن السابق، مع العلم أن الفوز العريض لم يأت بفضل تكيتيك غيريتس أو دهائه التخطيطي أو حتى لأن اللاعبين قدموا أداء باهرا، اللهم إن استثنينا بعطية والسعيدي، وإنما السبب يعود إلى مواجهتنا لمنتخب ضعيف لدرجة لم نكن ننتظر أن ينهار بتلك الطريقة. على غيريتس أن يشكر الله لأن المنتخب الجزائري لم يكن ندا لمنتخبنا المتوسط، وإلا فإن أشياء أخرى كانت ستجري في كواليس المنتخب المغربي، خاصة مع المشكل الذي خلقه تاعرابت برحيله دون أن يحاول حضرة المدرب المحترم الدخول على الخط لمعرفة الدوافع، وإن كنا نحترم اختياراته حتى ولو كانت خاطئة فهو المدرب الآمر والناهي بمباركة من رئيس جامعة الكرة الذي منح لناخبنا الوطني كافة الصلاحيات ليفعل ما يشاء!!؟ صحيح أن تصرف تاعرابت لم يكن مستساغا وأن غيريتس محق حين قال أن تاعرابت لا يستحق اللعب رفقة المنتخب المغربي وأن الحديث عن هذا الأمر انتهى، لكن طريقته الاستهزائية خلال الندوة التي حضرتها مجموعة من الطفيليات الدخيلة عن عالم الصحافة والإعلام، لا تتماشى مع مدرب أوشك على إتمام عقده الثاني في ميدان التدريب، مدرب يجب عليه أن يكون قدوة ومثالا للاعبينا دون أن ينسى تلقي دروس في أصول اللباقة والإتيكيت في التعامل مع الناس لكسب حب الآخرين، وليس العكس. رسالة لغيريتس أنه ربما تجمعك أوجه شبه كثيرة مع مورينيو، فبالإضافة إلى العجرفة والأنانية المفرطة نجد ردود فعل غريبة من غيريتس ومورينيو لا أحد يتوقعها أو ينتظرها، لكن الفرق يظل شاسعا بين أفضل مدرب بشهادة الجميع وعلى أرض الواقع وبين مدرب يخوض لأول مرة تجربة تدريب منتخب وطني، وما زال إلى لم يحقق أي شيء يذكر لكي نتسامح مع شخصيته الغريبة، كما فعلت جماهير تشيلسي وأنتر ميلانو وريال مدريد مع الداهية مورينيو لأن إنجازاته تتكلم بالنيابة عنه، فهل الفوز على الجزائر إنجاز كبير؟ أم أن غيريتس صدق أنه قادر على أن يهدي المغاربة ثاني لقب قاري مع التأهل إلى المونديال القادم... صراحة لن تهمنا تصرفات غيريتس الغريبة إن نجح في الوفاء بتعهدات، وهو ما ننتظره في القادم من الأيام.