عرضت قناتنا «الأولى» ليلة الأحد 25 أبريل المنصرم، فيلما تلفزيونيا من إنتاج الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، نفذت إنتاجه شركة فن وأخرجه إدريس المريني عن سيناريو لبشرى ملاك. ويعتبر هذا الفيلم الجديد خامس الأفلام التلفزيونية التي أخرجها المريني لحد الآن، إلى جانب أفلامه السينمائية «بامو» (1983) و»العربي» (2010) و»عايدة» (2014) و»الحنش» (2017) و»جبل موسى» (2021). ففي كل فيلم من هذه الأفلام تناول حالة إنسانية ببساطته المعهودة، وهي بساطة لا تخلو من عمق إنساني وتمكن ملحوظ من أدوات التعبير بالصورة والصوت. تتمحور قصة فيلم «لبنى وعمي لخضر» حول طالبة في السنة الثانية بكلية الطب والصيدلة بالرباط، تجد نفسها مضطرة للبحث عن سكن بعدما طردها مالك الشقة التي كانت تكتريها بسبب عدم أدائها لواجب الكراء مدة ثلاثة أشهر.. تعيش الطالبة لبنى ظروفا مادية صعبة بسبب انقطاع المصروف الشهري الذي كانت تبعثه لها أمها خديجة على شكل حوالة من إسبانيا حيث تعمل أجيرة بعد وفاة زوجها. وفي اتصال هاتفي للبنى بأمها، تخبرها هذه الأخيرة بأنها تعاني من البطالة بسبب الأزمة الناتجة عن جائحة كورونا وتقترح عليها الاتصال بعمها المقيم بالرباط لمساعدتها. إلا أن زوجة هذا الأخير المتسلطة تجبره على رفض استضافة لبنى في منزلهما. مرة أخرى تقترح عليها أمها اللجوء إلى عمي لخضر، المقيم بإحدى العمارات وسط العاصمة، وهو أحد الأصدقاء القدماء لجدها من الأم، لمساعدتها في هذه الظروف الصعبة. يستقبلها عمي لخضر في البداية ببرودة وحذر شديد، إلا أنه في الأخير يسمح لها بالإقامة مؤقتا (ليلة واحدة، ثم أسبوع) في الشقة التي يعيش فيها وحيدا بعد موت زوجته وزواج إبنته مرية وإبنه سمير، اللذان يعيشان بعيدا عنه. يفرض عمي لخضر على لبنى قانونا داخليا صارما عليها احترامه، وشيئا فشيئا تتأقلم مع هذا الوضع، إلا أن حادث الإغماء الذي تعرض له عمي لخضر وسهر لبنى على نقله إلى مصحة ثم العناية به بعد عودته إلى شقته، وكأنه والدها، جعل هذا الأخير يغير من موقفه الصارم تجاهها، وذلك لأنه وجد فيها من الحنان والعطف والرعاية ما لم يجده في إبنته وإبنه اللذان شغلتهما حياتهما الخاصة عن الاستفسار عن أحواله. تمكن مخرج الفيلم على امتداد 91 دقيقة من شد انتباه المتلقي بأسلوبه البسيط والخطي في السرد، وبعنايته بالتفاصيل، وباختياره وإدارته المحكمة لبطلي الفيلم الرئيسيين هند بن جبارة (في دور لبنى) وحسن فولان (في دور عمي لخضر) وباقي الممثلات (سناء بحاج وكنزة فريدو وبدرية العاطي الله…) والممثلين (محمد الأثير ومحمد خربوشي وعبد الحق بلمجاهد ومحسن بلحسن ومحمد متوكل…). وعلى ذكر بطلي الفيلم، فحسن فولان نادرا ما تمنح له مساحات أطول في أفلامنا السينمائية والتلفزيونية رغم تجربته الطويلة في المسرح والسينما والتلفزيون، ويبدو أن اقتناع المريني بأدائه في فيلمه السينمائي الأخير «جبل موسى» هو الذي شجعه على اختياره ليتقاسم دور البطولة مع الممثلة الشابة هند بن جبارة، التي برهنت عن تمكنها من أدوات التعبير بحركاتها وكلامها وتقاسيم وجهها في هذا الفيلم وفي أعمالها السابقة من قبيل الفيلم السينمائي «رقصة الرتيلاء» ( 2017) لربيع الجوهري والفيلم التلفزيوني «الخطيب» (2019) لإدريس المريني وغيرهما من أعمالها الأخرى. أشرفت على المونطاج، كالعادة، مريم الشادلي، الشيء الذي طبع الفيلم بإيقاع سلس ومتوازن ليس بالبطيء ولا بالسريع. كما تم اختيار مقاطع موسيقية مختلفة وجميلة من إبداع يوسف الصديقي كان لها دور تعبيري عن الأحاسيس الداخلية والأجواء التي تجري فيها أحداث بعض المشاهد (كحالة الخوف التي عاشتها لبنى عندما أطفأ عنها الضوء صاحب الشقة التي تسكنها، وحالة عمي لخضر النفسية المنهارة بعد مكالمة هاتفية مع إبنه وابنته، مثلا). وأمتعتنا كاميرا عادل أيوب بلقطات داخلية وخارجية من زوايا مختلفة لا تخلو من جمالية وإحساس، بما في ذلك لقطات بانورامية وغيرها تظهر بعض معالم مدينة الرباط وما جاورها ومظاهر الحياة اليومية بها. أما الصور واللوحات التشكيلية وقطع الديكور التي تتأثث بها شقة عمي لخضر فقد أضفت جمالية خاصة على المكان وذكرتنا بكونه كان موظفا بالسفارة الأمريكيةبالرباط قبل تقاعده. الفيلم بشكل عام مضبوط تقنيا وسيناريوه متماسك وحواراته واقعية نسبيا ونهايته منطقية ولا يخلو من تشويق، تمكن مخرجه من خلال أحداثه ومواقفه، التي لا تخلو من مسحة كوميدية (علاقة عمي لخضر بصديقه سلام وجارته حورية) ونظرة نقدية لبعض مظاهر حياتنا اليومية (استغلال حارس العمارة من طرف بعض السكان واستغلال الوسيط العقاري «السمسار» لزبناءه وتنكر العم فؤاد لابنة أخيه لبنى…)، أن يقربنا من معاناة شريحة من الطالبات المجدات والجديات القادمات من مدن صغيرة (أزرو في حالة لبنى) لاستكمال دراستهن الجامعية بعاصمة المملكة، كما تمكن وبطريقة غير مباشرة من وضع الأصبع على معاناة شيخ متقاعد يشكو من الوحدة والمرض والشعور بجحود الأبناء وأنانيتهم في لحظة هو أشد فيها حاجة إلى من يسأل عنه وعن أحواله الصحية وغيرها. لقد شكل ظهور لبنى في حياته بلسما مؤقتا لجراحه وملأ فراغا ظل يشعر به بعد رحيل زوجته هنية منذ ثلاث سنوات وانشغال أبنائه عنه بحياتهم الخاصة ومشاكلها التي لا تنتهي. ولعل هذه العلاقة الإنسانية التي جمعت بين شيخ مريض وفتاة في مقام ابنته هي ما يعطي لهذا الفيلم التلفزيوني قيمة فنية وفكرية. يذكر أن الفيلموغرافيا التلفزيونية للمخرج إدريس المريني تتكون، بالإضافة إلى مجموعة من البرامج والأعمال الوثائقية، من الأفلام التالية: «لبنى وعمي لخضر» (2021)، «العد العكسي» (2020)، «القطار المتوجه إلى…» (2019)، «الخطيب» (2018)، «ليلة غير عادية» (2016).