واكب الإبداع الأدبي في مختلف مراحله الزمنية، المحطات الكبرى التي تمر بها البشرية، ومن بين هذه المحطات بطبيعة الحال، الوباء أو الجائحة، وما ينتج عنها من جوانب سلبية وإيجابية كذلك. في هذه النصوص نجد الذات والمجتمع في صراع مع عدو غير مرئي، وتلك هي سر قوته وطغيانه. من خلال حلقات هذه السلسلة إذن، نقف على عينة من النصوص الإبداعية المغربية والعالمية ومدى تفاعلها مع الوباء، حاضرا وماضيا على حد سواء. إعداد: عبد العالي بركات الحلقة 14 أوه عذرا كورونا بقلم: عبد الصاحب إبراهيم* بقلم: عبد الصاحب إبراهيم* حزم صالح الكاتب الخمسيني الطموح حقيبة عمله متجها إلى داره الريفي القريب من ألمدينة، بعد صراع مع زوجته في الذهاب وتاليف سيناريو، إن أحلام صالح وإصراره للذهاب لتحقيق أحلامه جعلته مصرا على رأيه، انتهزت الزوجة ذلك، وضعت له شروطا تكاد أن تكون تعجيزية، أن لا يتحدث مع أحد، ولا يتناول الطعام خارج المنزل. ذهب صالح لينجز سيناريو يستعرض فيه القادم ( كورونا)، ويحقق بالتالي نجاحا يضاف إلى نجاحاته ورقما قياسيا في المبيعات، ما أن وضع صالح أقدامه في مدينته الصغيرة مجهزا بالكمادات والقفازات، وعيونات سوداء، كان صالح موضع حيرة الأهالي بالوهلة الأولى حتى أجبروه بخلع النظارات والتعرف عليه، استقبل أهالي القرية، قرية آباءه وأجداده) المشتاقين إلى ضمه إلى صدورهم، فهو لم يزرها منذ سنتين، كلما كانوا يقتربون نحوه، يرجع خطوات للخلف ممتنعا عن المصافحة والتقبيل. – اوه، عذرا، كورونا. غلق باب منزله الريفي، بعد أن نصب على بابها لوحة، عذرا. لا استقبل أحد. كورونا. وتنفس بعمق، كأنه نجا من امتحان صعب. -رأيت هرع إلى حقيبته، وضعها على مكتبه الصغير، فتحها بعناية فائقة، حوت الحقيبة كل ما يحتاجه المسافر خلال أسبوع، من ملابس وأطعمة، أغلبها علب معلبة، وقليل من الخبز اليابس، وقناني العصير، ووزع ما فيها على المكتب، بعد أن قام بتعقيمها بالمعقمات. جلس على كرسيه المتحرك، وآلة الطابعة تهمس بأذنه. – الوقت ضيق، كورونا. استأذن آلة الكاتبة. – لحظة من فضلك، أبلغ زوجتي عن وصولي، اتصاله دام اقل من دقيقة. – أنا صالح، وصلت بأمان وبدأت عملي. كورونا. فتلك الكلمات القصار التي همست بها آلة الكاتبة، كانت أشبه بجرس إنذار لصالح ، رفع كمى ثيابه، وكتب على آلة الكاتبة أول كلمات السيناريو. – اوه. عذرا كورونا بدأ يضحك دون هواده، وهو يردد: – اوه عذرا كورونا. اتصل مسرعا هاتفيا بزوجته وهو يضحك، انتخبت عنوانا لفلمي، غريب وبسيط. – اوه عذرا كروننا، ما رايك في العنوان؟ – عرفتك مبدعا زوجي العزيز. وضع الهاتف جانبا وبدأ يطبع على الآلة ويردد: المشهد الاول صباحي، خارجي لقطة فضائية من الأعلى، لمدينة حضارية كبيرة، أنيقة وجميلة، اشبه بالمهجورة، لا أحد فيها، عدد من سيارات الإسعاف ، تخترق شوارع المدينة، بسرعة قصوى. المشهد الثاني منزل، صالة المنزل، صباحي، داخلي أعضاء أسرة مجتمعون في الصالة، الأب رجل ستيني، يدخن باستمرار، يبدو القلق على محياه. – الأب، أنا لا أحب هذا النوع من الموت، كما لا أحب أن يقع لكم حادث، يؤدي إلى موتكم. خروجكم للشارع، قد يؤدي إلى إصابتكم بالكرونا والموت بالنهاية ، فهي سريعة الانتقال. البيت هو المكان الوحيد الذي يحميكم من الإصابة. صوت بكاء وعويل يرتفع من المنزل المجاور، يصفر وجه الرجل، ويفقد السيطرة على نفسه. – اخيرا مات المسكين تتجه الأنظار إلى البيت المجاور الأم – ابنهم الكبير كان مصابا بالكرونا، لابد انه مات. تقوم الأم من مكانها متجهة صوب الباب، أنظار الأسرة تلاحقها، تنظر، من خلال العين السحرية للباب للخارج، تلحظ رجال الإسعاف وهم ينقلون مصابا، تصرخ دون وعي وتسقط على الأرض، تلتف الأسرة حولها قلقين. يضع صالح يديه خلف رأسه، غارقا بالتفكير، إنه مشهد درامي يشد المشاهد من اللحظات الأولى. يسحب صالح الورقة التي قام بكتابتها، من آلة الطابعة، يترك كرسيه يخطو خطوات قصيرة وهو يقرأ كلمات. النص المطبوع، بدقة متناهية، يعود، إلى المكتب، يتناول عصيرا من الذي أتى به، يأخذ جرعة، طرق على باب المنزل، يجمد صالح في مكانه لا يرد على الطارق، لعله يذهب، سكوت غريب. يعاود الطرق على الباب ثانية، يتقدم بأقدام هادئة صوب الباب كي لا يحدث صوتا، الباب يطرق للمرة الثالثة، النقال يرن، يظل في حيرة من أمره، يتجه للباب أم للنقال. يختار الأقرب، يلقي من العين السحرية للباب نظرة للخارج. يلحظ صبيا صغيرا في الثانية عشر من عمره، لا يضع على وجهه الكمادة، ويديه عاريتين من القفازات. يحمل طبقا من الطعام، لوجبة كاملة، متنوعه، النقال لازال يرن. ينظر للنقال بحيرة. – الطعام يحاول صالح معرفة الصبي لكن دون جدوى يحدثه من خلف الباب. – نعم – ارسلتني امي لكم بالطعام – بالطعام – تخصك بالسلام، تعتذر وتطلب منك القبول تحياتي الوالده، أخبرها بأنني مشغول، تكفيني المعلبات التي حملتني إياها زوجتي. – والطعام – أوه عذرا. الكورونا. زوجتي أوصتني أن لا أتناول أي شيء. مع السلامة. يودع الصبي خائبا ويلجأ صالح للهاتف. صوت زوجته يسمع بوضوح. – قلقتني يا صالح، لم لم تجب على الهاتف – هناك من أتى لي بالطعام – من – صبي صغير – من – صبي صغير من أبناء القرية – أدخلته المنزل – كيف أدخله وأنا لا أعرفه معرفة دقيقة، كنت أحدثه من خلف الباب، من خلف الباب. لطمت الزوجة خديها وصرخت وأمرته بأن لا يفتح الباب حتى لأبيه المرحوم، وأوصته بالحذر وأن يحترس حتى من ظله، فالكرونا لا تلهو مع أحد، أو يعود حالا وينسى الأحلام والطموح. واستمرت بالكلام والمسكين صالح، ينصت ويمسح بيده الأخرى العرق من جبينه، وتقول له بين لحظة واخرى: – تسمع. كي يختم الكلام لا يضيف للجواب كلمة ويقول: – سامع أنهكه الكلام، وزرعت الخوف في جسده النحيف زرعا مميتا، بدأت عينيه تلف وتدور في المنزل. يرى الأشياء بصور غريبة، يصرخ أحيانا ويغطي وجهه أحيانا أخرى، تفحص الشبابيك وتأكد من سلامة إقفالها، خفض إنارة المكان، جلس على كرسيه الهزاز، يمسح العرق الذي غطى ثيابه، غفا من شدة التعب، وعلا شخيره. وقفت زوجته أمامه سدا مانعا، وقد اصفر لون وجهها. – اسمع يا صالح لا أهل لي ولا أخوة أنت تريد تركنا في هذه الفترة الحرجة، انس السيناريو، فأنا أشم منه رائحة الموت، ولا تترك بيتك، قطاع الطرق كثر، والطريق ليس آمنا، والأطعمة ملوثه، والكرونا معشعش في كل مكان، تنتظر اللحظة المناسبة، لتنتقل بجسدك، أخاف عليك يا صالح. نسيت أنت زوجي ومناي. جرس النقال يعلو عاليا. اختلط الأمر على صالح. – دعيني أرى من المتصل. رنين الهاتف لا ينقطع. استيقظ صالح منهوك القوى كمن يبحث عن زوجته، صراخ الزوجة يعلو عاليا من النقال. – أين كنت يارجل؟ – كنت معك معي جن جنونك. تحتد الزوجة وصالح استسلم لكلامها، الزوجة تنتقل من التهديد للنصائح، وصالح استسلم لها حرفيا. وانتهى الأمر بنوم صالح على أن يستيقظ صباحا وينهي عمله ويعود لها، فالمدينة محاصرة، لا يسمحون للأهالي بالدخول والخروج. رمي جسده المتعب على السرير وغفا وشخيره لا ينقطع، رفع أذان الفجر وشخير صالح لا زال عاليا، رن النقال، استيقظ صالح والنوم لا زال يحتضنه، يسرع على أطرافه الأربعة تجاه النقال. – ألا تسمع أذان الفجر؟ إنه صوت زوجته، يحاول الوقوف على قدميه، إلا أن قدميه لا تطيعانه، يقع من شدة القلق الخوف، ويخلق صوتا. رهيبا يلجأ للكرسي الهزاز، يتطاير الكرسي في الهواء. والزوجة تصرخ: – ماذا حدث؟ - وقعت – لا تتكاسل. انهض، أنت سالم. – أسرع. ارتح قليلا. يضع صالح رأسه قرب الآلة الكاتبة ويكتب شيئا ويغفو من جديد. سيارات إسعاف تجتاز القرية، وموتى في أنحاء القرية، يقع الصبي الصغير ذو الثانية عشر سريعا، مقابل منزل صالح، تجتمع النسوة، يصرخن ويضربون على الخدود والصور ومن بينهن أم الصبي، تسرع لمنزل صالح. تطرق الباب بشدة. – يا ابن العم، النجدة يستيقظ صالح خائفا، يفتح الباب دون وعي، تسحبه أم الصبي قرب ولدها. – افعل من أجلي شيئا. يتفحص الصبي، قلبه لا زال ينبض، إلا أنه يتنفس بصعوبة. يحمل الصبي ويأتي به للداخل، يضعه على سريره ويحاول إفاقته، دون جدوى، سيارة إسعاف تجتاز القرية. أم الصبي تضرب على صدرها وتركض دون وعي. تتبعها سيارة إسعاف أخرى، نرى داخل السيارة، صالح يرقد داخل سيارة الإسعاف وبيديه المصل، يتنفس بصعوبة، يرفع رأسه إلي الأعلى، المشهد الأخير أنجز بهذه الصورة، المشاهد الأخرى، أكتبها بعد الشفاء.